إقرأ أيضا |
بعد الهجومين على كنيستي سيدة النجاة العراقية والقديسين المصرية المسيحيون العرب غير آمنين وفقاً لأغلبية القراء الكاسحة |
رغم أنّ غالبيّة الأقباط المصريين المُقيمين في فرنسا حاليا، هاجروا على خلفيّة الضيم والتضييق الذي استهدفهم من المتشددين في السابق، إلا أنّ التهديدات تلاحقهم الآن إلى بلد الإقامة، لتخيّم تلك التهديدات بضلالها الكئيبة على احتفالات عيد الميلاد.
باريس: يؤكد الأقباط المصريون في فرنسا أن التهديدات التي استهدفتهم، هي الأولى من نوعها في بلاد موليير، منذ وصول الأفواج الأولى منهم إلى هذه الدولة في السبعينات هروبا من الوقوع بين مخالب اعتداءات متطرفين، مع وصول أنور السادات إلى الحكم.
ويربط الملاحظون التجاء المصريين الأقباط للاستقرار بالضواحي الباريسية والذي يقدر عددهم اليوم طبقا لبعض البيانات بـ 45 ألف قبطي مصري أو لهم أصول مصرية، بظهور خطاب أصولي "إسلاموي" ينحو نحو رفض الآخر والتعصب للذات منذ فترة السبعينات.
ومنذ ذلك التاريخ، لم ينجح النظام في مصر في ضمان الحقوق الأساسية لهذه الفئة في ممارسة شعائرها الدينيّة، بحسب مراقبين، مجاملة من الحكومات المصرية لتيارات إسلامية لا تنظر بعين الرضى للوجود القبطي على أرض الفراعنة.
وتزايدت التوترات الطائفيّة في هذا البلد بين هذه الأقلية الدينية والإسلاميين المتشددين خلال العشر سنوات الأخيرة. وهو توتر "لم تحسن الدولة تدبيره"،على حد قول منظمات حقوقية مصرية، ما خلق "أرضية ملائمة لوقوع مثل هذا النوع من الأحداث".
تهديدات إرهابية تستهدف أقباط فرنسا
أقباط يتظاهرون أمام كاتدرائية نوتردام في فرنسا |
قال مسؤول عن كنسية قبطية في باريس في تصريح له إن هذه التهديدات تم اكتشافها على شبكة الانترنت، موضحا أنه "يصعب عليه إعطاء تخمينات حول الأجواء التي من الممكن أن تدور فيها احتفالات عيد الميلاد بكنيسة شاطوني مالبري" وهي أكبر كنيسة قبطية بفرنسا "لأن هذه التهديدات تحصل لأول مرة".
و أشار هذا المسؤول الديني القبطي إلى أنه طلب من سفير مصر في باريس بعدم الحضور إلى هذه الاحتفالات، عكس المرات السابقة التي كان يشاركهم فيها مثل هذه المناسبات، وذلك خوفا على سلامته بحسب هذا المسؤول، علما أن السلطات الفرنسية قررت توفير الحماية اللازمة للكنائس القبطية الموجودة بفرنسا، وعددها 19 لعدة أيام.
كما فتحت الشرطة الفرنسية تحقيقا في هذه التهديدات التي لم تستهدف الكنائس القبطية لفرنسا لوحدها، بل تلك الموجودة بألمانيا كذلك. وأوكل هذا الملف إلى المحققين المختصين في قضايا الإرهاب العاملين تحت مسؤولية فرقة الإجرام للشرطة القضائية بباريس.
مسيحيو الشرق في قلق دائم
وفتح مشكل الأقباط في مصر بعد الاعتداء الإرهابي بالإسكندرية المجال لإثارة قضية المسيحيين في العالم الإسلامي. ويجمع الملاحظون بهذا الخصوص أن هذه الفئة تعيش قلقا يوميّا وخوفا على حياتها في العديد من البلدان.
ولئن كانت دساتير البعض منها توفر لهم حق التدين إلا أن الواقع لا يقول بذلك، كما في الجزائر وتونس. والوضع أكثر سوءا بحسب هذه القراءات عندما نتجه نحو منطقة الخليج، حيث أن معظم المسيحيين عمال مهاجرين يتكبدون معاناة مضاعفة.
ويزيد هذا الواقع سوداوية في الدول الشمولية ذات التوجهات الماركسية أو الشيوعية كما يحصل في كوريا الشمالية أو الصين التي تراقب عن كثب الشأن الديني. ويعد العراق في نظر البعض جحيما مفتوحا في وجه المسيحيين المحليين، وكان الاعتداء الإرهابي الأخير في 31 من شهر أكتوبر أتى على حياة عشرات الأشخاص و إصابة العديد منهم بجروح متفاوتة الخطورة. وقامت فرنسا على اثر ذلك بفتح الباب أمام مجموعة منهم ومنحتهم اللجوء السياسي.
المسؤولون السياسيون الأوربيون يدخلون على الخط
ويسود شعور سواء لدى المسئولين الدينين في أوروبا أو نظرائهم السياسيين بأن على عاتقهم مهمة ضمان حماية هذه الأقليات الدينية في البلدان التي تعاني فيها من الاضطهاد. ودعا البابا في هذا الإطار إلى "وضع حد لمطاردة المسيحيين الذين يعيشون في آسيا و إفريقيا و الشرق الأوسط و خصوصا في الأرض المقدسة"،على حد تعبيره.
ومن جهتها،قالت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل أليو ماري "يجب أن نعمل فيما بيننا، وأن نستقبل الذين يشعرون أنهم مهددون...لكن يجب أن نعمل أيضا على أن يتمكن هؤلاء الناس من البقاء في أوطانهم"، وجاء ذلك في رسالة منها إلى نظرائها الأوروبيين.
وإلى جانب ممثلي المجموعات الدينية بفرنسا، حضر وزير الداخلية الفرنسي بريس أورتفو احتفالت الأقباط بعيد الميلاد ليلة الخميس الماضي بكنسية شاثوناي ملبري رفقة مسؤولين سياسيين محليين. وندد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بما أسماه بـ "التطهير الديني الشرير" الذي يستهدف الأقليات الدينية في الشرق الأوسط.
مسلمون يشاركون الأقباط الفرنسيين احتفالات عيد الميلاد
يقول أنور كبيبش الكاتب العام للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في حوار مع "إيلاف" إن "المجلس ندد بهذا الاعتداء الإرهابي على كنيسة قبطية في مصر، كما حصل نفس الشيء مع الاعتداء الذي تعرض له المسيحيون في العراق".
وأضاف كبيبش أن إدانة المجلس لهذه الأعمال الإجرامية تبنى انطلاقا من حرصه على احترام "الحق في التدين و ممارسة شعائره"، مؤكدا أنه "لا يمكن السكوت على مثل هذه الممارسات و لا القبول بها، ونحن نطالب دائما باحترام التدين بالنسبة للجميع في فرنسا وغيرها".
وعن العلاقات التي تربط بين المسلمين والأقباط في فرنسا، قال الكاتب العام للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إنها "علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والدفاع عن حرية التعبد"،موضحا أن "المجلس سيشارك الأقباط بفرنسا بوفد في الاحتفالات بعيد ميلاد بإحدى الكنائس الباريسية".
واعتبر أنور كبيبش هذه المشاركة "رسالة موجهة من المسلمين إلى الأقباط للتعبير عن تضامنهم معهم ولكل من يستهدف هذه العلاقة المتينة التي تربط بين الطرفين، على أنها لا يمكن لها أن تتأثر بالمرة بمثل هذه التهديدات الإرهابية".
ولم يخف كبيبش تضرر سمعة المسلمين في أوروبا من مثل هذه التهديدات أو الاعتداءات الإرهابية، باعتبار أن "الجماعات المتطرفة تعتمد المرجعية الدينية في بناء إيديولوجيتها ما يعطي صورة سيئة عن المسلمين"، على حدّ تعبيره.
وقدم مثالا على ذلك آخر استطلاع رأي، أنجز بهذا الخصوص،أوضح أن 40 بالمئة من الفرنسيين ينظرون بعين قلقة إلى المسلمين. ودعا الكاتب العام لمجلس الجالية إلى مواجهة الفكر المتطرف بعملية تسير على خطين متوازيين يحضر فيها الجانب التوعوي والبيداغوجي بمحاذاة الجانب الأمني.
كما أوضح أن البلدان العربية والغربية مدعوة "لضمان حق التعبد للجميع"، مبرزا "أن سلامة الأشخاص لا يمكن أن تمر إلا عبر هذا الطريق"، و ألح في نفس الوقت على ضرورة محاربة الإرهابيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات