حوار مجدى الجلاد ورانيا بدوى ٣/ ٤/ ٢٠١١
فى لحظة تاريخية حاسمة من تاريخ مصر، يخرج علينا الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، بصدقه المعهود يتحدث عن اللحظة الراهنة وعن رؤيته للمستقبل فى ظل إعلان دستورى ستترتب عليه انتخابات برلمانية ثم دستور تُحكم به البلاد. البرادعى قال عن قانون الأحزاب إنه يحدد ماهية من يصنعون المشهد السياسى المقبل وكيفية صناعته، وهو مؤمن بأن الإعلان الدستورى أحد مشاهد الارتباك السياسى، وأنه يُبقى على عيوب دستور ٧١، ولا يؤمن بأن كونه دستوراً مؤقتاً يعنى أن نغض الطرف عن بعض عيوبه، لأنه سيترتب على هذا الإعلان الدستورى الحياة السياسية فى مصر فى الفترة المقبلة. ووجه البرادعى رسالة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من خلال هذا الحوار يؤكد فيها ضرورة أن يفرق المجلس العسكرى بين دوره فى الدفاع عن الوطن ودوره فى الإدارة السياسية للبلاد.. وعملاً بالصفة الثانية عليه أن يكون رحب الصدر، فاتحاً دائماً باب الحوار والنقاش والجدل والاختلاف.. ملفات كثيرة عن الشأنين الداخلى والخارجى ورؤيته بشأنها كمرشح للرئاسة فى مصر.. وإلى نص الحوار: ■ كيف ترى الأوضاع فى اللحظة الراهنة بعد ثورة يناير وما تلاها من إجراءات حتى الآن؟ - فى رأيى أن الفترة الحالية هى الأحرج فى عمر مصر.. الثورة كانت عظيمة حيث فجّرها الشباب والتف حولها الشعب وحماها الجيش. إنما اللحظة الراهنة تشعرنى بكثير من القلق لعدم وجود وضوح فى الرؤية مما يؤدى إلى إحساس بعدم الاستقرار، فالناس فى الشارع على مختلف فئاتهم يشعرون بالقلق ولا يعرفون ماذا سيجلب المستقبل. ■ ولكن ألم تتضح الرؤية بعد إصدار الإعلان الدستورى؟ - لا أعتقد ذلك، فقد كنت أتمنى أن يسبق إصدار الإعلان الدستورى حوار بين الشعب والمجلس العسكرى، لأن هناك الكثير من الأمور التى وردت فى الإعلان ملتبسة وبعضها لا يحقق لنا ما نبتغيه من المرحلة المقبلة، فطبقاً لهذا الإعلان الدستورى لا نعرف كيفية ضمان تشكيل لجنة تأسيسية تمثل جميع طوائف الشعب واتجاهاته، خاصة أن توقيت إجراء الانتخابات البرلمانية لا يتيح للأحزاب الجديدة الممثلة للثورة الفرصة لتكوين نفسها ولا إجراء منافسة حقيقية، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك برلمان فى سبتمبر المقبل غير ممثل للشعب تمثيلاً حقيقياً، وفى النهاية ننتهى إلى دستور لا يعبر عن توافق الإرادة الوطنية وهو فى رأيى أهم أسس النظام السياسى الجديد. وأعتقد أن الإعلان الدستورى أخذ جميع عيوب دستور ٧١ حيث نظام الكوتة ونسبة العمال والفلاحين. وإذا تصورنا فى الوقت الحالى أننا نريد الانتقال إلى نظام برلمانى فهذا معناه أن نعيد انتخابات مجلسى الشعب والشورى والرئاسة وهو أمر غير منطقى. كذلك فإن الاحتفاظ بمجلس الشورى رغم أن الجميع أقرّ بأنه غير ذى جدوى ويُنفق عليه ٤٠٠ مليون جنيه سنوياً، يثير العديد من التساؤلات. كذلك لا أعرف كيف سيتم انتخاب الرئيس، هل سيقدم المرشح على أنه رئيس لدولة نظامها رئاسى أم برلمانى؟ وإذا حدثت انتخابات رئاسية ثم وضع دستور جديد نص على أن نظام الدولة برلمانى، هل يعنى هذا أننا سنعيد الانتخابات من جديد؟ إذن لا بديل عن أن يوضع الدستور أولاً. ■ ولكن وجهة النظر الأخرى تقول إن الإعلان الدستورى هو دستور مؤقت؟ - حتى ولو كان مؤقتاً فإنه سيكون ذا تداعيات سياسية طويلة المدى، وعلى الجيش أن يعلم أن ما يقدم عليه من إجراءات سيؤثر على مصير مصر لعقود كاملة. لذلك كنت آمل أن يتم وضع دستور جديد عليه توافق من جميع طوائف الشعب وهو ما لم يحدث. على العكس بدأنا بتعديلات دستورية ورغم أنها ظهرت بمشهد مفرح لخروج أعداد غفيرة من الشباب وكبار السن، مسلمين وأقباطاً، عمالاً وفلاحين، معاقين وأصحاء للوقوف فى صفوف طويلة للتصويت على هذه التعديلات، إلا أننا لم نعطهم فرصة لفهم معنى تصويتهم، وأُسىء استخدام الأمر وكأن من يصوت بنعم يصوت للإسلام والعكس صحيح. ■ ولكن البعض قرأ نتيجة الاستفتاء على أنها دليل على انفصال النخبة عن الشعب؟ - هذه المسألة بالذات لا تعنى انفصال الناس عن النخبة، فالناس تصورت أن «لا» معناها عدم استقرار، وهذا التباس.. ومن ثم لو كنا أعطينا الناس فرصة شهرا أو شهرين وقامت النخبة بشرح التعديلات ومعناها وتداعياتها لكان الأمر مختلفاً. وللعلم فرغم أننى أكدت للمجلس العسكرى أن الدستور سقط ولا تصلح إعادته للحياة عبر هذه التعديلات، قام الجيش بالاستفتاء ولكن بعد هذا الاستفتاء بيوم واحد أعلن الجيش عن نيته إصدار إعلان دستورى جديد. فلماذا لم يأخذ بآرائنا فى البداية؟! لاشك أن هناك ارتباكاً شديداً، لذا فالتواصل بين الجيش والشعب أمر مهم للغاية. ■ ولكن الجيش يفسر هذا الموقف بأنه يريد ترك السلطة بسرعة وتسليمها لقوى مدنية، بينما ستطيل التصورات الأخرى المطروحة من تأجيل للانتخابات وغيرها مدة بقائه؟ - سبق أن اجتمعت مع المجلس العسكرى وأعرف المشاكل التى تواجههم وتواجه الدولة وأنهم يريدون الرجوع إلى مكانهم للدفاع عن الوطن، وهذا أمر نقدره تماماً، لكن هناك بدائل أخرى مثل المجلس الرئاسى المكون من مدنيين وبمشاركة من الجيش. ■ هل لديك تفسير لرفض الجيش المجلس الرئاسى؟ - حقيقة لا أعلم. وقد ذكرت لهم من قبل كما أذكر مراراً فى وسائل الإعلام، وأنا أتفهم تماما أن الجيش لا يريد أن يبقى فى السلطة ولكن أيضا لا داعى للعجلة. وكل أساتذة القانون الدستورى يؤكدون أن الدستور الجديد لن يستغرق إعداده سوى من ٣ إلى ٤ أشهر. ■ وما رأيك فى الحوار الوطنى بقيادة نائب رئيس الوزراء، ولماذا لم تحضره؟ - تعجبت كثيراً أن يبدأ حوار وطنى بعد إصدار الإعلان الدستورى وليس قبله، وقد تمت دعوتى الليلة السابقة لبدء الحوار دون أى معلومات أو إيضاحات عن ماهية أجندة الحوار، وكنت أتمنى أن ترسل لنا ورقة النقاش قبلها بعدة أيام، وأن تُحدد أهداف الحوار الوطنى ومن هم المشاركون وهو ما لم يحدث بتاتا. فضلا عن ذلك فقد كنت مرتبطا بموعد مسبق مع وزير خارجية الهند فى الوقت نفسه. ■ وما رأيك فى قانون الأحزاب الجديد؟ - أعتقد أنه احتوى على أمور عديدة سيئة وغير منطقية، من بينها منعه قيام أحزاب على أسس فئوية أو جغرافية. فكل دول العالم بها أحزاب للعمال وللفلاحين وغيرهم من الفئات، كما توجد أحزاب مناطقية فى هذه الدول.. وإذا كان المقصود هو إقصاء مناطق مثل سيناء والنوبة، فهنا أعتقد أننا مازلنا نفكر بنفس العقلية القديمة ولم يتغير شىء على الإطلاق، فهذه المناطق لها حقوق، من بينها أن تكون هناك أحزاب تعبر عنها. فى المجمل كنت أتصور أن يناقش ويطرح هذا القانون على الشعب قبل إقراره، وكما ذكرت من قبل، فهناك تجارب مثل أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية استغرقت ما بين عام وعامين للانتقال من مرحلة الثورة إلى النظام الديمقراطى. ■ لكن البعض يقول إنه من الضرورى عند المقارنة بدول أوروبا الشرقية فى فترة التحول الديمقراطى، أن نتذكر أن الدول المجاورة لها كانت دولاً ديمقراطية ساعدت على إحداث تحول سريع وسلمى تجاه الديمقراطية، بعكس المحيط الجغرافى لمصر، الذى هو استبدادى فى غالبيته، فضلا عن عدم ترسخ التجربة الديمقراطية فى المجتمع المصرى وبالتالى فإن التحول الديمقراطى سيستغرق وقتا أطول ويسبب مشاكل اقتصادية وعدم استقرار فى المجتمع؟ - صحيح أن المسألة مختلفة وأن أوروبا الشرقية اقتدت بتجربة أوروبا الغربية، ولكن المرحلة الانتقالية لا تعنى أيضا الفوضى أو عدم الاستقرار، فى حال توافر خطة طريق واضحة، وإنما هى انتقال من نظام قمعى إلى آخر ديمقراطى. وحين يعرف المستثمر ماذا سيكون عليه مستقبل مصر، فسيأتى باستثماره دون تردد، أما عدم الوضوح فهو ما يخيف المستثمر، وأنا كنت أتحدث مؤخرا مع رئيس بنك أجنبى يريد استثمار مليار دولار فى إحدى الدول، ويسأل إن كان ذلك ممكنا فى مصر الآن؟ فقلت له استثمر فى مصر لأنها، إن شاء الله، بعد انكسار النظام الديكتاتورى سيكون مستقبلها أفضل، رغم وجود بعض المعوقات. ■ هل من الطبيعى أن ينعكس الجدل السياسى وفوضى النقاش على الشارع لتصبح فوضى أمنية، أم أن أمن الشارع لا علاقة له بجدل النخبة؟ - الاثنان إلى حد ما مرتبطان ومنفصلان. فأمن الشارع، حتى وإن لم يكن الطريق السياسى واضحا الآن، يجب أن يكون محسوما، كما أن عدم نزول الشرطة بالكامل حتى الآن يعد لغزاً.. والمرحلة الانتقالية لا تعنى فوضى أمنية ولا خرابا للبلاد ولا بلطجية يتعقبون السياسيين، إنما هى مرحلة تأسيسية من الممكن أن تكون منضبطة للغاية لو حددنا الهدف ووضعنا خارطة طريق واضحة. ■ جزء من الفوضى يراه البعض بسبب اعتصامات متكررة لتغيير رؤساء الهيئات والمؤسسات وعمداء الكليات وكل من تعامل مع النظام القديم؟ - يجب أن نفهم أن الثورة تعنى وجوهاً جديدة ونظاماً جديداً ومصر جديدة، وهنا سؤال يجب أن نطرحه: هل نجمد النظام القديم أم نطهره؟ مناصب العمد والمشايخ والمجالس المحلية يجب أن تكون بالانتخاب، فما حدث لم يكن انقلابا لتغيير أشخاص وإنما لتأسيس نظام جديد.. أما أن يترك رموز النظام السابق يديرون كل المؤسسات وكأن شيئا لم يحدث فهذا ما يخيف الناس. ■ هل هذا يعنى أنك ترى أن النظام مجمد ولم يسقط بعد؟ - بالتأكيد النظام لايزال موجوداً. ■ البعض يتعلل بأننا لا نستطيع إسقاط رؤساء كل المؤسسات والجامعات دفعة واحدة وإلا سيحدث خلل فى المجتمع؟ - أنا أدرك أننا لن نستطيع عمل ذلك فى يوم واحد ولكن أعطنى خريطة محددة وخطة زمنية. فمثلا وبعد شهر من الثورة، العديد من القيادات الصحفية مازالت تمارس البلطجة الفكرية والتلون مثل الحرباء، وهؤلاء كان لابد أن يتم تغييرهم فورا، لأننا ولكى نبدأ العمل من جديد «على نضيف» لابد أن نحدث تغييرا فى الوجوه والأفكار والأشخاص. ■ ولكن هناك خطوات بدأت بالفعل، منها تغيير بعض رموز الإعلام السابق، سواء فى الصحف أو فى التليفزيون؟ - سعيد بتطهير الإعلام ومازلت فى انتظار تطهير التليفزيون المصرى «ماسبيرو» بالكامل حتى نخلصه من الأفكار الكاذبة التى كانت تبث منه، نظرا لأنه وسيلة نقل الأخبار الرئيسية لغالبية الشعب المصرى، ويجب أن يعقب ذلك وضع ضمانات لاستقلال جميع أجهزة الإعلام عن طريق الشعب وفصل السياسة التحريرية عن الملكية، لأن أكثر ما يفسد الأنظمة السياسية هو الدستور والإعلام. ■ ماذا تفعل أيضا لكى يطمئن المواطنون أن الثورة نجحت؟ - فى رأيى المتواضع هناك أمور كثيرة واضحة لدى كل الناس. فهناك رموز فى النظام السابق مازالت متواجدة دون حساب والناس تقول إن بعض الأسماء أُخذت ككبش فداء لأسماء أخرى والباقى لايزال طليقا بحجة عدم وجود إثباتات على فساد مالى، ولكن ماذا عن الفساد السياسى؟؟ الحكومة نفسها قالت إن هناك ثورة مضادة لماذا إذن لا يوجد إجراء احتياطى أو احترازى؟ وذلك ممكن طبقا للقانون العادى، فما بالك بقانون الأحكام العرفية لحماية الدولة؟ أو حتى بالإقامة الجبرية فى بيوتهم وقطع الاتصالات عنهم لأقضى على حالة انعدام الأمن الموجود فى الشارع. وأنا أقدر المهام الجسيمة التى تقع على عاتق الجيش، لكننى أيضاً أطلب منه الشفافية التى ستساعد على بناء المصداقية. ■ وما رأيك فى طريقة التعامل مع الرئيس مبارك وعائلته وتركه حتى الآن دون محاسبة؟ - هذا هو التساؤل الذى يطرحه الناس فى الشارع. ومصر ستظل مريضة مادام وضع مبارك ملتبساً، إما أن يغادر البلاد كالرئيس التونسى زين العابدين أو يحاكم. وإذا كنا نريد أن نعطى انطباعاً بأننا نريد أن نغير النظام فعلينا أن نبدأ بالرأس وليس بأن أضع صغار القوم فى السجن وألبسهم «ترنجات بيضاء». كذلك لماذا تأخرنا فى استرداد أموالنا منهم؟ هذه أموال الشعب. ■ هل انتماء مبارك للمؤسسة العسكرية هو سبب الحفاظ عليه فى هذا الوضع بألا يغادر مصر وألا يحاكم؟ - لا أعرف بالضبط، ولكن ما أعرفه أن هذا النظام حوَّل مصر إلى دولة فساد سياسى واقتصادى وفكرى. وسواء كان عسكرياً أو غير عسكرى فيجب أن يحاكم، وإن كنت ممن يقولون إنه يستطيع أن يرحل خارج مصر، فنحن لا نريد أن ننظر إلى الخلف، وأفضل أن أنظر إلى الأمام باستثناء الجرائم، أما فيما يخص الأموال المنهوبة فنستطيع أن نعمل مصالحة ونسترد أموالنا. أنا مع المصالحة ولكن بضوابط ولقلة قليلة فقط، لأن الشعب المصرى الذى لا يجد ما يأكل ولديه مشكلات كبيرة يحتاج منى الاهتمام فى هذا الوقت. فى جنوب أفريقيا وفى تشيلى قالوا «هات الفلوس وعقابك هو نظرة الناس لك». ■ إذن أنت تميل إلى هذه الفكرة؟ - نعم لأنى أريد لمصر أن تتعافى سريعاً باستثناء المسؤولية الجنائية التى كما قلت لا يمكن المصالحة فيها. ■ فى رأيك هل مصر مؤهلة الآن لنظام برلمانى، خاصة مع ضعف الأحزاب؟ - يجوز فى البداية أن تكون الأحزاب غير قادرة على مسايرة الأحداث السياسية بشكل فردى ولكن من الممكن حدوث ائتلاف للأحزاب لتشكيل أغلبية وهذا حدث فى عدد من الدول الأجنبية من قبل، ورغم أن مصر قائمة منذ ٧٠٠٠ عام على النظام الفردى فى الحكم ونريد نحن أن ننقلها إلى نظام المؤسسات الآن، فلا أحد يتوقع أن الأمر سيكون سهلا ومع ذلك أنا أرى النظام البرلمانى هو الحل. ■ ما رأيك فى إجراء الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة النسبية؟ - هذا أفضل نظام للانتخاب، وكنت أتمنى أن يتم توضيح ذلك فى الإعلان الدستورى، لأن الانتخابات بنظام القائمة النسبية تعنى تمثيل جميع قوائم الشعب فى البرلمان لا أن تكون الطوائف ممثلة عن طريق كوتة مصطنعة مثل ٣٠ مقعداً للمرأة أو ٥٠% للعمال والفلاحين. ■ هناك من يقول إن القوات المسلحة عانت فى التوفيق بين آراء أهل الخبرة وأن الاختلاف بين النخبة تحول إلى خلاف بينهم، وبالتالى يرد البعض بأن هناك ظلما للمؤسسة العسكرية باتهامها بعدم الاستعانة بالخبراء وأن قراراتها فوقية.. هل أنت مع القول بأن النخبة فى مصر ممزقة؟ - هذا صحيح، النخبة فى مصر ممزقة منذ ٦٠ عاماً منذ غابت الديمقراطية فى مصر من حرية رأى وصحافة وأحزاب.. إلى آخره. وقد رأيت ذلك بنفسى منذ أن عدت من الخارج إلى مصر ورأيت كيف أننا لم نعد قادرين على العمل الجماعى أو أن نعمل للصالح العام دون أن نعبأ بالمصالح الشخصية. لكن هذا لا يمنع أن هناك نخبة شريفة فى مصر قد تكون قليلة ولكنها موجودة. وأنا متاكد أن القوات المسلحة التقت البعض، ولكنى كنت أتمنى نوعا من الشفافية.. مَنْ تقابل، وفى أى موضوعات يدور النقاش وشكل الحوار... إلخ، وفى نهاية المطاف لا مفر من الحوار الوطنى لتحقيق التصالح لأن قدرنا أننا سنعيش سوياً لذا فعلينا أن نجد وسيلة للتعايش، وهنا أرجع إلى الدستور مرة ثانية، لأن المخرج والأساس هو أن أى مصرى له الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها. إذا اتفقنا على ذلك بتفصيلاته بما يعنى أن من حق القبطى أن يبنى كنيسة وأن يتقلد مناصب عليا وحساسة، وأن بدو سيناء من حقهم دخول الجيش والشرطة.. ولكن كيف أستطيع أن أتصور أن يكون للبدوى مثلا ولاء للوطن وأنا أعامله كمواطن من الدرجة الخامسة. وأنا أتحدث عن الكل دون تفرقة سواء أهل النوبة وسيناء، المسلمون والأقباط، النساء والرجال.. أى أن نتعامل مع مبدأ المواطنة بمعناه الحقيقى. من جهة أخرى، يجب أن يفرق المجلس العسكرى بين دوره كحام للوطن، ودوره فى الإدارة السياسية للبلاد، وبهذه الصيغة الأخيرة يجب أن يكون صدره رحبا ويدخل فى حوار مع الشعب تحقيقا للشفافية. ■ يقال إنك مرفوض من حزب الوفد، ومعادى من حزب التجمع، وتختلف مع السلفيين لأنك مع الدولة المدنية، وأصبحت الآن لديك خلافات مع «الإخوان» بسبب الاستفتاء.. فى ظل هذا المشهد كيف تقيم حواراً وطنياً وبين كل القوى السياسية خلافات؟ - لا أعتقد أن كل هذه الأحزاب تمثل ١% من الشعب المصرى، وبالتالى فالحوار مع الشعب المصرى ستنتج عنه وجوه وأحزاب جديدة. ثانياً ليس هناك خلاف بينى وبين الإخوان، وأنا على حوار معهم كما أننى على حوار مستمر مع الأقباط ورموز الأحزاب المختلفة وحتى السلفيين المعتدلين، فجميعهم أطياف من المجتمع المصرى. وأنا أرى أننى لو استطعت أن أحدث حوارا بين الإخوان والأقباط وأوفق بينهما فذلك هدف كبير لأن كليهما شريحتان كبيرتان من الشعب المصرى. والأمر نفسه مع أهل النوبة الذين يمثلون ٥ ملايين مصرى، كما أن الأقباط ١٠ ملايين بما يعنى أننى أهدف إلى حوار وطنى مختلف بين أطياف الشعب وليس بين الأحزاب. المشكلة أن النظام القديم شرذم الشعب وجعل كل جزء منه ينظر إلى الآخر بوصفه عدوه. ■ تتحدث عن الحوار الوطنى ولكنك فشلت فى التوفيق بين القوى المختلفة داخل الجمعية الوطنية للتغيير؟ - أنا لم أكن جزءاً من الجمعية الوطنية للتغيير، ومنذ أول يوم جئت فيه مصر جاءنى ٣٠ ممثلا عن جميع الأطياف، وكانت لى تحفظات قبل تكوين الجمعية بأن أعرف ما هى القاعدة التى ستقوم عليها، ورأيت أن هناك اختلافات جذرية بينهم ولا يمكن أن يتفقوا. وقلت إن هذه هى رؤيتى حتى لو اختلف معى البعض، بينما وجدت اتفاقا أكثر مع الشباب لذلك عملت معهم. وقد تفاعل الشباب مع الناس وجمعوا مليون توقيع. وأنا أحترم كل الآراء والاختلافات ولكن أن يقال إننى أسافر فقد كان ذلك لأسجل أحاديث أو أعلن رأيى من خلال وسائل الإعلام الأجنبية والعربية ليصل صوتى للجميع لأننى كنت ممنوعا من الظهور فى وسائل الإعلام المصرية. إضافة إلى كونى أسافر لحضور مؤتمرات وندوات فى الخارج. فمثلاً فى الفترة التى انتقدونى فيها لأنى سافرت كنت أحضر مؤتمراً حضره ١١ رئيساً أفريقياً للحديث عن أزمة حوض النيل. ومع ذلك فقد قلت فى البداية إننى لست المخلّص وإنما هو الشعب ذاته. ولذلك قصدت ألا أكون متواجدا داخل مصر طول الوقت لإشعار الشعب بأنهم من بأيديهم التغيير، وقلت أيضاً إنه ليست مهمتى أن أنزل فى كل مظاهرة أو أن أنزل فى مظاهرات بها ٣٠ شخصاً. لقد كنت أحلم بالمليون وهو ما حققناه بالفعل بمشيئة الله. وعندما نزل الشباب وتحقق الحلم نزلت إلى الميدان يوم ٢٨ وحدث ما حدث وأُلقيت علينا القنابل المسيلة للدموع وغيرها من عمليات الاعتداء. وبغض النظر عن الاختلاف فى وجهات النظر أعتقد أننا نجحنا فى الثورة وهذا هو المهم ولا يجب تحويل أى خلاف إلى عملية شخصية وننسى الهدف الأكبر. كذلك فأنا أؤمن بعملية تقسيم الأدوار.. فهناك من ينزل إلى الشارع ومن يتولى العملية التنسيقية. أما أنا فدورى أن أتصل برئيس دولة أو بجمعيات حقوق الإنسان أو أن أعقد اجتماعات مع الشباب. شاهد فيديو «حوار خاص - البرادعى.. مرشحاً للرئاسة» على الرابط التالى: |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات