الأربعاء، 16 فبراير 2011 - 10:10
علاء اعتدى على جمال بالضرب وسوزان تعرضت للإغماء مرتين ومبارك صرخ: «ضيعتوا شرفى العسكرى»
عزمى قال لمبارك: «كتفى بكتفك فى الخروج يا ريس».. والفقى سأله: «تعليماتى منك ولا من الجيش» فرد عليه: «مازلت الرئيس»
الفقى وجمال رفضا فكرة التنحى ليلة الخميس ووضعا الخطوط العريضة لمسؤول كبير فى التليفزيون كتب الخطاب البديل
الجيش رفض اقتراحا بنزول الأمن المركزى تحت حمايته لمواجهة الحشود الثائرة
كان خطاب عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية فى النظام السابق نحو الخامسة والنصف من مساء الجمعة 11 فبراير، بتنحى الرئيس محمد حسنى مبارك عن رئاسة مصر، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد- هو اللحظة الختامية فى مغادرة مبارك وعائلته لقصر العروبة، لكن الساعات التى سبقت هذا الخطاب، حملت أسرارا كثيرة، شملت مشاجرات واختلافات وتشنجات من الدائرة التى أحاطت بالرئيس مبارك، بدءا من جمال وعلاء وسوزان، مرورا بشخصيات مثل الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وأنس الفقى وزير الإعلام.
كانت القوات المسلحة على الضفة الأخرى من هذه الأجواء، تتابع التفاصيل أولا بأول، تترقب ما سوف تسفر عنه تفاصيل «قصر العروبة» الأخيرة، وعينها فى نفس الوقت على الحالة العامة فى البلاد داخليا وخارجيا، والتقطت إشارات هامة، تمثلت فى النداءات التى خرجت بتوجه الثورة إلى القصر الجمهورى، وكيفية التعامل معها، وكذلك المظاهرات الفئوية التى اندلعت فى محافظات مصر والقطاعات الخدمية فى الدولة من وزارات وهيئات، منذ الأربعاء السابق على تنحى مبارك، وكانت هذه المظاهرات بالتحديد هى الإشارة الأهم فى مسيرة الثورة كلها والتى أكدت للقوات المسلحة أنه لا عودة إلى الوراء فى مسيرة الثورة التى لم تقتصر فقط على مطالب سياسية، وإنما امتدت إلى مطالب فئوية، وهى المطالب التى وجد النظام نفسه فى مفترق طرق، أشار إليه عمر سليمان بطريقة ما فى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية يوم الثلاثاء السابق على تنحى مبارك بقوله، إن الأزمة أدت إلى نقص كبير فى موارد الدولة، فالدولة اضطرت إلى تأجيل تحصيل الضرائب والعديد من الموارد التى كانت تدخل خزينة الدولة يوميا، وضرب مثلا بأن مليون سائح غادروا مصر فى 9 أيام كانوا يدفعون مليار دولار شهريا.
الأجواء السابقة لم تكن بمعزل عن الاتصالات الخارجية مع دول بعينها تابعت مشهد ثورة 25 يناير أولا بأول، مثل إسرائيل وأمريكا ودول عربية، هى بالتحديد الإمارات العربية المتحدة التى أرسلت وزير خارجيتها عبدالله بن زايد إلى مصر يوم الأربعاء 9 يناير، واجتمع مع مبارك وعاد إلى بلاده بعد أن مر على قطر، والتقى أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثان وأطلعه على تفاصيل اجتماعه بمبارك، وكذلك اتصالات حدثت بين مبارك ونائب الكنيست الإسرائيلى بنيامين بن أليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلى السابق، وأحد أبرز الإسرائيليين الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع مبارك، ويدخل أيضا فى مشهد اللحظات الأخيرة الاتصالات التى أجراها مدير المخابرات الأمريكية جيمس كلاير بمصر يوم الخميس 10 فبراير.
دراما خطاب الخميس
كانت الساعات التى سبقت خطاب مبارك يوم الخميس، هى بالتحديد دراما الرحيل، لكنها كانت معلقة على أمل بسيط من الرئيس شخصيا، وعدد من المحيطين به، أولهم ابنه جمال، وأنس الفقى، ووفقا لمعلومات حصلت عليها «اليوم السابع»، دارت هذه الساعات فى صراع بين أجنحة الحكم، ووفقا لهذه المعلومات فإن الخطاب الذى كان من المقرر أن يلقيه مبارك فى هذا اليوم، كان هو خطاب التنحى، وتسربت أخبار عن ذلك إلى دوائر معينة فى النظام، دفعت بعض المسؤولين إلى القول صراحة بأن مبارك سيتنحى، وأنه سيعلن ذلك بعد ساعات، وأعطى البعض الآخر ومنهم الدكتور حسام بدراوى الأمين العام للحزب الوطنى، إشارات سارت فى نفس الاتجاه، حيث قال بدراوى إنه على الرئيس مبارك أن يستجيب لمطالب الشعب، وكانت خطوة التنحى هى فى الحقيقة مطالب الشعب، وسبق فى ذلك تصريحات نسبت إلى الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء بأن الرئيس مبارك قد يقدم على خطوة التنحى، كما وضع الكل أمامه اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى نقلته شاشات التليفزيون دون أن يحضره مبارك بوصفه الرئيس الأعلى للقوات المسلحة، والتقط الكل هذا الاجتماع والذى أصدر بيانه الأول، على نحو أنه يأتى قبل خطاب التنحى، وأن هذا الاجتماع هو المنوط به إدارة البلاد، لكن سرعان ما نقلت وكالات الأنباء تصريحات وضعت كل التوقعات الخاصة بـ«التنحى» فى المربع صفر، ومنها بالتحديد تصريحات أحمد شفيق الذى أشار فيها إلى أن الرئيس مبارك مازال هو الرئيس، ونفى أيضا توقع التنحى، كما أكد أنس الفقى نفس المعنى.
تسريبات شفيق والفقى جاءت بمثابة التهيئة لاستبعاد سيناريو التنحى، لكنها فى نفس الوقت جاءت انعكاسا لأسرار، دارت قبل «خطاب الخميس» وتواصلت حتى لحظة إذاعته، ووفقا لمعلومات حصلت عليها «اليوم السابع»، فإن جمال مبارك وأنس الفقى، رفضا أن يكون الخطاب هو خطاب التنحى، وصمما على هذا الموقف، وكان سندهما فى ذلك، أن الخطاب يكفى أن يشمل على التركيز على التعديلات الدستورية، وعلى إجراء التحقيقات الخاصة بما حدث من إطلاق نار وبلطجة، أدت إلى سقوط شهداء الثورة، وكذلك على نظر محكمة النقض لصحة عضوية نواب البرلمان، وأخيرا الإعلان عن تفويض عمر سليمان فى مهام رئيس الجمهورية لمتابعة كل هذه التفاصيل، وقام الفقى وجمال بالإشراف على الخطاب وما جاء فيه، وصمما على أن يسير الخطاب وفقا لنهج التأكيد على أن الرئيس مازال ممسكا بسلطاته، وحرصا على مراجعة الكلمات الدالة على ذلك، ومنها تعبيرات «سأتابع بنفسى» وغيرها، ووضع الاثنان، جمال والفقى، مسألة التفويض لعمر سليمان فى الجزء الأخير من الخطاب الذى كتبه وفقا لمصادر لـ«اليوم السابع»، مسؤول كبير فى جهاز التليفزيون، بعد أن حدد جمال والفقى خطوطه العريضة، وتوصلا فيه إلى إثارة نقطة جديدة، وهى التركيز على أن الرئيس لن يخضع للإملاءات الخارجية فى ترك الحكم، وجاء الحماس لهذه النقطة تحديدا ربما تنقل الجماهير الثائرة إلى موجة أخرى، وهى رفض التدخل الخارجى فى شؤون مصر، وهى الفزاعة التى استخدمها النظام كثيرا ضمن وسائل تثبيت أركانه.
رفض علاء
تصور جمال مبارك وأنس الفقى، والذى كان يتم التشاور بشأنه بينهما، بعيدا فى بعض الأحيان عن مبارك شخصيا، رفضه جملة وتفصيلا علاء مبارك الذى صمم أن يعرف كل شىء بشأن التفاصيل الخاصة بوالده، وبدا فى هذه اللحظات التى تمر على كل العائلة، أنه ليس مهموما بتفاصيل السلطة ودروبها، بقدر ما كان مهموما بمصير مبارك الأب خاصة فى هذه السن، وكانت الرؤيتان لجمال وعلاء على طرفى النقيض تماما، فالأول يبحث عن بصيص أمل فى البقاء فى السلطة، والثانى يبحث عن ترك الجمل بما حمل، ولما علم علاء بما استقر عليه شقيقه جمال وأنس الفقى، انتفض غاضبا ووجه الشتائم لجمال واتهمه بأنه هو السبب فى كل ما جرى، وتطور الأمر إلى الاعتداء عليه بالضرب، مصمما على أن يكون خطاب والده هو خطاب التنحى لإنهاء الأمر.
وفى الوقت الذى كانت فيه سيدتا العائلة ممثلتين فى خديجة الجمال زوجة جمال، وهايدى راسخ زوجة علاء مبارك، بعيدتين عن تفاصيل هذا المشهد وما يدور فيه، لكنهما فى نفس الوقت تتابعان على القنوات الفضائية ما يجرى، فى ظل هذه الأجواء، كانت السيدة سوزان مبارك قريبة من هذه التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بالخلاف المحتدم بين ولديها الوحيدين، ومع شدة الخلاف تعرضت للإغماء مرتين، لكنها أحجمت عن ترجيح الوجهة التى يجب أن يشملها خطاب «الخميس»، وكان ذلك إشارة بالموافقة الضمنية لرؤية جمال والفقى.
كانت هذا الأجواء العصيبة تسير وفقا لما يمكن تسميته بـ«إدارة الأزمة» فى القصر الرئاسى ساعة بساعة، كما تسير وفقا لـ«الفعل ورد الفعل»، ويغلفها شحنات إنسانية مؤثرة، لا يعرف حضورها إلى أين تحملهم المقادير، وإلى أى نهايات مكتوبة لهم سيرونها بعد ساعات أو بعد أيام، كان جمال يستدعى بعضا من ميراثه القصير فى العمل السياسى، واضعا فيه رهانه الأخير، وكان علاء يتصرف على نحو أنه الابن الذى يحمل مشاعر إنسانية فياضة نحو والده، داعيا أن تنزاح هذه الغمة عن العائلة، وفى هذه الأجواء وعلى وقع الخلاف المحتدم بين جمال وعلاء، صرخ مبارك فى وجه الجميع: «كفاية.. كفاية.. إنتم ضيعتوا شرفى العسكرى».
كانت صرخة مبارك زلزالا فى وجه كل الأطراف التى تبحث عن مخرج، وتتناقض فيما بينها، لكنها تشعر أنها أمام عرش يتهاوى قبل أن تنسدل الستائر عليه نهائيا، ووضعت هذه الصرخة حدا لمشاجرة جمال وعلاء، لكنها فى نفس الوقت كانت هى المعبر إلى ترجيح كفة رؤية جمال والفقى على رؤية علاء.
زكريا عزمى
لم يكن الدكتور زكريا عزمى رجل القصر القوى حتى يوم 25 يناير، بعيدا عن هذه التفاصيل، وفى الوقت الذى بدا فيه أنه كان مشغولا بترتيبات ما بعد الرحيل، لأنه الأكثر استشعارا بالوضع من بين الحاضرين فى هذه اللحظات العصيبة، كانت كلمته لمبارك: «كتفى بكتفك فى الخروج يا ريس»، ولم يفوّت أنس الفقى الفرصة خارج الحديث عن الخطاب فسأل الرئيس مبارك: «أنا هآخد معلوماتى من مين ياريس.. منك ولا من الجيش» فرد عليه مبارك: «منى.. أنا مازلت الرئيس».
انتقلت خطة جمال والفقى فى خطاب الخميس إلى حيز التنفيذ العملى، وتم تسجيل الخطاب وفقا لاقتراحات من أنس الفقى فى قراءته تتم على نحو أن يقرأ مبارك خطابه من جهاز «الأوتوكيو» حتى لا يبدو منكسرا أمام الجماهير، لكن مبارك لم يكن مستريحا لهذا الأمر، مما اضطر الفنيون أن يسجلوا الخطاب بزاوية ثابتة للكاميرا، كان اقتراح الفقى «الفنى» هو نوع من اقتراحات الوقت الضائع، فالثائرون لم يكونوا ينتظرون كيف سيكون شكل رئيسهم الذى ثاروا ضده، ولم تكن وسائل علم الاتصال بالجماهير التى لا يفقه فيها الفقى شيئا هى الحاكمة فى هذا المشهد كله، كانت الجماهير تنتظر المضمون الذى سيقوله مبارك وهو «التنحى»، ولما استمعوا إلى ما قاله انفجرت الشعارات من جديد: «يسقط.. يسقط.. حسنى مبارك»، ولم يلتفت أحد إلى خطاب عمر سليمان الذى كان معدا هو الآخر لإذاعته.
كان الخطاب مفاجئا للجميع محليا ودوليا، ولم ينفع «كود» التدخل الخارجى، فى اقناع الجماهير الثائرة، وخرجت الجماهير متوجهة إلى القصر الرئاسى، وكان هذا بالتحديد نقطة تحول جديدة، تمثلت فى دور القوات المسلحة، ووفقا لمعلومات حصلت عليها «اليوم السابع»، صممت قيادة القوات المسلحة على التمسك بموقفها بعدم التعرض لهذه المظاهرات الزاحفة، ورفضت أيضا اقتراحا بنزول الأمن المركزى فى حمايتها لمواجهة هدير الثورة، وكان هذا المنحى هو بمثابة الحماية الأكبر للثورة ومكاسبها، و تزامن مع ذلك إعلان الدكتور حسام بدراوى عن استقالته كأمين عام للحزب الوطنى، لأن الخطاب جاء مخالفا للمعلومات التى كانت بحوزته والتى عبر عنها بقوله أنه ينتظر أن يستجيب الرئيس مبارك لمطالب الشعب.
كانت التفاعلات الدولية تراقب ما يحدث قبل ساعات من خطاب الخميس وبعده أيضا، فمن أمريكا كان رئيس المخابرات الأمريكية على الخط، ومن خلال اتصالاته رجح فى تصريح له أن يقوم مبارك بالتنحى، وفقا لمعلومات رجحتها له السفيرة الأمريكية، ولم تقطع السفيرة بهذا الاختيار خوفا من حدوث تحولات مفاجئة وهو ما حدث بالفعل.
كان يوم خطاب التنحى الذى ألقاه عمر سليمان، هو ختام تراجيديا السقوط، حيث تيقن مبارك أنه أصبح وحيدا، كما أشار بذلك إلى صديقه النائب الإسرائيلى بنيامين بن أليعاذر فى اتصال تليفونى بينهما كان هو الأخير، بعد أن تعددت مثل هذا الاتصالات بينهما أثناء مسيرة الثورة، والمثير أن هذه الاتصالات كانت تتم مع بن أليعاذر فى الوقت الذى أقلع فيه المقيمون فى الرئاسة عن الاتصالات بينهم عبر تليفونات الرئاسة، واضطروا إلى استخدام موبايل سليمان عواد المتحدث الرسمى باسم الرئاسة.
حسم التنحى
لم تكن هناك فرصة أخرى أو اختيار آخر، ووفقا لمعلومات تم حسم قرار التنحى مساء الخميس، بعد المظاهرات التى زحفت إلى قصر العروبة، لكن القرار تم تأجيله إلى يوم الجمعة للنظر واقعيا إلى حجم المظاهرات المتوقعة فى هذا اليوم، ومع صبيحته انتهى الأمر تماما بين أطراف القصر، ورفض مبارك تسجيل خطاب التنحى، وأحال الأمر إلى عمر سليمان، وبالرغم من أن القرار تم اتخاذه مبكرا، إلا أنه تم الاستقرار على إذاعته بعد أن يكون مبارك والعائلة حطوا فى شرم الشيخ، وقبل الرحيل كانت حرائق كبيرة تشب فى أوراق فى القصر، لا يعرف أحد مدى طبيعتها، وما تحتويه من أسرار، وما إذا كانت خاصة بالعائلة أو بأمور سياسية سارت عليها الدولة طوال ثلاثين عاما مضت من عمر مصر.
خرجت العائلة قبل انتهاء صلاة الجمعة بقليل من قصر العروبة على طائرتى هليوكوبتر، الأولى عليها الرئيس وسكرتيره الخاص، والثانية تحمل حراسه ومرافقيه، بحراسة 4 أفراد من القوات الخاصة، وفور أن حطت الطائرة فى مطار شرم الشيخ، نقلت سيارة مرسيدس مبارك إلى مقر إقامته فى حراسة الحرس الجمهورى والقوات المسلحة، ذهب مبارك إلى مكانه المفضل، لكن الجديد هذه المرة، أنه لن يجد فى شرم الشيخ صديقه المفضل رجل الأعمال حسين سالم، الذى شيد له استراحته فى المنتجع العالمى، وهرب إلى فرنسا فور اندلاع الثورة، تاركا وراءه عشرات الأسئلة حول أصل ثروته ومن يشاركه فيها.
كانت هناك طائرة أخرى بعد طائرة الرئيس عليها علاء مبارك وزوجته وابنه عمر، بالإضافة إلى خديجة الجمال زوجة جمال وفريدة ابنتهما، وبعدها بساعات سافرت سوزان مبارك على طائرة خاصة، ليأتى السؤال: هل التأم شمل العائلة فى شرم الشيخ بالفعل إلى ما لا نهاية، أم أن هناك مكانا آخر سيلم الجميع؟، فجمال وعلاء يحملان الجنسية البريطانية، ولم تشمل رحلة الخروج عائلة الرئيس فقط، وإنما هناك من يقول إنها شملت بعض عائلة الجمال التى تنتسب إليها خديجة الجمال، زوجة جمال مبارك.
توتة توتا خلصت الحدوتة
ردحذف