بقلم د.حسن نافعة ٧/ ٣/ ٢٠١١
كنت ضيفاً على مدينة بنى سويف، مساء الخميس الماضى، للمشاركة فى أمسية ثقافية نظمها الشباب للاحتفال بانتصار ثورة ٢٥ يناير. الدعوة وجهت إلىَّ من أمانة حزب التجمع بالمدينة، لكن الحضور، الذى غصت به القاعة الفسيحة، شمل مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والفئات العمرية. دار نقاش حر عقب المحاضرة تفاعلت من خلاله جميع الآراء وعكس ارتفاعا فى الوعى السياسى لدى المشاركين ودقة متابعتهم للأحداث المحلية والإقليمية والدولية، وكأننا أمام صحوة جديدة هبت على شعب نعيد اكتشافه. لفت نظرى مشاركة عدد من السيدات كن يتشحن بالسواد فى هذه الأمسية، تبين لى فيما بعد أنهن أمهات أو أخوات أو قريبات لشهداء سقطوا إبان الثورة وضحوا بدمائهم لكى ننعم نحن بالحرية وتنعم مصر كلها بعهد جديد ترتفع فيه هامات المواطنين ويشعر فيه الإنسان المصرى بانتمائه إلى شعب عظيم. وقد أحسست بألم عميق حين عبرت إحدى الحاضرات أثناء مداخلة - أثارت انتباهى - عن حزنها الشديد لأن ابنها الذى سقط فداء لهذا الشعب فى معركة الحرية تتجاهله الأوساط الرسمية ولا تريد حتى مجرد الاعتراف به كشهيد. ثم تبين، من خلال التعليقات اللاحقة، أن جمهور بنى سويف لم يسترح مطلقا لما صرح به المحافظ حين تحدث بفخر فى أحد البرامج الحوارية بالتليفزيون عن «عدم سقوط شهيد واحد فى بنى سويف» ويؤكدون سقوط تسعة شهداء على الأقل فى هذه المحافظة. ولأنها مسألة لا تثير الألم والحزن فقط وإنما الاستغراب أيضا، أود أن أتوقف عندها متسائلا عن حقيقة الأسباب التى تدعو مسؤولا رسميا كبيرا لإنكار دم الشهداء على هذا النحو وعما إذا كانت المسألة تتعلق بنقص المعلومات أو بمحاولة متعمدة للكذب والتضليل؟! لقد اهتز شعب مصر كله وكادت الدموع تنهمر من أعين المواطنين جميعا وهم يشاهدون اللواء محسن الفنجرى، المتحدث باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عبر شاشات التلفاز، وهو يرفع يده بالتحية العسكرية فى احترام وتأثر بالغين حين أتى فى بيانه على ذكر شهداء ثورة ٢٥ يناير. وفى تقديرى أن هذا المشهد سيبقى طويلا فى مخيلة الناس وسيخلده التاريخ باعتباره مشهدا معبرا عن عراقة وتحضر شعب مصر ووطنية جيشه الباسل. ولأن محافظ بنى سويف لم يدرك، على ما يبدو، مغزى ودلالة هذا المشهد المهيب، فربما يكون نقص المعلومات أو الحرص المبالغ فيه على تبرئة قوات الأمن فى محافظته من تهمة اللجوء إلى العنف هو ما دفعه إلى اتخاذ هذا الموقف. غير أن المحافظ لم ينتبه إلى أن من شأن موقف كهذا، الذى يرى فيه أهالى الشهداء موقفا جاحدا ومنكرا لتضحيات أبنائهم، إثارة غضب الأهالى، الذين باتوا يصرون على مطالبة جميع الجهات الرسمية ليس فقط بالاعتراف بأبنائهم كشهداء وإنما أيضا بتخليد ذكراهم، وتشكيل لجان مستقلة للتحقيق مع المتهمين ومعاقبة من تثبت مسؤوليته عن إراقة دم هؤلاء ودفع تعويضات عادلة لذويهم. غضب أهالى الشهداء فى بنى سويف يثير قضية أوسع، ألا وهى نقص توثيق المعلومات المتعلقة بضحايا العنف إبان أيام الثورة والغضب والجهات أو الأطراف المتورطة فى ارتكابه وأسباب لجوئها إليه. ولأن من المرجح أن ما حدث فى بنى سويف تكرر، بدرجة أو بأخرى، فى محافظات أخرى كثيرة، أناشد جميع مؤسسات المجتمع المدنى، خاصة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، أن تقوم بتنسيق جهودها لوضع سجل كامل وموثق بأسماء الشهداء الذين سقطوا إبان هذه الثورة، وباتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتقديم المسؤولين عن استخدام العنف غير المبرر إلى محاكمة عادلة والمطالبة بتقديم تعويض عادل إلى أسر جميع الشهداء الذين ضحوا بدمائهم لتتنفس مصر نسيم الحرية. بعد أن يتم تعيين المحافظين الجدد لتولى مسؤولية الإدارة فى عهد جديد من واجب هؤلاء أن يبدأوا عهدهم بحصر شهداء الثورة فى محافظاتهم وتخليد ذكراهم بوضع تماثيل لهم فى الميادين والحدائق العامة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات