الأقسام الرئيسية

الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها

. . ليست هناك تعليقات:

جابر السكران/ باحث ومحلل سياسي

ان الثورة في اللغة تعني الهيجان والوثوب والسطوع اما الاصطلاح اللاتيني Revolution المقابل للكلمة ثورة باللغة العربية فهو تعبير فلكي الاصل شاع استعماله بعد ان اطلقه العالم كوبر تيكوس 1473-1543 على الحركة الدائرة المنتظمة والمشروعة لنجوم حول الشمس ولما كانت هذه الحركة لاتخضع لسيطرة الانسان ولتحكمه فقد تضمنت الثورة معنى الحتمية اي انه فوق مقدور الشر مقاومتها لقد استعمل هذا الاصطلح للدلالة على التغيرات المفاجئة والعميقة التي تحدث في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد كانوا قبل ذلك يستعملو ن تعبيرات اخرى مثل التمرد والعصيان والفتنة وغيرها.
تعريف الثورة: وهي التغيير المفاجئ السريع بعيد الاثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الاحوال القائمة في المجتمع وذلك بأعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذرياً.


اما الانقلاب: هو قيام السلطةالحاكمة او جزء منها بتغيير نظام الحكم القائم بطرق غير شرعية، مثل قيام رئيس الجهورية بتعيين نفسه ملكاً او تعطيل البرلمان او الانفراد بالسلطة. او يقوم الجيش او بعض وحداته بالاطاحة بالحكومة القائمة والاستئثار بالسلطة وللتميييز بين الثورة والانقلاب يرى فريق من الفقهاء اتخاذ اهداف الحركة موضوع البحث معياراً لها. ان معرفة الثورة تكمن في الاهداف الحقيقيةالتي تقف وراء تغيير السلطة القائمة. فالانقلاب لا يهدف الا الى الاستئثار بالسلطة دون احداث تغيير سياسي اجتماعي او اقتصادي او قانوني اما الثورة فهدفها احداث تغيير جذري في النظم والاوضاع. وورد في الميثاق المصري عن الثورة: ان الثورة عمل تقدمي شعبي اي حركة الشعب بأسره يستجمع قواه ليقوم باقتحام جميع العوائق والموانع التي تعترض طريقه لتجاوز التخلف الاقتصادي والاجتماعي وصولاً لتحقيق غايات كبرى تريدها الاجيال القادمة. ولم تكن الثورة نتاج فرد او فئة واحدة وا لاكانت تصادماً مع الاغلبية وقيمة الثورة الحقيقية بمدى شعبيتها وبمدى ما تعبر عن الجماهير الواسعة ومدى ما تعبئه من قوى هذه الجماهير لاعادة صنع المستقبل وفرض ارادتها. وقدم الفكر الماركسي نظرية كاملة للثورة الا ان هذه النظرية تؤدي دورها داخل نطاق الفلسفة الماركسيية وتعد الثورة في العرف الماركسي امراً حتمياً للانتقال من نظام اجتماعي الى نظام اجتماعي اخر كما حدث في ثورة البلاشفة وتطبيق دكتاتورية البروليتاريا والتي تنقل المجتمع من النظام الرأسمالي الى المجتمع الاشتراكي. ان لكل شعب ثورتان ثورة سياسية يسترد بها حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه او من جيش قد اقام في ارضه دون رضاه. وثورة اجتماعية تتصارع فيها طبقاته ثم يستقر الامر فيها على ما يحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد. وهناك صلة وثيقة بين الثورة بمعناها السياسي والثورة بمعناها الاجتماعي فلا يمكن لاي فرد ان يحدث اي تغيير جذري في المجتمع الااذا سيطر على السلطة ومسك مقاليد الامور بيده. والثورة السياسية تسبق الثورة الاجتماعية وهذا ينطبق على معظم الشعوب المستعمرة حيث لايمكن ان تقوم بثور ة اجتماعية ما لم تسترد حقوقها من يد الدول المستعمرة ومن هنا حرص الاستعمار على تأخير الثورات الاجتماعية من خلال مماطلته وتفننه في اطالة عهد الثورات السياسية بخلقه لكثير من المشاكل المفتعلة مثل مشاكل الحدود لألهائها وادخالها في منازعات لابعادها عن تحقيق الثورة الاجتماعية كما هو الحال في افريقيا واميركا اللاتينية. والثورة بالمعنى السياسي هي مجرد خطوة لتحقيق الثورة بالمعنى الاجتماعي وان تغيير الاشخاص الحاكمين سواء عن طريق حركة شعبية او عن طريق احدى الهيئات الحاكمة دون ان يصاحب ذلك تغيير اجتماعي في حياة الشعب فذلك مجرد انقلاب او حركة عنف بعيدة عن الشعب. وقال جمال عبد الناصر هناك من يتصور ان ثورة 23تموز 1952 هو العمل الذي بدا صباح ذلك اليوم ثم انتهى مساء يوم 26 تموز حين تم ارغام الملك على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد... ليس هذا رأي وانما الذي أراه هو ان الذي حدث في تلك الايام الثلاث هو مغامرة الثورة وليس الثورة ذاتها. وهناك فارق كبير بين المغامرة والثورة. ان الثورة عمل ايجابي جذري لتغيير الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وطن من الاوطان اما مفهوم الثورة ونظرياتها فأختلف الكتاب والفلاسفة والسياسيون حول موقفهم من الثورة ومن سير الحضارة الانسانية وشرعيتها بشكل عام. فقال الفيلسوف الالماني هيجل 1770-1830 ان الثورة ظاهرة اجتماعية شاذة ومنافية للسير العام للمجتمع الانساني وهي شيء غير طبيعي لا يحدث الافي الحالات الشاذة والنادرة وان حدوثها في المجتمع كمثل ولادة مولود بثلاث ارجل او ستة اصابع في كفه او قدميه. اما الكاتب الانكليزي المشهور والفيلسوف جون لوك 1632-1704 فيعتبر الثورة ظاهرة اجتماعية طبيعية ومنسجمة مع السير العام للمجتمع الانساني ومع تطور التاريخ وهي تحدث عادة اذا توفرت الشروط الخاصة لحدوثها فهي عمل مشروع بحق للشعب بل يجب عليه ان يقوم به للقضاء على الحكومة التي لاتمثله والتي انحرفت عن الطريق السوي في الحكم. ان الحكومة في نظر جون لوك هي خدمة للشعب ورفع مستواه المعنوي والمادي والحفاظ على ارواح الشعب وممتلكاته وحقوقه. وقد ذهب كارل ماركس 1818-1883 الى ابعد من ذلك فأعتبر الثورة هي القانون العام لسير الطبيعة والمجتمع وهي الوسيلة الوحيدة لحل مشكلاته ولاسيما الجانب الاقتصادي الذي يستند عليه وينبثق عنه نظام المجتمع في الوجوه الاخرى السياسية والاجتماعية والأخلاقية والفلسفية وغيرها. ويعتبر ماركس الدولة- والحكومة التي هي جهازها الفعال والتي نشات من الناحية التأريخية بعد زوال المشاعية البدائية- مؤسسة ظالمة اوجدتها الطبقة المستغِلة بكسر الغين وهي أقلية لحماية مصالحها الاقتصادية على حساب اكثرية الشعب المحروم فنشات المؤسسات الحكومية مثل الشرطة والمحاكم والسجون لمحافظة على الوضع القائم المبني على الاستغلال وكبح جماح الفئة المحرومة ومنع مطالبتها بحقوقها المشروعة اقتصادياً وسياسياً. من هنا يمكن ان نستنتج ان جون لوك وكارل ماركس اتفقا على شرعية الثورة على النظام الفاسد البالي وصولاً للعدالة الاجتماعية وان اختلفا في فلسفتها من الناحية السياسية والاقتصادية. ان وجه الخلاف بينهما فالاول نادى بالحفاظ على الملكية الفردية اما الثاني فدعا الى نقلها الى الدولة اعتقاداً منه لتحقيق العدالة بين السكان. وقد دعا جون لوك الى تغيير النظام الفاسد ضمن الديانة المسيحية اما كارل ماركس فدعا الى بناء علاقات بين الناس على اسس دنيوية. وعلى ضوء ذلك انقسم الكتاب والفلاسفة من حيث مو قفهم من الثو رة فالبعض لايؤمن بشرعيتها والاخر يؤمن بشرعيتها من الناحية القانونية . ويعود ذلك بشرعيتها من الناحية القانونية. ويعود ذلك لاختلاف نظرية كل منهم عن الاخر فيما يتعلق بنشوء الدولة واصلها وتنقسم النظريات المتعلقة بنشوء الدولة وصلتها بالافراد الى قسمين: مجموعة النظريات التي تعتبر الدولة كجسم الانسان من حيث التراكيب والنشاط والوظائف ومثل الافراد الذين تتألف منهم من حيث صلاتهم ببعضهم وبالحكومة وان الدولة سابقة للافراد في الوجود والاهمية وعلى الافراد ان يخضعوا وينصاعوا لأوامراها حتى وان لم تتفق هذه الاوامر مع المصلحة العامة او لمصالحهم الشخصية. وان وجه الشبه بين الدولة وجسم الانسان يظهر فيما لو نظرنا الى مستوى اعضاء الجسم ورقيها فبعض الاعضاء ارقى من الاخرى من حيث الوظيفة والمركز. وتتسلسل تلك الاعضاء حتى نصل الى الدماغ. كذلك بالنسبة للافراد فهناك من هو ارقى من الاخر من حيث العمل الذي يقوم به ومن حيث اهميته العامة حتى نصل الى الزعيم والذي هو العقل المدبر في جسم الدولة. اما من ناحية صلة الدول ببعضها فتخضع كذلك لتسلسل دول ارقى من غيرها من حيث الاهمية والزعامة ويقاس رقي الدولة حسب الانسجام الموجود في علاقات افرادها وبمدى علاقتهم بالدولة وبارادة زعيمها. ومن هنا يجب هيجل ان الدولة البروسية ارقى الدول جميعاً ولها رسالة انسانية سامية يجب ان تثير بها لاخراج الناس من الظلمات الى النور وعلى الدول الانصياع لها لتحقيق رقيها وازدهارها. اما مجموعة النظريات الثانية والتي تعتبر نشوء الدولة ناتج عن اجتماع الافراد وتعاقدهم لايشترط في ان يكون مسجلاً وانما هو اختياري توصلوا اليه افراد الجنس البشري في بداية تكوينهم الاجتمعاي بسبب الصراع المسلح فيما بينهم فشعروا بضرورة ان تتولى هيئة منهم ادارة شؤونهم وتنظيم علاقاتهم الاجتماعية لقاء تنازلهم لها عن الحقوق التي كانوا يتمتعون بها فيما يتصل بالدفاع عن النفس والممتلكات لكي يظفروا بالحقوق المتعلقة بالطمأنينة والعيش مع الاخرين بسلام نتيجة لقيام الدولة بذلك. ويسمي الغالبية هذه النظرية بنظرية العقد الاجتماعي حيث تقول هذه ان هناك عقد بين الحكومة والشعب وان اختلف اصحاب هذه النظرية في تفاصيل ذلك العقد وشروطه. ومن اشهر هؤلاء هو توماس هوبز 1588-1679 في انكلترا وجان جاك روسو 1712-1788 في فرنسا. وخلاصة العقد الاجتماعي هي ان الافراد من الناحية التأريخية اسبق في الوجود وفي الاهمية من الدولة والحكومة واذ كان الامر كذلك فانهم في فترة من فترات التأريخ الانساني في الماضي ابعيد قد اجتمعوا بمحض ارادتهم وتعاقدوا كما ذكرنا سابقاً على انشاء الدولة لغرض قيامها بالمحافظة على حقوقهم المكتسبة وفي مقدمتها حق التملك وعلى هذا الاساس يصبح لأفراد الشعب حقوق على الدولة والتزامات واذا ثبت لهم بشكل قاطع ان الدولة قد انحرفت واخلت بواجباتها والتزاماتها اتجاههم اصبح من حق الافراد ان يثوروا عليها ويحطموا جهازها الحكومي لأستبداله باخر يضمن لهم المحافظة على ارواحهم وممتلكاتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer