رغم الحضور الإعلامي والسياسي للأحزاب الإسلامية واليسارية في تونس ما بعد بن علي، يرى ماجد البرهومي أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي الليبرالي إن الليبرالية جاذبة ولديها كثير من الأنصار في تونس خصوصا في صفوف الفئة الشبابية التي قامت بالثورة.
تونس: برزت مؤخرا على الساحة السياسية التونسية وتحديدا بعد ثورة 14 يناير الماضي، مجموعة كبيرة من التيارات والأحزاب "اليسارية التقدمية" التي تستلهم مبادئها من الثورة البلشفية والفكر الماركسي، كما عاد للنشاط التيار الإسلامي الذي من الواضح انه يحظى بشعبية كبيرة رغم محاولة اجتثاثه من قبل النظام السابق.
ويرى كثيرون أنّ ما يلفت الانتباه في المشهد السياسي بتونس، أن الساحة شبه خالية من الأحزاب الليبرالية الوسطية إلا من حزبين أو ثلاث وبالتالي فإن المعادلة السياسية ما بعد الثورة ستكون مختلة بغياب هذه العائلة التي لديها أتباعها ومريديها.
وفي تعريفه للفكر الليبرالي ومدى حضوره على الساحة التونسيّة، يقول المحلل السياسيّ ماجد البرهومي محامي الأستاذ بكلية الحقوق واحد مؤسسي "الحزب الديمقراطي الليبرالي"، إن هذا الفكر هو هو فكر وسطي معتدل يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان ويسعى إلى إشاعة الحريات العامة والخاصة ويهدف إلى إنشاء مجتمع وسطي حداثي ينبذ جميع أشكال العنف والتطرف ويسعى إلى صيانة المكاسب الحداثية للمجتمع التونسي التي ناضلت من أجلها أجيال مناضلي الحركة الوطنية التونسية والمصلحين من أمثال خير الدين التونسي و أحمد بن أبي الضياف وحركة الشباب التونسي.
ويضيف البرهومي أن التيار الليبرالي يسعى إلى مزيد الانفتاح الاقتصادي وتحرير المبادلات التجارية بالتخفيف من القيود الجمركية وإلغائها إن لزم الأمر والتخلي عن التشريعات البالية التي عفا عنها الزمن والتي تعود إلى الفترة الاشتراكية في تونس أو ما يعرف بتجربة التعاضد في ستينات القرن الماضي وما قبلها والتي اتخذت فيها الدولة إجراءات حمائية مبالغا فيها أضرت بالاقتصاد الوطني وعطلت الحياة الاقتصادية برمتها.
وحول سؤالنا عن مصطلح "الليبرالية المتوحشة" التي تثير مخاوف كثيرين مع اتهامات بأنها أوقعت الغرب في أزمات اقتصادية يعاني من ويلاتها إلى اليوم، يقول الأستاذ ماجد البرهومي إنّ التيار الليبرالي التونسي لا يتبنى في عمومه هذا النوع من الليبرالية وإنما يحافظ على دور الدولة في مراقبة الاقتصاد وسن التشريعات الملائمة للنهوض به كما يراعي الجوانب الاجتماعية وخصوصية المجتمع التونسي لأنها نابعة منه و موجهة إليه.
ويؤكد بان التيار الليبرالي يقر بالهوية العربية الإسلامية لتونس، التي تعتبر أمرا محسوما لا مجال للخوض فيه والجدل حوله.
ويشير إلى أن الفكر الليبرالي لا يتعارض مع الإسلام الذي دعا إلى احترام حرية المعتقد في أكثر من موضع كما فوض للمسلمين شؤون الحكم و جعله شأنا مدنيا من خلال قول الله عز وجل "وأمرهم شورى بينهم".
ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه في قريش مارسوا التجارة التي نظمها القرآن في أكثر من موضع و ذكر رحلتي الشتاء والصيف وهما رحلتان كان عرب الحجاز يقومان بهما إلى اليمن والشام للتبادل التجاري.
وأورد الأستاذ البرهومي أن الإسلام شجع الملكية الفردية ونظمها واستدل على كلامه بقول الفاروق رضي الله عنه "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، وفي ذلك دليل على النزعة الليبرالية للإسلام الذي جاء كونيا موجها لجميع البشر غير منغلق على نفسه داعيا إلى الانفتاح على جميع الأمم والثقافات.
ويضيف في تحليله لمفهوم التيار الليبرالي بان الليبرالية التي يدعو إليها في تونس هي ليبرالية تنتصر لقضايا الأمة و أولها القضية الفلسطينية من منطلق إنساني ودفاعا عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان و كذلك من منطلق قومي للانتماء إلى هذه الأمة التي أثبتت تجارب الثورات الأخيرة أنها كيان موحد عاطفيا رغم جميع محاولات التجزئة.
وقال إن ثورة تونس لم تمتد تأثيراتها إلى بلدان القارة الإفريقية جنوب الصحراء أو إلى شعوب آسيا الوسطى التي ترزح تحت الديكتاتورية فحسب، وإنما تمددت في الجسم العربي فقط لأن تونس جزء من هذا الجسد ولا تنتمي إلى غيره.
و يعتقد ماجد برهومي جازما أن الفكر الليبرالي هو الكفيل بإنقاذ البلاد وإرجاع الانتعاش إلى اقتصادها الوطني للمرة الثانية في تاريخها.
وقال إن الاقتصاد التونسي شهد حالة مشابهة من الانهيار إثر فشل التجربة الاشتراكية في الستينات ولم تعد إليه انتعاشته إلا مع مطلع السبعينات بعد أن تبنى الوزير الأول السابق الهادي نويرة سياسة ليبرالية مكنت البلاد من النهوض وبناء مؤسساتها والتاريخ يعيد نفسه، و لا مفر من هذا النهج والعبرة من التاريخ، على حدّ تعبيره.
ويشير إلى أن الفكر الليبرالي جاذب ولديه كثير من الأنصار في تونس خصوصا في صفوف الفئة الشبابية التي قامت بالثورة قبل أن يستغل نتاجها السياسيون وهؤلاء الشباب من الأغلبية الصامتة بعد الثورة بحاجة إلى أحزاب ليبرالية قوية تتمكن من تأطيرهم وإدماجهم في الحركية السياسية التي تشهدها البلاد بعد سنوات عجاف من الإقصاء و التهميش وصرف الأنظار عن الشأن العام.
وقال إنها أحزاب تلبي مطالبهم في كل شبر من تراب تونس دون تمييز بين الجهات وتمكنهم من انتخاب مسؤوليهم الجهويين والمحليين من أبناء المنطقة عوضا عن التعيين من قبل السلطات المركزية، وهو الأمر الذي طغى لعقود وتجعلهم يساهمون في عملية التنمية بجهاتهم يقدمون مبادراتهم و يشاركون في بناء مستقبلهم.
ويرى أنّ مشروع "الحزب الديمقراطي الليبرالي" الذي ينتمي إليه سيكون حزبا جماهيريا يضم الجميع من أجل هدف واحد يتمثل في النهوض بتونس وتحقيق الرخاء لشعبها ووفاء لدماء شهداء ثورة الياسمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات