الأقسام الرئيسية

الشعب الليبي يريد اعترافاً دولياً وحظراً جوياً

. . ليست هناك تعليقات:


ترك الأمر للقذافي ليفعل ما يشاء بالليبيين بحجة الخوف من الاحتلال الغربي إنما يؤشر إلى مشروع إقامة دولة فاشلة ومعزولة في شمال أفريقيا.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: نجيب الغضبان


فاجأت ثورة 17 فبراير المباركة في ليبيا نظام العقيد القذافي، كما فاجأت الحالمين بالتغيير، بمن فيهم أولئك الذين قضوا سنوات طويلة في مناهضة الاستبداد والحكم التعسفي. لقد حاول القذافي، بداية، تقزيم الحدث، بأسلوبه الفج المعتاد، فقرر في اليوم الثاني الخروج مع المتظاهرين، ليقول لأبناء بلده وللعالم، بأنه من يقرر كل شيء، فهو الحاكم بأمره، رغم عدم تبوأه أي منصب رسمي، وهو قائد المعارضة، رغم عدم وجود معارضة لأنه "استأصلها" على مدى السنين، وهو الدولة، رغم عدم وجود مؤسسات حقيقية لدولة عصرية.

لكن توسع دائرة التظاهرات، وتبنيها لأهداف الثورتين المصرية والتونسية، قد أدخلت الرعب في قلوب العقيد وأبنائه، فخرج كبيرهم—الإصلاحي- متهدداً ومتوعداً، مما أدى إلى حرق أوراق الولد الذي تم تقديمه للعالم بأنه رمز الإصلاح والعقلانية والتنمية، في نظام افتقد كل هذه العناصر. وأعقبت تهديدات السيف، خطاب لأبيه، سيدخل التاريخ كمثال لخطابات السوريالية والغوغائية والتناقض والهزلية، خطاب يختصر الرجل في مرحلة متطورة من الفجور والانحطاط لديكتاتور تجاوز الأربعين عقداً في حكم هذا البلد الطيب.

ما يهمنا هنا من هذا الخطاب، وما تبعه من خطابات ولقاءات انطوت على كثير من التهديد والشتم والتحقير والتقزيم للشعب المنتفض ولعقول المتابعين هو عقلية الثأر والانتقام والاستعداد لتدمير البلاد والفتك بالعباد وذلك بغرض البقاء في السلطة، حتى ولم يبقَ في ليبيا إلا خيمة القذافي منصوبة على أطلال الدمار الشامل. أمام هذا الواقع بدأت مطالبات الثوار، خاصة أولئك الذين عرفوا نظام وشخصية القذافي، عن كثب، بضرورة فرض حظر جوي على قوات القذافي ومرتزقته. ومع أن الطلب بدا غير ضروري في بداية حملة القمع المنظمة التي بدأها بحق المتظاهرين العزل، لكن سرعان ما صار واضحا أنه مستعد لاستخدام كل ما في ترسانته العسكرية، بما في ذلك الطائرات الحربية، لقمع الثورة.

ستتناول هذه المقالة أهمية مطلب فرض الحظر الجوي، إضافة إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، واقتراح بعض البدائل العملية للتعاطي مع بعض مصاعب تبني منطقة حظر جوي، قبل فوات الأوان.

لا بد من التفرقة، أولاً، بين فرض حظر جوي محدود على استخدام الطيران الحربي للقذافي، وبين التدخل الخارجي الأجنبي المرفوض، من قبل الثوار قبل غيرهم. ولذلك فلا حاجة للمزايدة من قبل بعض الكتاب القومجيين، فالموضوع ليس خياراً بين استبدال نظام استبدادي، باستعمار خارجي. المقاربة الأدق هي في رفع الغطاء الخارجي عن نظام القذافي، ونزع الشرعية عنه، وتمكين الشعب الليبي من مقارعة الظلم والاستبداد، من دون التعرض للإبادة الجماعية. وللحقيقة، فإن الدول الغربية، على طرفي المحيط الأطلسي، قد أبدت نوعاً من التلكؤ والحذر في التعاطي مع مطلب فرض الحظر الجوي، وذلك لأن كل دولة منها تُقيِم الأمر من وجهة نظر مصلحتها القومية، ومنطق الكسب والخسارة. وأخيراً لخص الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الشروط الثلاثة المطلوبة لفرض منطقة حظر جوي، وهي وجود حاجة ملحة، والدعم الإقليمي من جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، وأخيراً وجود تفويض أممي من مجلس الأمن. ومع أن هذه الشروط الثلاثة منطقية، إلا أن خطورة الإصرار على توفرها مجتمعة، قد يعطي القذافي الوقت الكافي لارتكاب المزيد من المجازر بحق المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وعندما يحين موعد فرض مثل هذا الحظر، يكون الأمر جاء متأخراً، ليحقق مثل هذا الحظر نتائجه المرجوة.

بالنسبة للنقطة الأولى، توجد عدة عناصر ساهمت في البرهنة على تحقق الحالة الملحة. العنصر الأول، لقد توضحت معالم الصراع في ليبيا، على أنه صراع بين شعب تريد أغلبيته العظمى التخلص من نظام القذافي، وبناء دولة مدنية ديمقراطية، تحقق طموحاته في العيش بحرية وكرامة وتتوفر له فرص متكافئة، وبين نظام قمعي دموي، مستعد لتدمير البلاد بأكملها للبقاء في الحكم. ثانياً، لقد سقطت كافة مقولات النظام بوصم الثوار بأنهم إرهابيون، مرتبطون بالقاعدة، وأنهم يريدون إقامة "إمارات" إسلامية، بعد أن اكتشف العالم أن مخازن حبوب الهلوسة متركزة في معسكر العزيزية. ثالثاً، هناك استخدام واضح ومفرط للقوة من قبل كتائب القذافي، في التعاطي مع الاحتجاجات التي بدأت سلمية، وتحولت إلى اللجوء إلى السلاح من قبل الثوار، كنوع من الدفاع عن النفس. رابعاً، أدى نجاح الثوار في إدارة المناطق التي سيطروا عليها، وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي إلى وجود كيان يستطيع العالم التعاطي معه، باعتباره ممثلاً شرعياً للشعب الليبي. خامساً، من الواضح أن كتائب القذافي ارتكبت فظائع في المناطق التي استطاعت انتزاعها من الثوار، وتصرفت بروح انتقامية ثأرية، تحكمها روح سياسة الأرض المحروقة.

هناك إيجابيات، أيضاً، فيما يتعلق بالشرط الثاني المتمثل في الدعم الإقليمي لقضية الحظر الجوي، خاصة من قبل الجامعة العربية. أولى هذه الإيجابيات، أن الجامعة قد اتخذت موقفاً مبدئياً في تعليق عضوية نظام القذافي في الجامعة، وإدانة استخدام العنف ضد المواطنين. ثانياً، تبلور موقف خليجي متطور، نادى بضرورة نزع الاعتراف بنظام القذافي، وتأييد حظر جوي على قواته. ثالثاً، لا شك أن التغييرات التي وقعت في أكثر من دولة عربية، وعلى رأسها مصر وتونس، ستكون أكثر تفهماً لمطالب الشعب الليبي، وستكون مؤازرة له في مواجهة الأجهزة القمعية. يتوقع البعض أن تعارض دولتان أو أكثر موضوع الحظر الجوي، وهي سوريا والجزائر، وذلك حتى لا تكون سابقة، فيما لو تعرضت الأنظمة في هذه الدول لتحد مماثل.

أما الشرط الثالث، وهو التفويض الدولي، فبعد أن أقر مجلس الأمن القرار 1970، بالإجماع، يمكن تصور أن قراراً بشأن فرض حظر جوي لن يكون صعباً جداً، لكن الإشكالية في القرار الدولي تتمثل في الوقت الذي يمكن تأخذه عملية المداولات والتوصل إلى توافق، حده الأدنى ألا تقوم إحد دول المجلس دائمة العضوية باستخدام الفيتو ضده.

أمام هذا الواقع، فهناك بعض الاقتراحات العملية للاستفادة من عنصر الوقت، وهو أن تقوم دول العالم، وأولها الدول العربية بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، ونزع الشرعية بشكل كامل عن نظام القذافي وكتائبه. ثانياً، أن تقوم الدول العربية، خاصة مصر وبعض الدول العربية التي تمتلك قوات جوية متطورة، بفرض منطقة الحظر الجوي. وقد يكون هنا فرصة هامة لجامعة الدول العربية لتثبت أنها قادرة على اتخاذ المبادرة، وفعل شيء مفيد للشعوب العربية. في الحد الأدنى، على الجامعة العربية ألا تكون شاهدة زور على قمع الشعب الليبي. ثالثاً، أن يطلب المجلس الوطني الانتقالي من بعض دول حلف شمال الأطلسي، بعد الحصول على تغطية عربية، بفرض مثل هذه المنطقة.

لقد وصل نظام القذافي إلى ما وصل إليه من خلال تواطؤ عربي، وإفريقي، ودعم غربي، ولذا فإن موضوع حماية الشعب الليبي من هذا النظام القمعي هو مسؤولية عربية وإفريقية وإسلامية ودولية. لقد اتخذ الشعب الليبي الباسل الخطوات الأولى، وأراد لهذه العملية أن تكون سلمية، لكن نظامه أراد غير ذلك، وهو يستخدم أسلحة فتاكة انتقاها من كافة أنحاء العالم الشرقي والغربي، ويستقدم مرتزقة للقيام ببعض جرائمه، ويهدد دول الجيران العربية والأوروبية بتحويل ليبيا إلى دولة فاشلة، تصبح مرتعاً لعدم الاستقرار لكافة دول العالم. الشعب الليبي يريد أن يكسب شرف تحرير باقي المناطق الليبية من هذا النظام الوحشي بنفسه، لكنه يستصرخ نوعاً من التكافؤ في هذه المعركة. الشعب الليبي يريد اعترافاً دولياً بمجلسه، وتحييداً لطيران خصمه، وهو قادر على حسم المعركة، بإذن الله.

نجيب الغضبان

أكاديمي سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer