فرانس 24: الرئيس حسني مبارك، في ثاني خطاب له، مساء الثلاثاء، شدّد على أنه باق في الحكم حتى نهاية عهدته في سبتمبر/أيلول المقبل، مؤكدا أنه لن يترشح لولاية جديدة وأن انتقال السلطة سيتم سلميا، معلنا تدابير قانونية أبرزها فتح أبواب الترشح للانتخابات الرئاسية - من خلال تعديل للدستور - أمام المعارضة. خطابه لم يكن مطابقا لرغبة المتظاهرين، المطالبين برحيله، لكن هل كان أحد يتوقع أن يعلن مبارك مغادرته السلطة. هل هذا أمر وارد و هل هو معقول؟
زياد ماجد: أخطأ الذين توقعوا سقوط الرئيس حسني مبارك بسرعة لأنهم استخفوا في تماسك بعض مؤسسات النظام المصري وقوتها القمعية، وثمة فوارق عديدة بين مبارك والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. والحقيقة أن مبارك لا يريد التراجع - وهذا ما أكده ضمنيا في خطابه الثلاثاء - ولا بخروج على طريقة بن علي، فهو ذكّر بأنه عسكري ضحى من أجل مصر، وأنه سيموت فوق أرض مصر. وهو يريد أن يشرف على عملية التحول والإصلاحات التي اضطر تحت ضغط الشارع للقبول بها، كي يحكم عليه التاريخ كما قال. وقال إن سيقبل بأي تعديل للدستور لإعادة النظر في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية - ويذكر أن إغلاق باب الترشحات في وجه المعارضين كان يخص بالدرجة الأولى محمد البرادعي وعمرو موسى وأحمد الزويل [صاحب جائزة نوبل للكيمياء عام 1999.
أما بخصوص الشق الثاني من السؤال، فإنه بالطبع من غير المعقول أن يستقيل مبارك من منصبه من تلقاء نفسه، ولن يفعل ذلك إلا تحت الضغط، علماً أنه يراهن أن تكون الضغوط عليه محدودة نظراً لموقع مصر الاستراتيجي في المنطقة ولاتفاق السلام بينها وبين اسرائيل
بحسب تسريبات نشرتها صحيفة "نيو يورك تايمز" الأمريكية الثلاثاء، الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد يكون طلب من حسني مبارك التنحي فورا والبدء في تنظيم عملية انتقال السلطة "الآن". ما الذي تريده الإدارة الأمريكية؟ وهل لديها مرشحا لخلافة مبارك؟
الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية بدت مرتبكة تماما من الأحداث في مصر، ولم تظهر على موقف حازم متماسك منذ البداية، فهي أكدت في البداية حرصها على الاستقرار، ثم على احترام حقوق الإنسان والحريات الشخصية ثم دعت للحوار قبل أن تطالب بضرورة انتقال السلطة سلميا في أسرع وقت
الواضح أن الأطراف الأمريكية والأوروبية تفضل وتدعم سيناريو يقضي بالدخول في مرحلة انتقالية يشرف من خلالها نائب الرئيس المصري عمر سليمان لكي تسير الأمور بشكل هادئ وتفاديا لأي تفاقم في أوضاع مصر الداخلية، وهم يراهنون على قوة الجيش، الذي يشكل العمود الفقري للنظام المصري، في الحفاظ على موازن القوى داخل هذا النظام والحفاظ على الأمن وعلى تحالفات مصر الخارجية، وهي أكثر ما يعنيهم. ما يريد الجميع تفاديه في الأصل هو وصول حركة "الإخوان المسلمين"
الى السلطة، مع الإشارة إلى أن الحركة ليست الحزب الأقوى في مصر ولكنها من دون شك الأكثر تماسكا وانسجاما وتنظيما.
تساءل الشارع المصري كما العواصم العربية والغربية عن حال العلاقات بين مبارك والجيش بعد اندلاع الانتفاضة ضد النظام، خاصة أن الجنود تعاطفوا مع المتظاهرين. في ضوء خطاب مبارك وطلب المؤسسة العسكرية اليوم الأربعاء من المحتجين "العودة إلى ديارهم"، كيف يبدو لك الوضع داخل النظام المصري؟
منذ بدء الاحتجاجات في شوارع المدن المصرية الكبرى [في 25 يناير/كانون الأول الماضي]، لم تبد قيادات الجيش أي تمرد على الرئيس مبارك رغم تعاملها الإيجابي مع المتظاهرين. إلا أن الجيش استغل فرصة اندلاع الاحتجاجات وتصاعد المطالب بتنحي مبارك لكي يؤكد للأخير ضرورة إدخال تغييرات جوهرية في سياساته والتراجع عن نيته توريث نجله جمال في الحكم.
فالنسبة إلى الجيش، توريث جمال مبارك كان استفزازا، وهذا ما أدخل توترات في العلاقة المتينة بين الرئيس والمؤسسة العسكرية. والجيش هو على الأرجح راض لإزاحة الشارع المصري، الذي أصبح يضبط السياسة الداخلية أكثر من النظام، لقضية التوريث، ما جعله يدعم انتقال السلطة بطريقة سلمية من خلال مرحلة انتقالية ربما تتشكل فيها حكومة موقتة لتصريف الأمور حتى تنظيم الانتخابات الرئاسية.
والجيش يريد أن يكون من سيخلف مبارك طرف من داخله أو حتى رجل سياسي من خارجه ولكن يحظى بثقة المؤسسة. فهو ينظر إلى دوره على أساس الطريقة التركية، ذلك ما سيتيح له أن يؤدي الدور الرئيسي من دون أن يكون طرفا مباشرا في ممارسة السلطة. وهي رسالة يريد إيصالها للمجتمع الدولي لأجل طمأنته على استقرار مصر. وكان الجيش يدرك تماما أن صدامه مع الشعب سيؤثر في دوره السياسي لاحقا بل وأكثر وأخطر من ذلك، في وحدته، فعمل وحرص على تجنب أسلوب المواجهة والعنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات