طوال السنوات الماضية حين كان يذكر السيد أحمد أبوالغيط بما لا يحبه ولا يشرفه فى أى عاصمة عربية، كنت أقول إنه ليس وزير خارجية مصر، ولكنه وزير خارجية مبارك ونظامه. ولم أكن وحدى فى ذلك، لأننى سمعت من كثيرين من المثقفين المصريين الذين يدعون إلى المنتديات والفاعليات العربية قولهم إنهم أصبحوا يشعرون بالخجل حينما كان يذكر اسم السيد أبوالغيط فى أى محفل عربى مقرونا بمواقفه وتصريحاته، خصوصا ما تعلق منها بالفلسطينيين وبالصراع العربى ــ الإسرائيلى أو بالعلاقات مع سوريا والأوضاع فى لبنان. كانوا يذكرون له كراهيته للفلسطينيين وتطاوله واستئساده على العرب الذين يختلفون مع السياسة المصرية، وتصاغره وانكساره أمام الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين بطبيعة الحال.
أذكر أننا دعينا إلى عشاء فى بيت أحد الأصدقاء بالرباط، ولأننا كنا ضيفى الحفل، الدكتور عبدالوهاب المسيرى وأنا، فإن صاحب البيت وجه الدعوة إلى السفير المصرى آنذاك. وأثناء الحوار الذى دار قبل العشاء تطرق الحديث إلى تصريحات وزير الخارجية المصرى ومواقف الرئيس السابق، فقال أحد المدعوين المغاربة ــ وهو أستاذ مرموق للفلسفة ــ إنه مندهش من أن يكون السيد أبوالغيط وزيرا لخارجية مصر، لأن ما يصدر منه يعد عارا على البلد، لا يليق بمكانتها.
لم يكن صاحبنا يعلم أن السفير المصرى بين المدعوين، فأخذ راحته فى الكلام ووصف الرئيس السابق بأوصاف لاذعة. وحين حاول السفير أن يشرح له أوضاع حرية التعبير فى مصر، وكيف أن ثمة اجتهادات متباينة بين المثقفين المصريين. فبعضهم يؤيد كلام أبوالغىط (يقصد الصحف القومية) والبعض الآخر يعارضه، فما كان من صاحبنا إلا أن شدد على ما قاله. وأضاف إلى انتقاداته اللاذعة والقاسية أوصافا أخرى. ولم تفلح محاولاتنا تهدئته أو تنبيهه إلى الحرج الذى وضع فيه السفير المصرى. وإزاء ذلك لم يجد السفير بدا من الانسحاب، فنهض معتذرا بأن لديه ارتباطا آخر، وانصرف. ولم يهدأ للرجل بال إلا حين قلنا له إن السيد أبوالغيط لا يمثل شيئا فى مصر، ولكنه يمثل الرئيس (السابق) ونظامه فقط.
لا أعرف وزيرا للخارجية فى التاريخ المصرى المعاصر حظى بتلك الدرجة من الرفض والمقت التى تلاحق اسم السيد أبوالغيط وسيرته. حتى إن إحدى الصحفيات الفلسطينيات اتصلت بى من الضفة بعد الثورة فى مكالمة لا أشك فى أنها مسجلة، وقالت إنه بعد رحيل السيد مبارك فإنها لم تعد تتمنى من الله فى حياتها إلا أن يختفى اسم وزير خارجيته من الحكومة المصرية، مضيفة أنها أصبحت تشعر بالاكتئاب وضيق التنفس كلما رأت صورته أو سمعت باسمه!
لقد كانت الخارجية المصرية أحد معاقل الوطنية التى جسدت مسئولية البلد الكبير وكبرياءه، لكنها صغرت حين صغرت مصر، وأصبحت ملفات السياسة الخارجية ملحقة بمكتب رئيس الجمهورية، كما أصبح وزير الخارجية ظلا لرئيس المخابرات العامة، ولم يقصر السيد أبوالغيط فى تقديم الصورة المشوهة والبائسة لعصر مبارك. وحين قامت ثورة 25 يناير ظننا أنه سيبعد عن منصبه فى سياق حملة إزالة آثار العدوان على كرامة مصر وشعبها الذى قامت الثورة لصده والخلاص منه. لكننا صدمنا حين وجدنا أن وزير خارجية مصر المنكسرة والمهزومة سياسيا وحضاريا، هو ذاته وزير خارجية مصر التى ثارت لكرامتها واستعادت حلمها المجهض. تماما كما أننا وجدنا أن المسئولين عن الأبواق الإعلامية التى هللت لعصر الانكسار هم أنفسهم الذين تقدموا الصفوف ومارسوا التهليل للثوار. وهو ما يثير قدرا لا يستهان به من الحيرة والبلبلة.
سألت عن سبب استبقاء السيد أبوالغيط فقيل لى إنه ربما قصد به طمأنة الأمريكيين والإسرائيليين فى الظروف الراهنة التى لم تستقر فيها الأوضاع بعد. كما قيل لى إن ثمة معونات مالية كبيرة جاهزة للإرسال إلى مصر، وإذا تم تغيير وزير الخارجية فى الوقت الحالى فقد يؤدى ذلك إلى تعثر وصول المعونات. وحين سمعت هذا الكلام قلت إنهم وضعوا فى الحسبان الأصداء لدى الأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين، لكنهم تجاهلوا صدى هذه الخطوة وصدمتها لدى الوطنيين فى مصر أو فى أرجاء العالم العربى، الأمر الذى يعنى ان ثمة خللا فى قواعد المشهد السياسى يحتاج إلى تصويب، نرجو ألا يطول انتظارنا له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات