ساد التونسيين نخبا وعامة شبه إجماع على دخول البلاد مرحلة جديدة بعد الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس الموقّت وعلى رأسها الإعداد لانتخاب مجلس تأسيسيّ لإصدار دستور جديد للبلاد. ويؤكد سياسيون لـ(إيلاف) أن البلاد أمام مرحلة جديدة ستقطع بصفة كلية مع الماضي والنظام البائد بما يفسح المجال نحو الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ.
شباب تونسيّ ممن شاركوا في اعتصام "القصبة" يقومون بتنظيف المكان بعد حلّ الاعتصام |
تونس: في مؤشر على ملامح انفراج في الأزمة السياسية والأمنية التي تلت ثورة 14 كانون الثاني الماضي في تونس، أخلى المعتصمون من شباب الثورة مساء الجمعة 04 مارس/آذار ساحة الحكومة في القصبة، حيث اعتصموا منذ أسبوعين تقريبا وللمرة الثانية للمطالبة بتنحي ما يصفونه ببقايا نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعلى رأسها حكومة محمد الغنوشي المستقيلة.
وقرر الشباب المرابط في القصبة تعليق الاعتصامات والاحتجاجات إثر خطاب ألقاه الرئيس الموقت فؤاد المبزع مساء الخميس الماضي وأعلن فيه عن انتخاب مجلس تأسيسي في 24 يوليو/تموز المقبل سيتولى وضع دستور جديد في البلاد وانتهاء دوره مع الحكومة الموقتة فور مباشرة هذا المجلس لمهامه وإحداث قطيعة مع نظام الرئيس بن علي.
وأكد المعتصمون الذين يرى المتابعون أنّ دورهم كان كبيرا في إسقاط حكومة محمد الغنوشي، أنهم سيعودون للاعتصام في حال إخلال الحكومة بتنفيذ القرارات المعلن عنها.
وخلال لقاء مع (إيلاف) قالت مية الجريبي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي:" أعتقد أننا دخلنا مرحلة جديدة في تاريخ تونس ونحن في الحزب الديمقراطي دافعنا عن مسار كان حسب اعتقادنا هو الأفضل لاستقرار الدولة وكنا طرحنا مشروع انتخابات رئاسية وتأسيسية في الوقت نفسه ولا نفهم لما يبتعد الشارع التونسي عن موضوع الانتخابات الرئاسية ولكن هذا لا يمنع من التأكيد أن القرارات التي أعلن عنها فتحت الباب أمام مرحلة جديدة وحاسمة".
وتابعت الجريبي قائلة " كل الإرهاصات والصراعات السياسية ومحاولة بعض الأطراف زعزعة الاستقرار لخدمة مصالحها خلال الفترة الماضية هي الآن من الماضي وسنلقيها وراءنا وأسجل أن الإعلان عن التمديد في إعداد الفترة الانتقالية هو عنصر مطمئن وهو بالأساس مطلبنا وأيضا دعوة التونسيين لصناديق الاقتراع بقطع النظر عن الاختلاف في وجهات النظر وقد طالبنا في عهد بن علي بإرساء دستور جديد وها نحن الآن بصدد الإقدام على هذه الخطوة التاريخية وانتصار المواطنة ولكن أؤكد ضرورة إشراك جميع الأطراف دون إقصاء خلال إعداد العملية الانتخابية وخاصة تهيئة الإعلام لذلك".
وفي تصريح لـ(إيلاف) قال مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من اجل الحريات والعمل:" بعد 7 أو 8 أسابيع من الوضع الاجتماعي والسياسي الصعب يبدو أننا نتجه نحو أفق واضح بعد الإعلان عن انتخاب مجلس تأسيسي وتجسيد إرادة الشعب وخاصة الشباب بالقطع نهائيا مع الماضي ونعتبر أن هذه الثورة تعيش نفسا جديدا وسنعمل لعدم العودة إلى الخلف".
وأكد بن جعفر أنه لابد من التشاور مع جميع الحساسيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفسح المجال أمام الجميع للتنافس في الانتخابات لتجاوز مرحلة التجاذبات السياسية والتراشق بالتهم الذي يعتبره أمرا غير مقبول مهما كانت أسبابه وأن تونس بصورة (اعتصام القصبة) أو (اعتصام القبة) هي تونس رغم اختلاف تياراتها الفكرية، فالمواطنة من حق الجميع.
وشهدت العاصمة تونس خلال الأسبوع الماضي حالة من الانفلات الأمني واشتباكات أسفرت عن 5 قتلى وعديد الجرحى كما انقسم التونسيون بين معتصمين في ساحة الحكومة في القصبة معارضين لتمشي الحكومة الموقتة ومتظاهرين في "القبة" ـ الأغلبية الصامتة ـ من ناحية أخرى مساندين للحكومة ورافضين أن يتكلم معتصمو القصبة باسمهم.
الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء التونسيّ المكلف |
وفي سياق متصل تهاطلت الاستقالات من الحكومة الموقتة بعد إعلان محمد الغنوشي الوزير الأول التونسي انسحابه تحت ضغط الشارع ومعتصمي القصبة و من أبرز الوزراء المستقيلين أحمد نجيب الشابي ممثل الحزب الديمقراطي التقدمي وأحمد إبراهيم عن حركة التجديد ورجح ملاحظون أن سبب انسحابهما يعود إلى اشتراط الوزير الأول الحديث أن يتعهد كل المشاركين في الحكومة الموقتة عدم الترشح للانتخابات الرئاسية وهو ما يتعارض مع طموحهما في الوصول لأعلى هرم السلطة منذ عهد الرئيس السابق.
وأكد جندي عبد الجواد الناطق الرسمي باسم حركة التجديد خلال إفادات لـ(إيلاف):"الصراع السياسي الذي شهدته تونس خاصة خلال الأسبوع الماضي أعتبره شخصيا مؤشرا إيجابيا ومشروعا من ناحية المُضي نحو التعددية الحقيقية ولكن في حدود الاحترام وقبول الرأي المخالف و يجب طي الصفحة الآن وما نطالب به هو الإعداد لانتخابات شفافة ومن دون تزييف لأول مرة في تاريخ تونس والانتقال الفعلي نحو مرحلة الديمقراطية الفعلية التي ضحّى من أجلها التونسيون بأرواحهم والقرارات المعلن عنها مكسب كبير رغم تأخرها النوعي لتردد الحكومة السابقة في اتخاذ القرارات".
ومن جهته قال رئيس الهيئة التأسيسية لحركة النهضة الإسلامية علي العريض (لإيلاف):" نحن في حركة النهضة نسجل بايجابية هذه الاستجابة لمطالب الشارع ومختلف القوى السياسية والنقابية بحل المؤسسات الدستورية التي لا تمثل الشعب والإعلان عن انتخاب مجلس تأسيسي وخاصة اعتبار الدستور الحالي منتهي الصلاحية وغير قادر على معالجة أوضاع بلادنا لأننا نعيش على وقع ثورة وليس مجرد شغور في رئاسة الجمهورية وبالتالي فإن تجاوز المرحلة الانتقالية يقتضي الاستناد إلى الشرعية الثورية".
وأضاف القيادي في حركة النهضة التي تحصلت مؤخرا على الاعتراف القانونيّ، أن المجلس التأسيسي سيكون منطلقا لشرعية جديدة وهذا يعكس وضوح الرؤية والقرارات وأنهم ـ حركة النهضة ـ سيعملون من جانبهم مع شركائهم على توفير الأرضية المناسبة للمضي نحو تونس ديمقراطية بمراقبة تفعيل كل هذه القرارات والدعوة لإعادة عمل دواليب الدولة لتجسيم أهداف الثورة وتطلعات التونسيين.
وتجدر الإشارة إلى أنه تقرر إعادة فتح البورصة في تونس واستئناف عمليات التداول بداية من يوم الاثنين 7 مارس/آذار المقبل بعد تعليقها يوم 28 فبراير/شباط للمرة الثانية بعد اندلاع الثورة.
وأكد خبراء أن توالي المؤشرات لاستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية نحو الاستقرار دفع هيئة السوق المالية لإعادة فتح البورصة بعد تعليق نشاطها طيلة أسبوع.
وتحت ضغط الشارع وبعد مشاورات بين مختلف الفاعلين من قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، قررت الحكومة التونسية الموقتة الدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي في 24 تموز (يوليو) المقبل تتمثل مهمته أساساً في صياغة دستور جديد محل دستور 1959.
وكان الرئيس الموقت فؤاد المبزع قد قال في كلمة توجه بها إلى الشعب التونسي دخول البلاد "مرحلة جديدة أساسها ممارسة الشعب لسيادته كاملة في إطار نظام سياسي جديد يقطع نهائياً وبلا رجعة مع النظام البائد".
وأعلن تنظيم انتخابات لتكوين مجلس وطني تأسيسي يتولى إعداد دستور جديد للبلاد يكون مرآة تعكس بصدق طموحات الشعب وأوضح أن هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي تعكف حالياً على إعداد مشروع نص قانوني سيكون محل مشاورات في صلب مجلس الهيئة المتكون من شخصيات سياسية وطنية وممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية والهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن الوطني في العاصمة والجهات ممن شاركوا في الثورة وساندوها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات