الأقسام الرئيسية

شخرة دافنشى

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم د. مأمون فندى ٢٣/ ٢/ ٢٠١١

هذا المقال كتب قبل أحداث ٢٥ يناير بفترة لكنه لم ينشر، وأنشره هنا كما هو دون تغيير فى شىء.

ليس هناك خطأ فى العنوان أو تجاوز، كما أنه ليس مقالى وأنا منه براء، ولكنها ملاحظات أرسلها قارئ فطن لم يجد حظه على صفحات الصحف، وطلب منى أن أضمنها فى مقالى، فقررت أن أفعل رغم ما قد يكلفنى هذا من سوء الظن والقيل والقال. فالعنوان مراد به تفسير ما يحدث فى مصر المحروسة هذه الأيام من أمور تحتاج إلى فك شفراتها ورموزها. ظننت للوهلة الأولى أن صاحب الرسالة يحاول أن يبدو مستنيرا فاستعار لتعليقه عنوان الرواية العالمية الشهيرة للروائى الأمريكى دان براون والتى أصبحت فيما بعد فيلما سينمائيا أكثر شهرة، وهى رواية شفرة دافنشى (دافنشى كود)، والتى حلل فيها براون بشكل روائى ممتع، مشهد العشاء الأخير للسيد المسيح وتلامذته وفك رموز اللوحة من أجل أنسنة المسيحية، كما يرى. وللحق ذهب بى ظن السوء بالقارئ الذى أرسل لى الرد إلى أبعد من ذلك، فقد حسبته- كعادة الكثيرين- يردد عناوين سمع عنها ولم يقرأ كتبها، ولكن بعدما تأملت ما كتب، أدركت أن فى كتابته ترميزا وشفرات ذات أهداف أبعد ومقاصد أعمق، لا تقل أهمية عن الرواية الأصلية.

كتب صاحبنا: «لفت نظرى فى التصريحات التى أطلقها معرفش مين الكردى وشقيقه الهدهد، اللذين قادا حملة ترشيح جمال مبارك لرئاسة مصر فيما قبل العشاء الأخير، وما عليك إلا أن تفك الشفرة أو الكود السرى لتعرف من هى هذه الرموز»، فتوارد على خاطرى هدهد سليمان أو صلاح الدين الأيوبى البطل العظيم. ولكن المواطن العالم بالبواطن، قال: «أعلن الهدهد والكردى أن الأمن يضايق القائمين على الحملة التى تجوب مصر بطولها وبعرضها فى هذه الأيام المباركة، كما أن الأمن يعطل مؤتمرات الحملة من خلال إطفاء الأنوار فى قويسنا والكفور المجاورة، وأحيانا يستجوب نشطاء الحملة». ولما سألته: وما العيب فى ذلك؟ أليس كل المصريين يعانون من تجاوزات الأمن؟ أليست تلك شكوى عامة لا خاصة؟ ولم أقصد بـ«الحالة عامة» إشارة إلى فيلم عادل إمام الشهير، الموسوم بـ«النوم فى العسل». قال المواطن من الباطن: «إنه فى رمضان والناس بين يقظين ونيام، فى انتظار مدفع الإفطار، سمعوا تصريح معرفش مين الكردى عن مضايقات الأمن لجماعة الحملة، فانقطع الشخير المستمر، وما هى إلا لحظات حتى سمع أهالى بر مصر شخرة واحدة جماعية من الثمانين مليون نسمة ممن يقطنون بر مصر، شخرة واحدة أعظم بكثير من «شخرة» دافنشى ذاتها». قلت لصاحبى: إن ما تشير إليه اسمه «شفرة» دافنشى وليس «شخرة» دافنشى. فرد وهو قرفان: شخرة أو شفرة لا فرق، فما أقبح السوقية الجارية فى البلد مجرى النهر.

لم أدرك عن أى حملة يتحدث، فآخر الحملات التى أعرفها هى الحملة الفرنسية على مصر. قال: «يا أستاذ أنت تتكلم عن الحملة الفرنسية، ولكننا نتحدث عن الحملة الفرنساوى، وهناك فرق بين الفرنسية والفرنسى والفرنساوى، ومافيش داعى أكمل بكلام يفطر فى هذا الشهر الكريم، والعارف لا يعرف، وإنت راجل بتفهم ومتعلم فى الغرب». ساعتها أدركت أن الرجل لا يمزح، وإنما يقول قولا فيه من العمق ما يفطر أيضا.

منذ أكثر من عام مضى، كتبت مقالا بعنوان «الحضيض والصلب»، لم أتحدث فيه لا عن تجار الحضيض فى مصر ولا عن الصلب، ولكن هذا ما أصر المواطن العليم ببواطن الأمور على أن يركز عليه، فما يحدث فى مصر هذه الأيام هو من عالم الحضيض والصلب. بلغ حوارنا الحضيض فى السوقية والاستهتار بأمن البلد، فهناك ملامح لانتشار حالة من الفوضى «غير الخلاقة»، وساعة انفلات الأمور سيهرب أول من يهرب جماعة الحضيض ويبقى الصلب (بمعنى من سيبقى قد يصلب على جذوع النخيل). المسألة فيها ملامح عمل خارج المؤسسات وفيها خروج على الدستور والمؤسسات من خلال جمع التوقيعات لفلان وعلان، إنها حالة إتيان البلد ومنصب الرئاسة من الباب الخلفى، وربما هذا ما قصده المواطن من الباطن، بالفرنساوى فى الحملة الفرنساوى، أن تؤتى الأمور من أبوابها الخلفية.

إن ما يحدث من حالة انفلات لابد من أن يضبط قبل أن يرفع السلاح فى الوجوه، خصوصا فى انتخابات مجلس الشعب القادمة التى سوف تعانى، رغم تأكيدات الحزب الواحد الحاكم، من خلل كبير. قبل أن ينفلت العيار، يجب على كل عاقل محب لهذا البلد أن يقف ضد حالة الانفلات والفوضى القادمة، فمصر- ورغم كل ما ندعيه- تعانى اليوم من أزمة حكم حقيقية.

قال المواطن العليم ببواطن الأمور: إن مصر على شفا هاوية، كل ما تحتاجه أن تولع عربية عطلانة على كوبرى أكتوبر لحظة انطلاق مدفع الإفطار، وتولع العربات القديمة وتجد نفسك أمام حريق القاهرة الثانى. وسيكون أمراً لا ينفع فيه لا الكردى ولا الهدهد، حتى لو كان الكردى هو صلاح الدين بعينه ولو كان الهدهد هو هدهد سليمان، ساعتها ستسمع صوتا أقبح وأعلى وربما أعمق من «شخرة» دافنشى، ولكنها شخرة الفوضى الهدامة هذه المرة، ولا تقارن بأى حال بالشخرة الأولى التى سمعها الناس يوم الحملة. وانتهى كلام المواطن، وما على الرسول إلا البلاغ.

ملحوظة: محاولات أحمد شفيق، الذى عيَّنه الرئيس السابق، للالتفاف على الثورة تحتاج إلى شخرة عارمة أعلى من شخرة دافنشى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer