بقلم د.حسن نافعة ١٤/ ٤/ ٢٠١١
تحت عنوان «ضمير القاضى» كتبت يوم ٢٩ مارس الماضى، معلقا على وثيقة من وثائق جهاز مباحث أمن الدولة، كشفت النقاب عن لقاء سرى جمع بين أحد ضباط هذا الجهاز والمستشار عادل عبدالسلام جمعة، رئيس الدائرة المختصة بالنظر فى قضية الدكتور أيمن نور، رئيس حزب الغد، قبل أيام من صدور الحكم الذى قضى بسجنه خمس سنوات، والذى بدا على ضوء هذه الوثيقة وكأنه صادر عن جهاز أمن الدولة وليس عن القضاء المصرى. ولأن المستشار هو رئيس المحكمة التى تولت النظر فى معظم القضايا السياسية الأخرى التى تمت «فبركتها» بمعرفة مباحث أمن الدولة، مثل قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم والأستاذ مجدى أحمد حسين والمهندس خيرت الشاطر وزملائه، والذين صدرت ضدهم جميعا أحكام قاسية، وهو نفسه رئيس الدائرة التى قامت بتخفيف حكم إعدام كان قد صدر ضد هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال المقرب من جمال مبارك والمدان فى جريمة قتل المطربة سوزان تميم، فقد كان من الطبيعى أن أتساءل عما إذا كانت تلك الشواهد كلها مجرد مصادفات أم أنها تشكل قرائن تثير شكوكا قوية، ليس فقط حول نزاهة الرجل، ولكن حول حقيقة الاختراق الأمنى لمؤسسة القضاء ككل. لم ينته الموضوع عند هذا الحد. فما إن نشر مقال «ضمير القاضى» حتى انهالت علىَّ رسائل واتصالات عديدة، تضمن بعضها معلومات مثيرة تؤكد صحة ما ورد فى الوثيقة المشار إليها، أما بعضها الآخر فعكس شعورا عميقا بالقلق مما قد يحدث فى المستقبل إذا ظل وضع القضاء المصرى على هذا النحو، خصوصا بعد قيام محكمة الاستئناف بإحالة قضية حبيب العادلى ومعاونيه الأربعة، والمتهمين بقتل وجرح آلاف المتظاهرين أثناء ثورة ٢٥ يناير، إلى الدائرة الرابعة التى يرأسها المستشار. كان من بين ما تضمنته تلك الرسائل والاتصالات معلومات تؤكد: ١- قيام جهاز مباحث أمن الدولة المنحل بوضع سيارة خاصة تحت تصرف المستشار عادل جمعة ليستخدمها فى تنقلاته الشخصية، وتزويده بسائق خاص تابع للجهاز أيضا. السيارة من طراز بيجو ٥٠٤، فضية اللون، تحمل لوحة معدنية مسجلاً عليها رقم ٣٤٨٧٩٣ ملاكى جيزة، وتتولى وزارة الداخلية تغطية نفقاتها بالكامل من بنزين وصيانة وخلافة. أما السائق فاسمه صلاح ويتقاضى راتبه أيضا من وزارة الداخلية. المثير فى الأمر أن السيارة المهداة بسائقها من جانب جهاز أمن الدولة المنحل مازالا تحت تصرف السيد المستشار حتى الآن! ٢- قيام الجهاز بتزويد المستشار جمعة بطاقم مكون من أحد عشر أمين شرطة يتناوبون حراسته، وتتولى وزارة الداخلية دفع رواتبهم وتغطية جميع نفقاتهم بالكامل. ومازال المستشار يحظى بهذه المعاملة التفضيلية منذ بداية تعامله مع الجهاز حتى الآن. ولأننى لا أملك وسيلة للتأكد من دقة هذه المعلومات الخطيرة، قررت أن أشرك فيها الرأى العام، وأن أبلغها من خلاله إلى كل من النائب العام والمجلس الأعلى للقضاء. ولأنها تفصح عن نسق ممنهج من التعاون المنظم بين جهاز أمن الدولة وأحد القضاة، بدا معه الرجل وكأنه أقرب ما يكون إلى عنصر الأمن المزروع فى قلب المؤسسة القضائية، لأداء ما يحتاج إليه الجهاز من خدمات لتأديب ومعاقبة المعارضين لنظام مبارك، منه إلى القاضى المسؤول عن إقرار العدالة، نتوقع من الجهات المسؤولة أن تتحرك على الفور لتصحيح الوضع ومعالجة ما قد ترتب عليه من ضرر. وإلى أن يتم ذلك، على المستشار جمعة أن يبادر من نفسه بالتنحى فورا عن نظر قضية حبيب العادلى ومعاونيه. أما إذا لم يبادر باتخاذ هذه الخطوة طواعية، فنأمل أن تقوم محكمة استئناف القاهرة بإعادة توزيع القضايا وإحالة قضية العادلى ومساعديه إلى دائرة أخرى. ولأن الرأى العام المصرى لن يتحمل رؤية ضابط يرتدى ثوب القاضى لمحاكمة العادلى، فمن الطبيعى أن يرى فى الإصرار عليه دليلا على عدم الجدية فى محاكمة رموز النظام السابق. قرار المدعى العام بحبس الرئيس السابق ونجليه جمال وعلاء على ذمة التحقيق، والذى نمى إلى علمنا أثناء كتابة هذه السطور، يحيى لدى الشعب المصرى الأمل فى محاكمة عادلة، ليس فقط لرموز النظام الفاسد، ولكن لكل المتورطين معه فى إفساد الحياة السياسية فى مصر طوال الأعوام السابقة حالكة السواد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات