الأقسام الرئيسية

مصر.. البحث عن نظرية سياسية جديدة

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم أحمد المسلمانى ٧/ ٣/ ٢٠١١

■ سوف يتوقف التاريخ طويلاً أمام حسنى مبارك.. كيف أمكن لهذا الرجل أن يمضى مع رجاله فوق أسطول من الجرافات.. قطعت ثلاثين سنة من الإزالة البطيئة المتواصلة.. لنجد مصر فى يناير ٢٠١١ «مليون متر مكعب من الأرض الفضاء»!

■ ■ ■

مضت مصر فى العقود الأخيرة دون نظرية سياسية.. كان الأداء أقرب إلى العمل بـ«اليومية»، لم يكن وارداً أى حديث جاد عن «الاستراتيجية».. وفى أحيان كثيرة لم يكن ممكناً إنجاز «عمل تكتيكى» بالكفاءة اللازمة.

< سمعت من أحد سفرائنا فى الخليج قصة موجعة. كانت الولايات المتحدة الأمريكية تزيد وجودها العسكرى فى منطقة الخليج.. وثمة حديث دائم عن سيناريوهات قادمة فى المنطقة.. هناك من يتحدث عن نهاية الدولة العراقية المعاصرة.. وهناك من يتحدث عن حقبة مستجدة من الصراع المذهبى بين السنة والشيعة. وهناك من يتحدث عن تمدد إمبراطور شيعى من وسط آسيا إلى إيران إلى العراق إلى البحرين إلى شرق السعودية.. وعن تحالف مع سوريا وتنسيق مع حزب الله وحركة حماس. وهناك من يتحدث عن صعود للنزعة الإسلامية فى تركيا أو صعود مضاد للنزعة الأتاتوركية.. وهناك من يزيد إلى احتمالات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى أو احتمالات انسحابها من حلف شمال الأطلنطى.

كان سفيرنا حائراً للغاية.. ما النظرية التى تحكم السياسة المصرية وسط هذه التقلبات العاصفة؟ وما خريطة الطريق للدبلوماسية المصرية تجاه الدول والقوى والمذاهب والطوائف.. المتشابكة؟

سأل سفيرنا وزير خارجيتنا حين التقاه فى إحدى المناسبات الاجتماعية: سيادة الوزير.. ما رؤية الدولة فى مصر للخرائط السياسية الجديدة؟ وما تعليمات القاهرة.. بشأن هذه الأطراف المتعددة فى هذه الخرائط؟

■ كانت صدمة سفيرنا فوق الاحتمال. تجاوز وزير خارجيتنا شرح السفير وتساؤلاته.. وقال: سيادة السفير: كم بقى لكم فى بعثتكم الحالية؟ قال السفير: بقى لى هناك ثلاثة أعوام، قال الوزير: هى مدة جيدة لكى تجمع بعض الأموال وتستمتع بالمأكولات الهندية المنتشرة فى الخليج.. لا تشغل بالك بأكثر من ذلك حتى تعود!

***

كان من المعتاد أن يقول الدبلوماسيون والباحثون السياسيون «إن ملف ليبيا والسعودية مع صفوت الشريف» وإن ملف «كذا وكذا مع المخابرات» وإن «ملف كذا وكذا أخذه جهاز أمن الدولة من المخابرات».. كما أن «ملف كذا أصبح مع مكتب جمال مبارك».. ولم تبق لوزارة الخارجية إلا الملفات الأقل سخونة!

وأذكر أننى قابلت عدداً من سفرائنا فى عواصم عديدة.. وكنت أجد فيهم الإلمام المتميز بملفاتهم.. من علاقات نافذة إلى صداقات مؤثرة.. ومن معرفة سياسية واقتصادية رفيعة إلى تصور دقيق لما ينبغى أن تكون عليه العلاقات بين البلدين. لكن سرعان ما يبدأ سفراؤنا الشكوى من أن كل ما يأتى إليهم من القاهرة مرتبك وضعيف وأنه فى حالات كثيرة.. تأتى تعليمات القاهرة خاطئة تماماً.. وبعيدة عن أى طموح وطنى أو منطق سياسى.

كانت كل الأيدى تعبث فى سياستنا الخارجية.. من موظفى الرئاسة إلى الأجهزة الأمنية إلى رجال الأعمال إلى الوزراء والصحفيين.. وفوقهم جميعاً عائلة الرئيس والعائلات القريبة والصديقة.

لقد أدى ذلك كله إلى أن يتحول الكثير من سفاراتنا إلى «مكاتب تشهيلات».. وأصبحت مهام عدد كبير من دبلوماسيينا مرافقة المسؤولين إلى المراكز التجارية والترفيهية واصطحابهم فى المحطات والمطارات.. أصبح جزء كبير من المدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة مجرد مكاتب للعلاقات العامة والاستقبال!

■ ■ ■

كان من المعتاد أيضاً أن يبذل الدبلوماسيون المصريون جهوداً جليلة فى مفاوضات ثنائية أو متعددة.. ثم يجهدون الأطراف المفاوضة إلى الحد الأقصى من أجل المصلحة الوطنية المصرية.

ثم إذا بهم يفاجأون بتلك الأطراف تقول لهم: إننا لا نحتاج إلى أن نمضى معكم فى هذه المفاوضات الشاقة.. إننا سنرفع سماعة الهاتف إلى بلادكم.. ونحن نعرف جيداً ما الأرقام التى نطلبها فى القاهرة.. ومتأكدون تماماً أننا سنضع معهم السماعة ليرن الهاتف عندكم، حاملاً الأوامر من القاهرة بما نريد!

كانت الملفات الاقتصادية هى الأخرى تمضى فى هذا السياق، لم تعرف مصر السابقة جهوداً كبيرة فى «دبلوماسية المال».. فى حين أن مصر خضعت كثيراً لدبلوماسية «المال الأجنبى». وقد تابع المصريون رئيسهم السابق وهو يسافر إلى كل بلاد العالم فى أوقات متقاربة دون عائد سياسى أو اقتصادى. كان مبارك يتصرف كسائح معجب بما يزور.. لذا يتردد على المكان نفسه باستمرار وانتظام.

وقد كسر مبارك بنظريته الفريدة «الرئيس السائح» كل التقاليد والأعراف، كان مبارك يزور العاصمة الواحدة مرات عديدة دون أن يأتى رئيسها إلى القاهرة مرة واحدة، وكان رجال مبارك يروجون لهذه الزيارات باعتبارها رؤى جديدة فى السياسة العالمية.

تمكن قادة أوروبا وآسيا من احتلال مساحات نفوذ كبيرة فى مصر، وكانت كل زيارة للرئيس السابق إلى بلدانهم تعود بالمزيد من النفوذ لهم!

■ كان قادة الخارج جاهزين فى كل مرة لأن يوافق مبارك على شىء.. شركات للأسمدة أو الأسمنت أو شراء شركات حكومية بثمن بخس.. أو إعفاءات ضريبية أو مد مرافق من حساب الميزانية المصرية.. أو الحصول على مساحات شاسعة للأراضى بأسعار تعادل شراء سيارة حديثة!

■ ذهب رجال مبارك يتحدثون طويلاً عن كثير من هذه الصفقات «غير الوطنية» باعتبارها فتوحات استثمارية.

أما رجال الأعمال المصريون المرافقون للرئيس فى بعض رحلاته.. فقد كان معظمهم يعود بعقود توكيلات لمصانع وشركات الدول الأجنبية.. وكان القليلون جداً هم من يتمكنون من إبرام عقود للتصدير وبدورهم كان الصحفيون والإعلاميون المرافقون للرئيس يعتبرون غاية نجاحهم وارتياحهم.. هو إمكانية مصافحة الرئيس أو الفوز بمداعبة أو مشاغبة. ولم يكن هؤلاء من العلم والإخلاص بما يجعلهم كاشفين لحجم الادعاء والفشل فى زيارات الرئيس.

■ ■ ■

لقد هبطت مصر بهبوط الرئيس والرئاسة.. وانتهت بلادنا على «هزيمة بلا حرب».. اقتصاد ضعيف لم يصمد فى أى أزمة، وسياسة ضعيفة أنزلت مصر من مكانتها كقائدة للإقليم وصانعة لجزء من سياسة العالم إلى دولة محدودة.. تراجع جدول أعمالها من إدارة الصراع مع واشنطن إلى إدارة الصراع مع قطر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer