يحيرنا الذى يجرى فى ميدان التحرير، ويقلقنا كثيرا الأسلوب الخشن الذى ظهر فى أوساط الشرطة العسكرية فى تعاملها مع المتظاهرين فى الميدان، أما وجه الحيرة فيتمثل فى أن الميدان أصبح مفتوحا للكافة، بحيث اختلط فيه الحابل بالنابل. ولم يعد يعرف بالضبط من الذين جاءوا لكى يتظاهروا فيه معبرين عن آراء أو مطالب. ومن الذين وفدوا إليه لإثارة الفوضى والفتنة وممارسة البلطجة.
أثناء الاعتصام الكبير كان الميدان مؤمنا، بمعنى أن المنظمين كانوا يتعرفون على الداخلين والخارجين. وكان لكل مجموعة مكان يتجمعون فيه. ولم تكن هناك فرصة للعبث أو الاندساس أو الإخلال بسلمية التظاهر. وهو وضع اختلف إلى حد كبير بعد انفضاض الاعتصام، حيث لم يعد هناك وجود للجنة المنظمة للعملية. وبالتالى فإن عناصر الشرطة العسكرية وحدها التى أصبحت تتولى تأمين الميدان.
الوضع أصبح معقدا الآن، ذلك أن الاستجابة المتواضعة لمطالب الثورة أثارت استياء كثيرين ممن توقعوا مردودا مختلفا للثمن الذى دفع، وسالت من أجله دماء مئات الشهداء. وقد وجد هؤلاء أن وسيلة الضغط الوحيدة على السلطة ممثلة فى مجلس الدفاع الأعلى والحكومة هى العودة إلى التظاهر فى الميدان مرة أخرى، وهو ما حدث بالفعل. ولكن المشكلة هذه المرة أنه فى غياب عملية تأمين الميدان، فإنه لم يعد يعرف بالضبط الفرق بين الجادين والعابثين، الأمر الذى فتح الباب للاحتكاك بين بعض الداخلين وبين عناصر الشرطة الموجودة فى الميدان. ولا ينكر أن تعدد الجهات التى تلجأ إلى التظاهر فى الميدان فتح الباب للالتباس والمهاترة. الأمر الذى أبرز أهمية وجود تنسيق بين الفئات أو المجموعات المختلفة من الناشطين، بحيث تتولى تلك الجهات مسئولية التأمين لقطع الطريق على احتمالات حدوث ذلك الاحتكاك.
أما الذى يبعث على القلق ويزعج حقا، فهو ما جرى مساء يوم الجمعة مع بعض المتظاهرين خصوصا أمام مجلس الوزراء، فقد تعرضوا للضرب بالعصى الكهربائية كما تعرض بعضهم للسحل والإهانات التى أذهلت الجميع، وأعادت إلى الأذهان ممارسات ظننا أننا تجاوزناها، واعتبرت عارا لطخ وجه نظام ما قبل 25 يناير.
ناهيك عن أن أحدا لا ينكر أن تلك الأساليب التى أهدرت كرامة المواطنين وعمدت إلى إذلالهم كانت من بين الأسباب التى عبأت الجماهير بمشاعر السخط والغضب. ومما سمعته من بعض الذين تعرضوا لتلك التجربة البائسة أن ما أذهلهم وأوجعهم حقا ليس ما لحق بهم من أذى، ولكن أنهم رأوا بأعينهم بأن الذى رفضوه وثاروا عليه وظنوا أن صفحته طويت إلى الأبد تجدد أمام أعينهم مرة أخرى.
فيما سمعت فإن ضباطا بثياب مدنية، ليس معروفا إلى أى جهاز ينتمون وإن كان الأرجح أنهم من عناصر أمن الدولة، كانوا يوجهون جنود الشرطة العسكرية الذين زودوا بالعصى الكهربائية، وكان الأخيرون يتولون التنفيذ بقسوة غير مألوفة وكان جديدا أن يعود أولئك الضباط إلى ذات الأساليب البالية. وكان جديدا أيضا أن يستخدم جنود الشرطة العسكرية فى أداء المهمة القذرة، وهم الذين احتفى بهم المتظاهرون واحتضنوهم يوما ما، ولايزالون رغم كل شىء يحتفظون لهم برصيد من المودة والاحترام.
قال لى أحد الذين تعرضوا للضرب المبرح، هو بالمناسبة عضو فى هيئة التدريس بإحدى الجامعات، إنه حين تعرض للضرب والسب والإهانة ودفع به مع آخرين كانوا مكدسين وممددين فى «جراج» مبنى مجلس الوزراء، تصور أن أنصار الرئيس السابق استولوا على السلطة، وأن اللواء العادلى عاد إلى مكتبه وقرر أن ينتقم من الذين تسببوا فى فضحه والإطاحة به. ولفت نظرى قوله أن ذلك لو حدث لكانت صدمته أقل من تلك التى استشعرها حين أدرك أن ما تعرضوا له تم فى وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى خرج على المصريين فى البداية معلنا تأييده لمطالبهم المشروعة.
قبل ظهر أمس، أصدرت قيادة القوات المسلحة بيانا أعلن الاعتذار عما جرى للمتظاهرين فى الليلة السابقة، وهى خطوة إيجابية لكنها غير كافية، لأن ما حدث لم يهن المتظاهرين فقط، ولكنه شوه صورة القيادة العسكرية وأساء إساءة بالغة إلى صورة الجيش الذى انعقدت عليه آمال الوطنيين والشرفاء. لقد تمنيت أن يعلن القادة العسكريون أن المسئولين عما جرى سيحاسبون فى محاكمات علنية، وأن يؤكدوا للشعب المصرى أن تلك الأساليب القذرة التى كانت تستخدم قبل 25 يناير، لن تظهر بعدها مرة أخرى. وإذا لم يحدث ذلك، فإننا لن نستطيع أن نقاوم الشعور بالاستياء وخيبة الأمل ولا أن نستبعد ظنون البعض أن الثورة أصبحت معرضة للاختطاف.
أثناء الاعتصام الكبير كان الميدان مؤمنا، بمعنى أن المنظمين كانوا يتعرفون على الداخلين والخارجين. وكان لكل مجموعة مكان يتجمعون فيه. ولم تكن هناك فرصة للعبث أو الاندساس أو الإخلال بسلمية التظاهر. وهو وضع اختلف إلى حد كبير بعد انفضاض الاعتصام، حيث لم يعد هناك وجود للجنة المنظمة للعملية. وبالتالى فإن عناصر الشرطة العسكرية وحدها التى أصبحت تتولى تأمين الميدان.
الوضع أصبح معقدا الآن، ذلك أن الاستجابة المتواضعة لمطالب الثورة أثارت استياء كثيرين ممن توقعوا مردودا مختلفا للثمن الذى دفع، وسالت من أجله دماء مئات الشهداء. وقد وجد هؤلاء أن وسيلة الضغط الوحيدة على السلطة ممثلة فى مجلس الدفاع الأعلى والحكومة هى العودة إلى التظاهر فى الميدان مرة أخرى، وهو ما حدث بالفعل. ولكن المشكلة هذه المرة أنه فى غياب عملية تأمين الميدان، فإنه لم يعد يعرف بالضبط الفرق بين الجادين والعابثين، الأمر الذى فتح الباب للاحتكاك بين بعض الداخلين وبين عناصر الشرطة الموجودة فى الميدان. ولا ينكر أن تعدد الجهات التى تلجأ إلى التظاهر فى الميدان فتح الباب للالتباس والمهاترة. الأمر الذى أبرز أهمية وجود تنسيق بين الفئات أو المجموعات المختلفة من الناشطين، بحيث تتولى تلك الجهات مسئولية التأمين لقطع الطريق على احتمالات حدوث ذلك الاحتكاك.
أما الذى يبعث على القلق ويزعج حقا، فهو ما جرى مساء يوم الجمعة مع بعض المتظاهرين خصوصا أمام مجلس الوزراء، فقد تعرضوا للضرب بالعصى الكهربائية كما تعرض بعضهم للسحل والإهانات التى أذهلت الجميع، وأعادت إلى الأذهان ممارسات ظننا أننا تجاوزناها، واعتبرت عارا لطخ وجه نظام ما قبل 25 يناير.
ناهيك عن أن أحدا لا ينكر أن تلك الأساليب التى أهدرت كرامة المواطنين وعمدت إلى إذلالهم كانت من بين الأسباب التى عبأت الجماهير بمشاعر السخط والغضب. ومما سمعته من بعض الذين تعرضوا لتلك التجربة البائسة أن ما أذهلهم وأوجعهم حقا ليس ما لحق بهم من أذى، ولكن أنهم رأوا بأعينهم بأن الذى رفضوه وثاروا عليه وظنوا أن صفحته طويت إلى الأبد تجدد أمام أعينهم مرة أخرى.
فيما سمعت فإن ضباطا بثياب مدنية، ليس معروفا إلى أى جهاز ينتمون وإن كان الأرجح أنهم من عناصر أمن الدولة، كانوا يوجهون جنود الشرطة العسكرية الذين زودوا بالعصى الكهربائية، وكان الأخيرون يتولون التنفيذ بقسوة غير مألوفة وكان جديدا أن يعود أولئك الضباط إلى ذات الأساليب البالية. وكان جديدا أيضا أن يستخدم جنود الشرطة العسكرية فى أداء المهمة القذرة، وهم الذين احتفى بهم المتظاهرون واحتضنوهم يوما ما، ولايزالون رغم كل شىء يحتفظون لهم برصيد من المودة والاحترام.
قال لى أحد الذين تعرضوا للضرب المبرح، هو بالمناسبة عضو فى هيئة التدريس بإحدى الجامعات، إنه حين تعرض للضرب والسب والإهانة ودفع به مع آخرين كانوا مكدسين وممددين فى «جراج» مبنى مجلس الوزراء، تصور أن أنصار الرئيس السابق استولوا على السلطة، وأن اللواء العادلى عاد إلى مكتبه وقرر أن ينتقم من الذين تسببوا فى فضحه والإطاحة به. ولفت نظرى قوله أن ذلك لو حدث لكانت صدمته أقل من تلك التى استشعرها حين أدرك أن ما تعرضوا له تم فى وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى خرج على المصريين فى البداية معلنا تأييده لمطالبهم المشروعة.
قبل ظهر أمس، أصدرت قيادة القوات المسلحة بيانا أعلن الاعتذار عما جرى للمتظاهرين فى الليلة السابقة، وهى خطوة إيجابية لكنها غير كافية، لأن ما حدث لم يهن المتظاهرين فقط، ولكنه شوه صورة القيادة العسكرية وأساء إساءة بالغة إلى صورة الجيش الذى انعقدت عليه آمال الوطنيين والشرفاء. لقد تمنيت أن يعلن القادة العسكريون أن المسئولين عما جرى سيحاسبون فى محاكمات علنية، وأن يؤكدوا للشعب المصرى أن تلك الأساليب القذرة التى كانت تستخدم قبل 25 يناير، لن تظهر بعدها مرة أخرى. وإذا لم يحدث ذلك، فإننا لن نستطيع أن نقاوم الشعور بالاستياء وخيبة الأمل ولا أن نستبعد ظنون البعض أن الثورة أصبحت معرضة للاختطاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات