صدر بيان وقّع عليه عشرون باحثًا من ألمع أطباء واختصاصيي السرطان في فرنسا، ينّبهون فيه للأضرار التي يمكن أن تلحق بالأشخاص الذين يفرطون في إستعمال الهواتف النقّالة، بخاصة عند فئة المراهقين والشباب. البيان هو مبادرة من البروفيسور إختصاصي الأعصاب دافيد سرفان شرباير مؤلف كتاب ضد السرطان (دار نشر لافون) الذي يعتبر كزملائه أن خطر استعمال الهاتف النقال على الصّحة أصبح واردًا جدًا، وضميرهم المهني يحّتم عليهم التنبيه إلى هذا الخطر حتى وإن لم تكن توجد بعد دلائل قاطعة. الدكتور تيري بويي إختصّاصي السرطان في مستشفى أفيسان بضاحية بوبينيي يقول :'' لقد وصلنا إلى المرحلة التي كنا فيها منذ خمسين سنة مع التبغ ومادة الاستبسوس الضارة، فإما أن نبقى مكتوفي الأيدي ونسكت على الخطر الوارد، أو نعترف بوجود مجموعة من الظواهر العلمية المُريبة، فنكون على الأقل قد نجحنا في تنبيه الناس إلى خطر محتمل..
' أما البروفسور هنري بوجول مدير الرابطة الوطنية الفرنسية لمكافحة السرطان فهو ينبه إلى ضرورة مضاعفة الحذر مع فئة المراهقين والأطفال الذين أصبحوا يستعملون الهواتف النقالة في سن مبكرة أكثر فأكثر، حيث أن خطر الإصابة بسرطان المخ عند هؤلاء تكون مرتفعة جدًا.
خطر الهاتف النقّال على الصحة موضوع طالما قسّم مجتمع الباحثين بين مُقلّل من أهميته ومنادٍ بضرورة الإلتزام بالحيطة والحذر. علمًا أن هناك عدة دراسات صدرت مؤخرًا تحمل كلها استنتاجات تفيد بوجود خطر حقيقي على صحة الإنسان في حالة التعرض المطّول والاستعمال المفرط إلى الهاتف الجوّال. أولى الدراسات كانت سويدية من المعهد الوطني للعمل أنجزت في منتصف السنوات التسعين، على اعتبار أن السويد هي أول الدول التي عرفت استعمال واسع للجوال : وكانت قد خلُصت بعد دراسة حالة 2200 شخص، 905 منهم مصاب بالسرطان إلى أن احتمال الإصابة بسرطان المخ في الجانب الذي يوضع عليه الجوال يتضاعف بنسبة مرتين كلما كان اللّجوء إلى استعمال الجّوال كبيرًا. معهد سويدي آخر هو معهد كارولينسكا (Karolinska) التابع للطّب البيئي وجد عدة أعراض ظهرت عند المستعملين كأوجاع الرأس، الدوخة، صعوبة في النوم، خفقان القلب وشبه إعاقة سمعية عند الأشخاص الذي يستعملون الجوال كثيرًا لمدة تتجاوز العشر سنوات، وهو المرض الذي يسمى(Neurinome de l'acoustique). دراسة أخرى أكثر أهمية وهي أميركية التمويل وتدعى ''بيو ديفرستي'' نشرت في شهر آب 2007 وهي متوفرة على شبكة الانترت على الموقع http://www.bioinitiative.org/report/index.htm تجمع نتائج 1500 دراسة أنجزت في مناطق مختلفة من العالم، لاحظت كلها ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الدم والأمراض العصبية كمرض الزهايمر عند أكثر الأشخاص استعمالاً للجوال. في الانتظار أيضًا نتائج دراسة واسعة تدعى ''أنترفون'' في طور الإنجاز في 13 دولة أوروبية حول أخطار الجوّال، و قد تسّرب للصحافة الشطر الفرنسي من هذه الدراسة في انتظار النتائج النهائية والذي يبدو أنه يؤكد هو الآخر وجود احتمال حقيقي في ظهور خلايا سرطانية في المخ عند أكثر الأشخاص استعمالاً للجّوال.
يقول السيد إتيان سندريي رئيس جمعية ''روبين دي توْا'' لمكافحة الأخطار الصّحية الناجمة عن التكنولوجيا الجديدة: بأن نفوذ اللّوبيات الصناعية المتخّصصة في مجال الهواتف النقّالة مهم جدًا، فهي في كثير من الأحيان تذهب لحدّ تمويل باحثين كما حدث مع دراسة معهد ''الأفست'' التي نشرت في مجلة ''مِدوسين إمبكت'' أفادت بعدم وجود أخطار حقيقية نتيجة استعمال الهواتف النقالة، بينما تبيَن فيما بعد أن أربعة من الباحثين الذين عملوا عليها كانوا مُموّلين مباشرة من طرف شركة الاتصالات الفرنسية ''فرانس تلكوم'' والغرض من هذه المبادرة التقليل من أهمية هذه الأخطار المزعومة و طمأنة الرأي العام. و يضيف الناشط بأن صناعة الهواتف النقّالة هي مكسب كبير لإقتصاد البلاد، حيث أنها أدخلت لخزائن الدولة في فرنسا ما لا يقل عن 10ملايين يورو، متجاوزة بذالك ما حققته لها صناعة الطائرات، علمًا أن من بين تعداد الفرنسيين ألـ 60 مليون، 48 مليون يستعملون هواتف نقّالة شخصية.
رئيس جمعية ''روبين دي بوْا'' يقول: إننا وصلنا لمرحلة لا نستطيع فيها العودة للوراء ولا حرمان الناس من وسيلة اتصال أصبحت مهمة، لكنه يقدم عدة نصائح لمستعملي الهواتف للتقليل من خطرها من خلال كتابه ''عندما يصبح الهاتف النقّال فضيحة صّحية'' ( دار نشر لوغوشيه) أهمها ألا يستعمل الشخص الهاتف النّقال إلا للضرورة القصوى وليس للدردشة، تجنّب جعل الجهاز على احتكاك مباشر مع الرأس عن طريق استعمال جهاز (حر اليدين) في كل الحالات، وليس فقط عند قيادة السيارة، على أن يكون هذا الجهاز متصل بخيط وليس بوساطة (البلوتوث)، ألا تتجاوز المكالمات مدة الستة دقائق مع الفصل بين كل مكالمة والأخرى على الأقل بساعتين أو أكثر.
مهم أيضا حسب ما يقول الباحثون، ألا يتّم إجراء مكالمات داخل ما يسمى ''بالأقفاص المعدنية'' أي الأماكن المغلقة كالسيارات، القطارات، الباصّات، المصاعد التي يصعب فيه إلتقاط الصوت، لأن الهواتف في هذه المناطق تبعث بأقصى ما عندها من إشعاعات فتحدث ظاهرة ''انعكاس'' لعملية انبعاث الإشعاعات بحيث تعود هذه الأخيرة ليس فقط على الشخص المستعمل للهاتف في المكان، ولكن أيضًا كل من يحيطه وهو ما يسميه الباحثون بظاهرة La cage de faradel.
والأهم هو إجراء المكالمات بعيدًا عن الأطفال ومنعهم من استعمال الهواتف النقّالة أو حملها منعًا باتًا، والحرص على ألا يضع الأطفال الذكور هواتف في جيوبهم بالقرب من الأعضاء التناسلية و ألا تضعه النساء الحوامل على بطونهم لأن الإشعاعات الكهرومغناطيسية تؤثر بسرعة على أجسام الأطفال والرضع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات