الأقسام الرئيسية

الاستبداد والامبريالية هما العدوان الأساسيان للمرأة

. . ليست هناك تعليقات:


ما فائدة مكاسب قانونية تحصل عليها المرأة في ظل تغييب كامل لدورها ومكانتها الاجتماعيين، وقمع عام للحريات، ومنع التونسيين رجالا كانوا أم نساء من ممارسة دورهم مواطنين أحرار مستقلين فاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: مية الرحبي


كنت كثيرا ما اختلف مع ناشطات نسويات عربيات عن قيمة المكاسب القانونية التي طالت المرأة في تونس، وأنها بالنسبة لي لم تكن سوى واجهة لإصلاحات ومكاسب تنموية وهمية، استخدمها النظام الديكتاتوري، الذي كم أفواه الشعب وخنق حرياته، واستخدمتها القوى الغربية للإشادة بنظام الحكم في تونس، و"إنجازاته التنموية"، لمجرد رضاها عنه، ودون أي قدر من النزاهة في تقدير حقيقة تلك الواجهة التنموية، التي دفع الشعب أثمانا باهظة خلفها، من توزيع غير عادل للثروة وغياب الحريات. إلا أن ذلك ليس مستغربا على الغرب الذي اعتاد أن يقوّم الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث من منظار مصالحه فقط.

وذلك ما ينطبق تماما على المرأة العراقية فالديمقراطية المزيفة تحت الاحتلال، أعطت نظريا المرأة حق المشاركة في الحكم، لتأتي الوزارة الأخيرة مغيبة النساء عن السلطة التنفيذية، رغم مشاركتها الشكلية غير الفاعلة في برلمان منتخب على أسس عرقية طائفية، وكانت نتيجة الاحتلال أيضا غيابا كاملا للوجود الفاعل للمرأة في الحياة الاجتماعية، رغم وجود مئات الجمعيات النسوية التي انتشرت كالفطر على امتداد الأراضي العراقية، تقبض الملايين من الخارج وليس لها أي علاقة على الأرض بهموم والآم وآمال المرأة العراقية.

ونعود إلى تونس، فما فائدة مكاسب قانونية تحصل عليها المرأة في ظل تغييب كامل لدورها ومكانتها الاجتماعيين، وقمع عام للحريات، ومنع التونسيين رجالا كانوا أم نساء من ممارسة دورهم مواطنين أحرار مستقلين فاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما قيمة ترؤس من كانت سيدة أولى لمؤتمرات وهيئات نسائية، في وقت تطوعت فيه عائلتها لنهب خيرات البلد وترك الفتات لنسائه قبل رجاله، بحيث اختار عدد من شبابه الانتحار هربا من البطالة والعجز والفقر والقهر والخوف والرعب وتكميم الأفواه.

ما قيمة واجهة تحررية زائفة لنساء شعب قبع أكثر من عشرين عاما تحت رحمة نظام قمعي بوليسي، استلب حق الحرية من جميع مواطنيه، وزج الآلاف من مواطنيه رجالا ونساء في غياهب السجون لمجرد اعتراضهم على قمع شعبهم وقهره، ولم يتردد لحظة في سلبهم حق الحياة عندما فاض بهم الكيل وخرجوا إلى الشوارع غاضبين مستنكرين، في مظاهرات شاهدنا فيها المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل، دلالة أن جميع المكاسب التي أعطيت لها لم تغنها عن المطالبة بحقها في الحرية والعدالة والمشاركة.

إن المرأة مواطنة بالدرجة الأولى ولا قيمة لمنحها بعض الحقوق في الزواج أو الطلاق، أو الحضانة ما دام ذلك لا يترافق باحترام حقوقها الأساسية وحقوق جميع المواطنين في الحياة والحرية والعدالة والمشاركة الفاعلة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية، مشاركة حقيقية، لا صورية.

ولا قيمة لأي نضال في سبيل حقوق المرأة ما لم يقترن بالنضال الديمقراطي العام، والذي يمثل الضمانة الوحيدة لنيل جميع المواطنين حقوقهم التي أقرتها جميع الشرائع الإنسانية، والاتفاقات الدولية في عصرنا الحديث، حقوقهم في الحياة والحرية، واعتبارهم جميعا مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو الدين، وبوجود عدالة اجتماعية تضمن توزيعا عادلا للدخل، وتضمن لجميع المواطنين مشاركة فاعلة في جميع مناحي الحياة.

وقد أثبتت جميع التجارب في بلدان العالم الثالث، أن الغرب المتقدم الذي يدعي حمله لواء الحرية والديمقراطية والعدالة لجميع الشعوب، ما هو إلا قوى استعمارية بغيضة، تعتقد أن تلك القيم الإنسانية هي ملك لشعوبها "المتميزة" أما شعوب العالم الثالث فشعوب لا تستحق العيش بكرامة، بل هي مسخرة فقط لخدمة ذلك الغرب الذي لم يستطع التخلي عن صفته الاستعمارية، سواء كان ذلك الاستعمار ثقافيا أم اقتصاديا أم عسكريا، فكيف إذا يمكن الثقة في تلك الحكومات الغربية التي تقوّم الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث لا وفق معاييرها الفكرية الثقافية الحضارية، بل وفق مصالحها السياسية والاقتصادية، فهل من المعقول أنه غاب عن رؤيتها، أن الحكم في تونس كان حكما دكتاتوريا قمعيا، وهل غاب عنها أيضا أن ما يسمى في العراق انتخابات ما هو إلا مهزلة انتخابية في ظل الاحتلال، وأن نتيجة الاحتلال الذي ادعت أنه جاء لنشر الديمقراطية في العراق لم يكن سوى شرذمة وتفرقة عرقية طائفية نجم عنها تفتيت البلد وتقسيمه، وقتل وإعاقة وتشريد الملايين من مواطنيه؟ وكيف أوقفت اليوم تلك الحكومات الغربية هجومها الشرس على السودان بعد موافقته على الاستفتاء الذي سيفصل جنوبه، ضمن مخطط مستقبلي لتفتيته وتجزئته أكثر فأكثر.

وإنه لمما يثير السخرية حقا أن فرنسا، التي طالما أشادت بالنظام التونسي ووصفته على لسان احد رؤسائها (شيراك) بأنه النظام الذي حقق "معجزة تنموية"، هي نفسها فرنسا التي طردت رئيسه البارحة، ورفضت أن تحط طائرته على أرضها، عندما جاءها مهزوما باحثا عن ملجأ له، بعد أن لفظه شعبه، وكأنها نسيت "معجزاته التنموية"، بعد أن انتهى دوره في خدمة مصالحها.

لا شيء اسمه حرية أو حقوق أو مكاسب للمرأة، في ظل الأنظمة القمعية الاستبدادية، أو تدخلات الامبريالية العالمية، ولا يمكن للمرأة نيل حقوقها إلا في إطار نظام ديمقراطي راسخ، يعتمد على قدرات الشعب، والشعب وحده، نظام يرفض أي تدخل من القوى الغربية الاستعمارية، التي لم ولا ولن تتدخل في أي بلد في العالم الثالث إلا لدعم أنظمة تخدم مصالحها، حتى ولو قامت تلك الأنظمة بقتل وسلب ونهب شعوبها، وحرق بلادها، وتحويلها إلى أرض يباب.

مية الرحبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer