الأقسام الرئيسية

.. والشعب باق باق

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم مجدى مهنا ١٤/ ٢/ ٢٠١١

«المصرى اليوم» تعيد نشر مجموعة من مقالات الراحل النبيل مجدى مهنا

هذه رسالة خاصة أتوجه بها إلى قارئى الكريم.. وهى تختلف عن كل الرسائل اليومية التى أكتبها له.. ليس فى موضوعها.. وإنما فى درجة الإحساس الذى أكتب به.

فلم أشعر بالإهانة والخوف على بلادى.. كما أشعر عليها اليوم، وأنا فى الغربة، ويتملكنى إحساس بأن مصر اليوم بلا حكومة.. وبلا دولة.. وبلا نظام.

والسبب فى هذا الشعور الذى يتملكنى ويكاد يعتصرنى هو الأحداث التى تمر بها بلادى هذه الأيام من فوضى الشائعات التى لا أول لها من آخر، والتى تكشف عن ضعف الإحساس بالمسؤولية لدى رجال نظام الحكم ومؤسساته، واستهتارهم بأمن الوطن والمواطن.

لقد ملأت الشائعات البلاد طولاً وعرضاً فى الأيام العشرة الماضية عن صحة الرئيس مبارك، قبل زيارته القرية الذكية يوم الخميس قبل الماضى.. ولم تتوقف الشائعات حتى بعد زيارة الرئيس لها، فالرأى العام يريد أن يرى الرئيس مبارك أمامه على شاشة التليفزيون على مدى الـ٢٤ ساعة فى اليوم، لكى يصدق أن الرئيس بصحة جيدة ويريد أن يتحدث الرئيس معه، حتى يطمئن إلى أن الصوت الذى يصاحب الصورة هو صوت الرئيس.

إلى هذه الدرجة بلغت درجة انعدام الثقة فيما تقوله الحكومة، وما تقوله السلطة ورجالها حول صحة الرئيس، أو حول ملف التوريث، أو حول إنجازات الحكومة أو حول أى شىء يجرى فى مصر.

من قبل كانت الشائعات تنطلق، ثم تموت بمجرد ظهور الرئيس مبارك، أو نشر خبر صغير عن قيام سيادته بافتتاح بعض المشروعات هنا أو هناك.

فى هذه الأيام تنتشر الشائعات والدولة بكل أجهزتها ورجالها عاجزة عن وقف شلال الشائعات.

الشائعات أقوى من تصريحات المسؤولين التى تحاول طمأنة الرأى العام دون جدوى، وأقوى من ظهور الرئيس مبارك بنفسه على شاشة التليفزيون، ومن إعلان اجتماعه برئيس الوزراء فى القرية الذكية.

الشائعات أقوى من الدولة، والدولة بلغت درجة من الضعف لم نعرفه من قبل.

لا أتحدث عن الضعف فى مواجهة الخصوم السياسيين، فهى فى ذلك قوية وباطشة ومستعدة لاعتقال عشرات الآلاف خلال أيام قليلة، فى سبيل أن يبقى النظام.

لكن الدولة ضعيفة ومهزوزة وغير قادرة على مواجهة الشائعات، لأن الناس فقدوا الثقة تماماً فى نظام الحكم، ومستعدون لتصديق أى شىء يقال لهم، لأن نظام الحكم لم يعمل حساباً للشعب فى أى وقت، والنظام عندما يتحدث اليوم عن الشعب ويتحدث باسمه، فالشعب لا يصدقه.

ما أتخوف منه هو المستقبل الغامض لبلادى، الذى أظهرت الشائعات أنه فى مهب الريح، ويفتح أبواب المجهول.

أعرف أن الشعب المصرى العظيم سوف يتجاوز كل ذلك، وسوف «يبلع» ـ كما هى عادته ـ هذه الفوضى فى جوفه، فالنظام سوف يختفى والشعب هو الذى سيبقى، وقلقى نابع من أن الشعب هو الذى يدفع الثمن دائماً.. وكل ذلك بسبب أن الرئيس مبارك لا يريد - وهو قادر - أن يرسم صورة واضحة لمستقبل الحكم فى مصر.

نجح نظام الحكم الحالى فى تحطيم إرادة المصريين وفى جعل الشعب يفقد الثقة تماماً فيما يقوله رجاله.. وهذا هو السبب فى فشل نظام الحكم فى السيطرة على تلك الشائعات وعجزه عن التصدى لها وإيقافها، فالناس وصلت بها درجة انعدام الثقة إلى أنها تتشكك فيما إذا كان الذى يظهر فى الصورة أمامهم هو الرئيس مبارك أم لا، وهل هذه الصورة حديثة وحية أم قديمة!

وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، فليس أمام نظام الحكم سوى انتظار لحظة النهاية، وهى اقتربت، بينما الشعب باق.. باق.

■ نشر هذا المقال فى ١/ ٩/ ٢٠٠٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer