"مبارك اتصل ببن علي وطلب منه أرقام تلفونات الملك عبد الله بن عبد العزيز الجديدة" أو "بن علي اتصل بمبارك ورجاه أن يلتحق به في جدة لأنه يشعر بالملل والوحدة هناك" أو "وأخيرا سيتم إحياء المحور السعودي المصري السوري، بعد سنوات من الجفاء؛ لكن هذه المرة بإضافة تونس وذلك بعد أن يلتحق مبارك وبشار بالرئيس التونسي المخلوع في جدة". هذه عينة صغيرة من التعليقات المنشورة على صفحات موقع فيسبوك الاجتماعي.
وبالطبع لا يحتاج المرء إلى كثير من العناء ليفهم مغزى هذه التعليقات وغيرها مما يشاع في العالم العربي في هذه الأيام. فالمظاهرات التي تشهدها العاصمة الأردنية عمان منذ سقوط نظام بن علي لا تقتصر شعاراتها على المطالبة بإسقاط حكومة سمير الرفاعي (رئيس الوزراء الأردني) بل تطالب برحيل الرئيس المصري حسني مبارك أيضا. فالمتظاهرون الأردنيون رددوا الشعارات التي يرفعها شباب مصر كـ"يا مبارك يا مبارك الطيارة بانتظارك"، أو "يا بن علي بنناديك حسني مبارك جاييك"، في إشارة إلى هرب الرئيس التونسي إلى جدة.
"العدوى التونسية تنتقل إلى مصر العظيمة"
أصبحت الثورة التونسية ملهما للشعوب العربيةوكما تجمع مئات من المحتجين المصريين أمام السفارة التونسية، عشية هرب بن علي إلى السعودية قبل أسبوعين، للتضامن مع "الشعب التونسي"، فإن التضامن مع الاحتجاجات المصرية شمل معظم الدول العربية. ولعل أبرز مثال كان في العاصمة الأردنية حين رفع المتظاهرون لافتة كتب عليها "الشعب المصري بنحييك وكل الأمة بتناديك. يا مصري نحيي رجالك خلصنا من حسني مبارك". كما أصدر مثقفون وناشطون سوريون بيانا للتضامن مع الشعبين التونسي والمصري بعنوان "تحية من مثقفين سوريين إلى الثورة التونسية والانتفاضة المصرية".
فالشعوب العربية "اهتدت إلى طريق الحرية"، حسب بيان المثقفين السوريين الذين شددوا على أن كل محاولات الأنظمة العربية لم تحل دون انتقال "عدوى المثال التونسي" إلى العالم العربي، وخصوصا إلى "مصر العظيمة". فالسلطة الحاكمة في مصر كان تشيع بأنها "بعيدة ومحصنة من العدوى التونسية"، حسب كلام إبراهيم نوار، المتحدث الرسمي باسم حزب الجبهة الديمقراطية المصري المعارض. ويضيف نوار، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "على النظام المصري أن يعرف بأن الشعب المصري، الذي يعاني، منذ وقت طويل، ليس محصنا من عدوى انتشار الثورة؛ وهو ما حدث اعتبارا من يوم الثلاثاء 25 يناير، يوم الغضب".
"المارد العربي خرج ولن يعود إلى القمقم"
Bildunterschrift: تتواصل الاحتجاجات في العاصمة الأردنية مطالبة برحيل حكومة سمير الرفاعيفالثورة التونسية ويوم "الغضب المصري" والاحتجاجات التي عمت الأردن واليمن، وقبلهما الجزائر، "أثبتت أن لدى قوى التغيير في العالم العربي، وخصوصا الشباب، مخزونا كافيا من الغضب لإيقاظ هذا المارد. والمارد المصري الذي استيقظ مساء 25 يناير لن يعود إلى القمقم حتى تنجح عملية التغيير والانتقال إلى مجتمع ديمقراطي تسوده قيم العدالة"، والكلام للناشط والسياسي المصري المعارض إبراهيم نوار. ويرى نوار بأن رياح التغيير التي عصفت بتونس "ووجدت طريقها إلى مصر "ستنتقل إلى بقية الدول العربية، لأن القوى الشبابية العربية ترى بوادر أمل في تحقيق الثورة بوسائل أخرى تختلف عما اتبع في الماضي".
وبدوره يؤكد المفكر والباحث التونسي خالد شوكات، على "هذه الوسائل" في المثال التونسي. فالثورة الشعبية في تونس أخذت في البداية "طابعا اجتماعيا؛ بمعنى أنها رفعت مطالب معيشية من قبل شرائح ذات ثقافة ومستوى تعليمي عاليين، لكنها سرعان ما تطورت إلى ثورة سياسية". ويضيف شوكات، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "التحاق قوى المجتمع المدني وبعض القوى السياسية والفكرية بالمنتفضين في سيدي بوزيد أدى إلى انتشار الاحتجاجات في معظم أرجاء البلاد وتحويلها (الاحتجاجات) إلى ثورة شعبية تطيح بنظام سياسي كان يضرب به المثل في القوة والعنجهية".
2011 : المقابل العربي لعام 1989 الأوروبي
يقول بوخن "إن الشعوب العربية قررت أخذ زمام الأمور بيدها"
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه الشباب التونسي من خلال ثورته هذه فإن شوكات يرى بأن مآل احتجاجات تونس "فاجأ كل النخب السياسية والفكرية والثقافية في البلاد؛ فحتى المعارضة الأكثر راديكالية لم تكن تفكر في هذا السيناريو، أي احتمال اندلاع ثورة شعبية عارمة". لكن هذا لا يعني، برأيه، أن هذه "المفاجأة التونسية" تدفعنا إلى القول بأن "عام ألفين وأحد عشر هو المقابل العربي لعام 1989 الأوروبي"، حين شهدت أوروبا الشرقية سقوط الأنظمة الشيوعية.
فمشكلة العالم العربي، حسب شوكات، أن "مستواه الاقتصادي والاجتماعي لا يتشابه تماما مع ما كانت عليه أوروبا الشرقية عام 1989. كما أن هناك تفاوتا بين المجتمعات العربية المختلفة، لكن هذا لا يعني أن الثورة التونسية لن تؤثر في العالم العربي". إلا أن الصحافي والمحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن يبدو أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بانتقال "العدوى التونسية وسقوط أنظمة عربية أخرى هذا العام". ويضيف بوخن في حوار مع دويتشه فيله، بأنه لا يستبعد "أن تحذو اليمن والأردن والجزائر، بعد مصر، حذو المثال التونسي. فالأنظمة العربية المتواطئة مع الغرب هي المعرضة للسقوط أكثر من غيرها. والشعوب العربية قررت أن تأخذ زمام الأمور بيدها".
أحمد حسو
مراجعة: طارق أنكاي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات