ليس جلداً للذات أن نقول إن الفتنة الطائفية والعنصرية تسكن خلايانا منذ زمن طويل، العقول سلمناها تسليم مفتاح للحناجر الهادرة بنصوص تنفخ فى نار الفتنة ليل نهار، من خلال فضائيات ومنابر وكاسيتات ومناهج تعليم وكتب صفراء وسلوكيات خرقاء، عندما تشاهد فيديو هدم الكنيسة على سبيل المثال، ستجد رجالاً غلابة يمسكون بالمعاول ويهدمون بكل قوة وحماس وكأنهم ذاهبون إلى الجهاد الأكبر، هذا الرجل الغلبان لا يمتلك نفس الحماس الهادر ولا واحداً على ألف منه فى المطالبة بصرف صحى أفضل لبيته.. من الممكن جداً أن تغطى المجارى سرير نومه ويسبح المطبخ فى نفاياته ولا تراه يتحرك أو حتى يلتفت، بل يتآلف مع المشهد، لكن عندما تطلب منه أن يمسك بالفأس ليهدم كنيسة السحر، يضع ذيل الجلابية بين أسنانه ويطير إلى هناك وتنتفخ عروقه ويجيش الجيوش للجهاد الأعظم! هذا الرجل لا يخرج فى مظاهرة من أجل الحرية أو حتى من أجل رغيف العيش، ولكنه يخرج ويتحمس حتى الموت والشهادة من أجل شائعة ضد شقيقه وجاره المسيحى الذى كان يشرب معه الشاى والمعسل منذ لحظات.
المطالب الفئوية التى تنهمر كالشلال كل ساعة فى كل مؤسسة على امتداد مصر من الإسكندرية حتى أسوان، سلوكيات مرض اجتماعى أكثر منه مرضاً سياسياً، سلوكيات من اختراعنا نحن وليست من اختراع الفلول والأذناب، سلوكيات حلمنا أن تكون نهايتها على يد سلوكيات التحضر التى كانت فى ميدان التحرير، سلوكيات قديمة راسخة شعارها «إلحق تاخد اللى تاخده دلوقتى»، «اضرب بقوة على الضلع الضعيف والدولة بتترنح، دى فرصة مش حتتكرر».
والسؤال: هل كل المطالبين بتلك المطالب يحبون العمل حقاً؟، هل نحن على استعداد لأن نتخلى عن موسوعة جينيس القياسية كأقل شعوب الأرض شغلاً وعملاً بمعدل نصف ساعة يومياً؟، هل من الممكن أن تنتقل إلينا عدوى الشعوب الآسيوية بنمورها الاقتصادية، ونركز فى الإنتاج ونعاهد أنفسنا على النهضة والنمو ونتظاهر من أجل إلغاء الإجازات وينتحر عندنا المسؤول الفاشل نتيجة خجله من مجتمعه ووجع ضميره الوطنى، هل من الممكن أن نهتف تحيا مصر من قلوبنا لا من حناجرنا، ونحبها بجد فى مصانعنا ومؤسساتنا وليس أمام الكاميرات والفلاشات فقط؟!!
أخشى أن يدركنا الكسل وتداهمنا الرحرحة مثل على بابا عندما دخل المغارة، وصرخ قائلاً «ياقوت.. مرجان أحمدك يا رب»، لنقول مثله «فلول.. أذناب.. أحمدك يا رب»!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات