مشهد تحول سيف الإسلام القذافي من داعية الحقوق الوديع والحداثي إلى وحش أناني إنما يكشف عن خلفية من القسوة لدى الطبقات الحاكمة ما أن ترى التمرد في أعين مواطنيها. |
ميدل ايست أونلاين |
بقلم: إبراهيم الزبيدي |
لم يكن سيف الإسلام القذافي متفردا بتهديد شعبه ببحار ٍ من دم، وبالدفاع عن نظام الأخ العقيد حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر طلقة، فقد سبقه عدي صدام حسين وأخوه قصي، وبرزان وعلي حسن المجيد. وحين وفى شِبل العقيد بتهديداته لم يكن أول من فعل. حاول أن يفعلها زين العابدين بن علي، وفشل لأن الجيش التونسي انحاز إلى الجماهير من أول ساعة. وحاولها حسني مبارك وأوشك أن ينجح، لولا أن فت الجيش المصري في عضده، حين أعلن أنه جيش الشعب وليس جيش الديكتاتور. سيف الإسلام القذافي أثبت، قولا وعملا، أن والده القائد ليس بن علي ولا حسني مبارك، فهو أكثر منهما قسوة وهمجية ودموية، لم يتورع عن استخدام طائراته الحربية المقاتلة وقنابلها وصواريخها دك أحياء سكنية آمنة، بنسائها وأطفالها وشيوخها، ليقتل ثوارها. فعلها قبله حافظ الأسد حين محا مدينة حماة، بمساكنها وأهلها، من الوجود. وفعلها صدام حسين في النجف وكربلاء. وفعلها الولي الفقيه وما زال يفعلها في إيران. وسيفعلها "سيوف الإسلام" العراقيون، دون شك، ودون ريب. أجل سيفعلها جلال الطالباني وأسامة النجيفي ونوري المالكي وصالح المطلق وأياد علاوي بشباب انتفاضة الخامس والعشرين من شباط، فقط إذا داسوا لهم على طرف، أو لو تجرأوا وخرجوا عن إطار مطالباتهم بالماء والكهرباء والمجاري. الحكام طينة واحدة. طيبون ومسالمون وكرماء، ويموتون حبا بشعوبهم، ما دام عبيدُهم راضين قانعين لاهين جاهلين بما يفعله بهم أولو أمرهم في الخفاء، باسم الوطنية والديمقراطية والعدالة والشرف والخلق والدين. ولكنهم قتلة وجزارون وأشاوس وشجعان ومقاتلون صناديد حين تصل النار الحقيقية إلى عروشهم. وحكام العراق اليوم طيبون، كرماء. خفضوا رواتبهم 20 بالمئة، وألغوا مخصصات الخدمة الاجتماعية المقررة للرؤساء ونوابهم. ووزعوا إكراميات على المواطنين. إنهم ديمقراطيون درجة أولى، لا يمانعون في أن يتظاهر شبابهم، ولكن أصابعهم على الزناد، ومليشياتهم جاهزة. سيف الإسلام القذافي كان، مثلهم، قبل حريق بنغازي والبيضا وسرت، مهندسا مثقفا متنورا، رقيقا هادئا لطيفا، يحب جماهيرية والده العقيد بلا حدود. طَموحٌ، حداثي، يريد التغيير، ويحرص على حقوق الإنسان والديمقراطية، ويحتضن الشباب، ويحلم بنقل ليبيا الثورة إلى ليبيا الدولة الحديثة، ليبيا المؤسسات. وفجأة، ودون مقدمات تجرأ الليبيون فكفروا بالظلم والديكتاتورية، وبالعقيد ولجانه الشعبية وكتائبه، وخرجوا دون سلاح، متظاهرين مسالمين مطالبين ببعض خبز وبعض حرية وبعض كرامة وعدل، لا غير. وفجأة أيضا ودون مقدمات، نزع سيف الإسلام جلد الحمام وعاد إلى معشر الذئاب. خرج الأسد من الحمل الوديع، والجزار من بائع الزهور، وهتلر من غاندي، وموسليني من مانديلا، ودراكولا من السيد المسيح، وهولاكو من بوذا، وليلى خالد من غولدا مائير. فجأة غاب سيف الإسلام القذافي الطيب الهادئ المسالم الرقيق، وخرج "سيف إسلام" آخر، وحش، أناني، حاقد، قاتل، وشرير. يظن، كغيره من أبناء الطغاة، أن الله خلقه ليسود، خلق الشعب الليبي، لكي يتسلى به، ويَخيط له ما يلبس، ويختار له ما يأكل وما يشرب، وكيف ينام ومتى وكيف. أخشى على شباب انتفاضتنا العراقية الباسلة من "سيوف الإسلام" العراقيين. أخشى عليهم من المعممين الذين قد يركبون موجة انتفاضتهم فيجعلونها سلفية وطائفية متزمتة، ويبطلون ثوريتها وحداثتها وعلمانيتها وديمقراطيتها. وأخشى عليها أيضا من العسكريين الذين قد يتسللون إليها فيجعلونها انقلابا عسكريا يحكم أهلنا بالحديد والنار. أيها المنتفضون الشجعان، لا تخرجوا على القانون. رئيس جمهوريتكم ونوابُه، ورئيس وزرائكم ونوابُه ومعاونوه ومستشاروه، ووزراؤكم وسفراؤكم، جميعا، أؤلو أمركم. ونوابكم وكلاؤكم. ولن يدخلَ الجنة من يُزعج نوري المالكي وجلال الطالباني والهاشمي وعادل عبد المهدي ومقتدى الصدر وصالح الطلق وأسامة النجيفي وأياد علاوي، وأميركا وإيران. لا تقولوا إن الأفعى برأسها لا بذنَبها. لا تحلموا بديمقراطية وعدالة ونزاهة وشهادات غير مزورة. لا تطالبوا بمحاكمة اللصوص ولا باسترداد ما سرقوه. لا تطالبوا بتعديل الدستور ليكون لكم نظام برلماني يُنتخب فيه رئيس الجمهورية ونائبه مباشرة من عموم العراقيين. لا تطلبوا تعديل قانون تشكيل الأحزاب لكي تمنعوا تشكيل أحزاب عنصرية قومية، كحزب البعث، وجماعة الحوار والتوافق، ولا طائفية من نوع المجلس الأعلى وحزب الدعوة والحزب الإسلامي. كونوا حذرين متيقظين. فهم متأهبون متحضرون للفتك بكم وبثوركم، أيها الشباب، إذا اكتشفوا أن تظاهراتكم، يوم الخامس والعشرين من شباط، جدية وثورية تريد تغيير النظام، وطنية شاملة، غير طائفية ولا عنصرية ولا مناطقية، تريد تحرير العراق كله، من السليمانية إلى البصرة، ومن الرمادي إلى مندلي، وليست زوبعة في فنجان تهدأ وتخبو نارها فقط إذا قامت حكومة المالكي والطالباني وأياد علاوي وصالح المطلق وأحمد الجلبي ومقتدى الصدر بإصلاح بعض مجاري مياه البصرة، وإضاءة بعض شوارع الكوت، وطرد محافظ في الناصرية أو الرمادي؟ كثورة مصر وتونس وليبيا. فكونوا في مستواها، وعلى قدر أثمانها الباهظة. وكان الله يحب المحسنين. إبراهيم الزبيدي |
23/02/2011
إحذروا 'سيوف إسلامكم' أيها المنتفضون العراقيون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات