الأقسام الرئيسية

تحية لشباب «الفيسبوك» الفلسطينيين!

. . ليست هناك تعليقات:


جمهور الشباب الذي يتجمع في الفضاء الانترنتي قد يؤشر إلى مرحلة انتهاء التشظي الجغرافي والسياسي ولكنه يحتاج أن يدرك ماذا يريد من هذا التجمع.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: ماجد كيالي


المشهد الفلسطيني على صفحات «فيسبوك»، متوزّع الآن بين دعوات: الشعب يريد إنهاء الانقسام، والشعب يريد إنهاء الاحتلال، والشعب يريد إعادة بناء النظام، والشعب يريد إنهاء الفساد. كما ثمة حملات من مثل الحملة من أجل حق الشعب في التمثيل (عبر ممارسة انتخاب ممثليه للمجلس الوطني)، لإنهاء احتكار الفصائل للمشهد السياسي، والحملة من أجل العودة (بالدعوة إلى مسيرات مليونية باتجاه فلسطين)، وحملة كتابة «فلسطين حرة» على «الشيكل» والهوية الفلسطينية (حيث يكتب الاسم بالعبرية أيضا)، في رفض لواقع الهيمنة والاحتلال والعنصرية الإسرائيليين.

ومعلوم أن هذه الصفحات يشارك فيها، في الفضاء «الانترنتي»، جمهور كبير من الشباب، حيث وفّرّت هذه الشبكة العنكبوتية نوعا من التواصل والتفاعل بين الفلسطينيين (كتابة وصوتا وصورة)، بشكل لم يعهدوه من قبل، وحتى أن الفصائل المتوافرة لم توفّره لهم.

ومعنى ذلك أن هذه الشبكة أتاحت للفلسطينيين التغلب على معضلتين أساسيتين، في الوضع الفلسطيني، تتمثلان بواقعي التشظّي الجغرافي والسياسي. كما يعني ذلك أن جمهور الشباب الفلسطيني، كما غيره من الشباب العربي، ملّ الأطر السياسية المتكلسة، والموجودة منذ عقود من الزمن، وأنه فقد الأمل بها، وأن هذه التحركات والدعوات تبشّر بمولود جديد يتجاوز ما هو موجود، من حيث الخطابات والبنى وأشكال العمل (كما دلت تجربتي تونس ومصر).

من ناحية أخرى يمكن النظر إلى هذه الدعوات على أنها تعبير عن التنوع والتعددية في المجتمع الفلسطيني، وهي ليست مجرد تعددية سياسية، وإنما هي تعددية في الأولويات، أيضا، ناتجة عن اختلاف أوضاع الفلسطينيين.

باعتقادي أن كل الدعوات والحملات المذكورة مشروعة، وينبغي الحذر من وضعها مقابل بعضها، أو اعتبار أن احدها يشكل بديلا عن الآخر، أو منافسا له. فالشعب حقا يريد إنهاء الانقسام والاحتلال والفساد. والشعب، أيضا، يريد اخذ مصيره بيده بدل ترك أمره في يد طبقة سياسية متحكمة، لم تعد تمثله تماما، من حيث الرؤية والمصالح والسلوك، وباتجاه إعادة بناء النظام الفلسطيني، وتجديد حيويته. وفوق ذلك فإن الشعب يريد ممارسة حق العودة إلى أرضه ودياره، وهو يناضل منذ عقود ضد الهيمنة والعنصرية والاحتلال، وكل تجليات الوجود الصهيوني في فلسطين.

على ذلك ليس ما يمنع من تأييد هذه الدعوة، أو دعم تلك الحملة، أو غيرهما، لاسيما أن شباب «الفيسبوك» يتنافسون على جمع اكبر قدر من التأييد، ويحرصون على استقطاب اكبر عدد من التواقيع لدعواتهم وحملاتهم؛ لذلك فإنني أجد نفسي، كما كثيرون غيري، مع كل هذه الحركات في نفس الوقت، وهذا ما يجب أن يأخذه في الاعتبار المبادرون لهذه الدعوات والحملات في «فيسبوك».

لكن الأهم مما تقدم أن على هؤلاء المبادرين إدراك حقيقة مفادها أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة، وأكثر من أي شيء آخر، لتعريف مشروعه الوطني، لتحديد ماهية هذا المشروع.

ومعلوم أن الفلسطينيين باتوا حائرين في ماهية مشروعهم الوطني، بين مشروعات عديدة، بين مشروع الحل المرحلي للدولة في الضفة والقطاع، وبين السلطة القائمة وفق اتفاق أوسلو، والتي تجعل من الحل المرحلي حلا نهائيا، وبين خيار التحرير الكامل لفلسطين، وبين الدعوات المتعلقة بمشروع الدولة الديمقراطية العلمانية الديمقراطية الواحدة (دولة مواطنين أو ثنائية القومية). كما هم حائرون في أشكال نضالهم، لاستعادة حقوقهم، بين المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، والعمليات التفجيرية، وأشكال المقاومة الشعبية/المدنية، والمفاوضات.

في هذا الإطار ربما يمكن القول بأن تعيين مفهوم الشعب الفلسطيني، هو الذي يحسم هذا الأمر، أي يحسم ماهية المشروع المطلوب. فإذا كان الشعب الفلسطيني هو الشعب الموجود في الضفة وغزة ومناطق 48 وفي بلدان اللجوء والشتات، فينبغي أن يكون المشروع الوطني معنيا بكل هؤلاء، بحيث يستوعب حقوقهم وأولوياتهم، في إطار رؤية سياسية مستقبلية، تفاعلية وتكاملية، تأخذ باعتبارها المصير المشترك، مثلما تأخذ في اعتبارها أولويات كل تجمع.

أما إذا كان «الشعب» المقصود هو الفلسطينيين في الأراضي المحتلة (الضفة والقطاع) فهنا لا يمكن أن نكون بإزاء مشروع وطني شامل، وإنما بإزاء مشروع لحل جزئي، لجزء من الشعب، من دون التقليل من أهمية هدف دحر الاحتلال وإقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع (لكن ليس وفق منظور اتفاق أوسلو)، وإنما ضمن منظور تحجيم المشروع الصهيوني، وصولا لتقويضه.

هكذا، فإن حل الدولة الواحدة (الديمقراطية العلمانية)، أكانت دولة مواطنين، أو في المرحلة الأولى دولة ثنائية القومية، هو الحل الوحيد الذي يأخذ في اعتباره وحدة الأرض والشعب، وهو الحل الوحيد لمختلف تجليات القضية الفلسطينية؛ ومعها مشكلة وجود إسرائيل في هذه المنطقة. هكذا حل، ينطلق من القيم الإنسانية العالمية، أي قيم الحداثة والديمقراطية والعلمانية والمساواة والعدالة والسلام، وينسجم معها. لكن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار هنا هو أن هذا الحل لا يطرح مرة واحدة، وإنما يحتاج لتوسطات وتدرجات، وهو لا يطرح للتطبيق الفوري، ولا كبديل لإقامة كيان فلسطيني في الضفة والقطاع، لكنه يطرح، أيضا، لتوسيع أفق حل الدولة المفترضة في الضفة والقطاع وربطه بأفق استراتيجي يتجاوب مع حقوق الشعب، ووحدته، ومصيره المشترك، بالارتباط مع التطورات في المنطقة العربية.

ومعلوم أن حل الدولة في الضفة والقطاع، بطريق التفاوض (كما هو جار) لا يتضمن البتة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولا يلبي تطلعات الفلسطينيين في مناطق 48، أي انه حل جزئي، بمعنى انه لا يتضمن حلاً للمشكلة الفلسطينية من جذورها، فضلاً عن انه لا يتضمن حلاً لوجود إسرائيل، باعتبارها دولة صهيونية، استعمارية وعنصرية وعدوانية ووظيفية في هذه المنطقة من العالم. وما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أن حل الدولة الواحدة لا يطرح للتفاوض مع إسرائيل، لأنها لن توافق عليه، بحكم طبيعتها كدولة استعمارية عنصرية ودينية، لذلك فهو مشروع نضالي مستقبلي.

لهذا كله ربما يصح القول بأن شباب «الفيسبوك» الفلسطينيين معنيون بربط دعواتهم وحملاتهم برؤية سياسية مستقبلية اشمل، وهم معنيون أيضا بإبداء أقصى قدر من الديمقراطية في تفهّم المطالبات الأخرى، لأنها لاتقل شرعية وعدالة عن مطالباتهم.

لكن في كل الأحوال ينبغي توجيه التحية لهؤلاء الذين يعيدون الحيوية للحياة السياسية الفلسطينية، رغم إنهم يلاقون الاستخفاف من القيادات الفصائلية ويلاقون العسف والمضايقات من سلطتي الأمر الواقع في الضفة وغزة.

ماجد كيالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer