الأقسام الرئيسية

ضمير القاضى

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Tue, 29/03/2011 - 08:01

حين يقرر شعب بأكمله الثورة على نظامه الحاكم وتخرج من صفوفه حشود هائلة، بلغ تعدادها فى بعض اللحظات أكثر من عشرة ملايين شخص، لتهتف بصوت واحد وفى وقت واحد «الشعب يريد إسقاط النظام»، فليس لهذا القرار سوى معنى واحد وهو أن حالة السخط قد وصلت مداها ولم يعد بمقدور الشعب المغلوب على أمره تحمل المزيد من الذل والهوان. وحين ينجح الشعب فى الإطاحة برأس النظام الذى أذاقه صنوف العذاب، من الطبيعى أن يشعر بنشوة الانتصار. لكن يبدو أننا ننسى أحيانا، ربما فى غمرة حماسنا بما حققناه من إنجاز كنا نظنه حلما بعيد المنال، أنه لم يكن بوسع الطاغية أن يستخف بقومه إلى هذا الحد بدون مساعدة حاشية منتقاة عرفت كيف تزين له طريق الفساد وتسخر مهاراتها ومواهبها الفائقة لتحليل الحرام وتحريم الحلال.

وقد خبر الشعب المصرى خلال فترة حكم مبارك، والتى امتدت لما يقرب من ثلاثين عاما، نماذج متعددة من الرجال والنساء لم يكن لها من طموح سوى أن تصبح جزءا من حاشية النظام، ضمت سياسيين ومفكرين وأساتذة جامعات وخبراء متخصصين فى مختلف المجالات. ورغم قيام العديد منهم بارتكاب جرائم لا تقل فظاعة عما ارتكبه الحاكم الطاغية نفسه، إلا أن جرائم معينة تصبح أكبر من طاقة الاحتمال حين يرتكبها قاض كبير.

تشير إحدى الوثائق السرية لمباحث أمن الدولة، والتى كشف النقاب عن محتوياتها عقب الاجتياح الذى تعرض له بعض مقار هذا الجهاز منذ عدة أسابيع، إلى أن الحكم بالسجن خمس سنوات على الدكتور أيمن نور فى قضية اتهامه بتزوير توكيلات تأسيس حزب الغد، والذى أصدره المستشار عادل عبدالسلام جمعة، رئيس محكمة جنايات القاهرة، تم بناء على تعليمات تلقاها من جهات سيادية وأبلغت له عن طريق مندوب من جهاز مباحث أمن الدولة. ولأننى لست فى وضع يسمح لى بالجزم بصحة الوثيقة المنشورة، فليس بوسعى أن أوجه اتهاما من أى نوع للقاضى المذكور بالاسم فى الوثيقة المشار إليها. لكن خطورة المسألة تدفعنى لضم صوتى إلى كل المطالبين، ومنهم قضاة كبار، بالتأكد من صحة الوثيقة أولا ثم التحقيق مع القاضى ومحاكمته وإنزال أقسى العقوبات به فى حالة ثبوت التهمة عليه.

تجدر الإشارة إلى أن المستشار عادل عبد السلام جمعة، والذى أصدر الحكم على أيمن نور، هو القاضى الذى سبق له إصدار حكم بمنع المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، وعدد كبير من زملائه وزوجاتهم وأولادهم القصر من التصرف فى أموالهم، وهو نفسه الذى سبق له أن أصدر أحكاما بالسجن على مجدى حسين، والدكتور سعدالدين إبراهيم، وغيرهم فى قضايا سياسية أقل ما يقال فيها إنها مفبركة من جانب مباحث أمن الدولة.

ولأنه من المستبعد جدا أن تكون إحالة قضايا سياسية على هذه الدرجة من الحساسية إلى الدائرة التى يرأسها هذا القاضى بالذات، وأن يصدر فيها جميعا أحكاما شديدة القسوة، محض مصادفة، فمن الطبيعى أن تحوم شكوك قوية وجادة حول نزاهته الشخصية، خصوصا بعد كشف النقاب عن علاقته بالأجهزة الأمنية. لذا يتعين التعامل مع هذه المسألة بأقصى قدر من الجدية، خصوصا أنها تمس سمعة القضاء المصرى كله والذى يحظى باحترام جميع المواطنين.

لست ممن يتبنون وجهة النظر القائلة بأن كل من شغل موقعا مسؤولا فى النظام الذى سقط رأسه هو فاسد بالضرورة أو مشكوك فى نزاهته الشخصية، لكن حين يصل الفساد إلى هذه الدرجة والتى تدفع النظام إلى محاولة التأثير على القضاة أنفسهم وإفساد الجهاز القضائى برمته، يصبح من السذاجة بمكان أن نسلم بانتصار الثورة قبل القيام بحركة تطهير واسعة النطاق أظن أنها باتت ضرورية وملحة.

طموح البشر أمر مشروع تماما، لكن لا عذر مطلقا يمكن التماسه لقاض يقبل أن يبيع ضميره إن ثبتت عليه هذه التهمة الشنيعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer