بقلم محمد البرغوثى ٢٣/ ٢/ ٢٠١١
لا خوف على ثورة ٢٥ يناير من فلول الحزب الوطنى، ولا من ضباط مباحث أمن الدولة، ولا من رجال الأعمال الذين يشكلون منذ بدء الثورة وإلى الآن تنظيماً إجرامياً يخطط بأساليب مختلفة للالتفاف على الثورة وإجهاضها أو تقزيم مكاسبها. ولا خوف على الثورة أيضاً من الكتاب والإعلاميين المتحولين أو حتى من بعض الرموز الوطنية التى انضمت إلى حكومة شفيق فى محاولة أخيرة لإكساب هذه الحكومة نوعاً من الشرعية لن تكتسبه إطلاقاً فى ظل إصرار شباب الثورة على انعدام شرعية هذه الحكومة والانتباه الكامل إلى أن الدكتور شفيق هو أحد أهم رموز النظام الذى طالبت الثورة بإسقاطه. لقد بذل فلول الحزب الوطنى ورجال أعماله الفاسدون وضباط أمن الدولة وبعض ضباط المباحث الجنائية، الذين قتلوا العشرات وأصابوا الآلاف خلال الثورة - بذل هؤلاء أقصى طاقتهم وبأساليب رخيصة وإجرامية فى إثارة الفوضى والذعر، وحرضوا البلطجية واللصوص على سرقة المساكن والاستيلاء على الشقق والأراضى، ونظموا مظاهرات وإضرابات فئوية لتشتيت روافد الثورة وشق صفوفها.. ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، والأهم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تمكن من رصد هذه التحركات المريبة منذ اللحظة الأولى وتعامل معها، ويسعى الآن إلى السيطرة عليها، كما أن الروافد الأساسية التى شاركت فى صنع هذه الثورة المجيدة لم تغفل لحظة واحدة عن رصد وفهم تحركات وأساليب جيش الفساد والتعذيب، وقد كشفت هذه الروافد عن وعى مذهل يؤهلها دائماً لحماية الثورة من كل هؤلاء الأوغاد الواضحين. لكن الخوف الحقيقى على الثورة يتمثل فى «صنف» محدد من المنظرين الأكاديميين الذين ألقت بهم الطائرات المقبلة من مراكز البحوث والجامعات الأمريكية فى قلب الصفوف الأمامية لهذه الثورة، والذين اعتنقوا فجأة حلولاً راديكالية تثير الإعجاب من الوهلة الأولى، ولكنها فى النهاية ستؤدى إلى كارثة حقيقية، لأنها منقطعة الصلة بما يدور على أرض الواقع فى مصر، ولكنها فى الوقت نفسه موصولة بخيوط دقيقة بمراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تسهر الآن على التحكم فى مسارات الثورة، وتهدف إلى اقتيادها فى الاتجاه ذاته الذى دفعتنا فيه عشرات السنوات. وحتى أكون واضحاً، فإنى أعلن شكى وارتيابى فى بعض المنظرين المنمقين الذين شاركوا فى لجنة الحكماء أثناء الثورة، ويشاركون الآن فى التفاوض باسم الثورة مع القوات المسلحة، ويشاركون أيضاً فى التفاوض مع الثوار باسم «النظرية السياسية»، ثم يشاركون فى التحاور الحميم والمهذب مع رئيس الحكومة غير الشرعية التى أدت اليمين الدستورية أمام رئيس فاقد للشرعية. إن هؤلاء يتاجرون الآن بتخويف الجميع من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويستندون فى التخويف على ميراث طويل من حكم العسكر للبلاد، ويصمون آذانهم عن كل التطمينات التى صدرت عن المجلس العسكرى، ويطرحون فى هذه المرحلة المضطربة حلولاً جذرية ستؤدى حتماً إلى تجريد الثورة من الحماية الرائعة التى توافرت فى الجيش. إن إثارة المخاوف من عسكرة الحكم فى مصر لا مبرر لها الآن.. فالحكم العسكرى مرفوض جملة وتفصيلاً من كل الثوار ومن الجيش ذاته.. ولا يمكن للمصريين أن يقبلوا حكماً عسكرياً يعيد البلاد ٦٠ عاماً للخلف، ولكن تجريد الثورة الوليدة الآن من حماية الجيش سيلقى بها لقمة سائغة للذئاب الجائعة والجريحة التى تنتظر الانقضاض عليها، وسوف يؤدى إلى إنجاز سيناريو الفوضى الخلاقة الذى يحاول المنظرون المنمقون دفعنا إليه بطرق ملتوية شديدة الدهاء، فلنحترس من هؤلاء أكثر من احتراسنا من فلول الفساد والتعذيب. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات