بقلم: نيفين مسعد
6 يناير 2011 10:14:37 ص بتوقيت القاهرة
ليت أن نفرا ممن يقولون إن الحال لن ينصلح فى مصر إلا إذا جاء التغيير مفروضا من الخارج حضر معى المحاضرة الأخيرة لطلاب السنة الرابعة بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة، فربما وجد أن قوله يحتاج إلى إعادة نظر. ما أن طلبت من الطلاب كتابة مقال تحليلى عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى مصر حتى واجهتنى ثورة عارمة أساسها أن السؤال خارج المقرر.هل السؤال خارج المقرر أم أن أكثر الطلاب خارج ما يدور على أرض مصر؟ هذا هو السؤال الجوهرى الذى أخذ يلح علىّ وأنا أكظم غيظى فى مواجهة الثورة الطلابية العارمة. غاظنى أننى لم أفاجئ الطلاب بما قلت، بل إننى قبل أكثر من شهر على إجراء الانتخابات البرلمانية رحت أحلل أمامهم تطورات العملية الانتخابية: من شارك فيها ومن قاطعها ومن شارك ثم انسحب، ومن أشرف عليها ومن حُرم من الإشراف ومن توقف عنه احتجاجا على الإهانة، مضمون البرامج الانتخابية ومصداقيتها وجدواها فى مجتمع يعتبر فيه أحد أكبر رموزه السياسية أن اسمه هو برنامجه،النتائج والطعون وإشكالية وجود برلمان لن يجد من يراقبه لأن البرلمان هو الحزب الوطنى والحزب الوطنى هو الحكومة. ومع ذلك ثار الطلاب لأننى لم أوزع كلامى مكتوبا ولا طلبت منهم صم مقال فى دورية لهذا أو ذاك من كبار كتابنا السياسيين يفرغونه على الورق فينجحون ويتخرجون وقد يعملون.
الأدهى من ذلك أننى حين حاولت تهدئة ثورة الطلاب متسائلة: هل طالبتكم بتحليل انتخابات تجرى فى بلاد واق الواق؟ ردت علىّ بتحد طالبة منتظمة فى حضور المحاضرات عادة ما تتخذ مكانها إما فى الصف الأول أو فى الصف الثانى، وقالت: نعم إن هذه الانتخابات تجرى فى بلاد واق الواق. يا الله! لقد كنت أظن نفسى أتهكم فإذا بإجابة الطالبة تنزل فوق رأسى كالصاعقة. هؤلاء هم جيل المستقبل، متخصصون فى الشأن السياسى بحكم طبيعة دراستهم، يعيشون فى القاهرة أو يترددون عليها بغرض الدراسة، لم يطلب منهم أحد أن ينتخبوا أو يتحزبوا أو يحتجوا بل أن يعربوا فقط عن آرائهم فى حدث سياسى بحجم الانتخابات البرلمانية، فإذا مصر بالنسبة لهم هى بلاد واق الواق. وهكذا حقق النظام التعليمى مبتغاه وشغل الطلاب بامتحانات ربع العام ونصف العام وثلث العام ونهاية العام فلم يعودوا يرون فى التعليم إلا أوراق إجابة. ونجح فى منع تسييس الطلاب فخلط هؤلاء بين الاشتغال فى السياسة ومجرد الكلام فى السياسة.
هل نفهم إذن لماذا لا يشترك فى الأحزاب إلا 3% من المصريين؟ ولا يصوت فى الانتخابات على اختلاف مستوياتها إلا ما بين 15% و20% ممن لهم حق الاقتراع؟ ولا يتمكن أى تيار أو قوة من استقطاب الأغلبية الصامتة مهما صدقت النوايا وصح العزم؟ بل هل نفهم لماذا تمر مرور الكرام فضائح سياسية كبرى أبطالها نواب القروض والعلاج على نفقة الدولة وشراء أراضى الدولة بأبخس ثمن والدعوة لضرب المتظاهرين بالنار والتشاتم تحت قبة البرلمان؟ هل نفهم لماذا تكون احتجاجات فقراء الدويقة ومنشية ناصر وكل العشوائيات مجرد زوابع فى فناجين؟ هل نفهم لماذا تُفجر سيارة قرب كنيسة سبق استهدافها وفى مناسبة يُفترض فيها تأمينها فلا يستقيل مسئول ولا يقال حتى تاريخ كتابة هذا المقال؟
يحدث ذلك كله لأنه يجرى هناك فى بلاد واق الواق وليس هنا فى مصر. وإذا كان الأمر كذلك فإن من الطبيعى أن ما يحدث فى السودان وفلسطين والعراق ولبنان لا يحتاج تعليقا من أحد ولا إلى اهتمام من أحد لأنه يجرى فى أبعد من بلاد واق الواق، تُرى هل هناك ما هو أبعد منها؟
التعميم على كل أبناء الجيل الجديد خطأ بالتأكيد، فبين هؤلاء ومنهم الطلاب الذين أشرت إليهم هناك من يعى ويتابع ويفهم ويشارك، لكن الثورة العارمة التى انفجرت فى وجهى لا تبشر بخير، إذ لا معنى لها إلا أن الأغلبية تؤيد منطق واق الواق. فى وضع كهذا بربك قل لى ماذا يمكن لكل مصلحى العالم أن يفعلوا إن جاءوا من الخارج أو حتى جاءوا من الداخل؟ ليس أصدق انطباقا على هذا الوضع من عنوان كتاب ألفه المفكر اللبنانى الشهير غسان سلامة بعنوان «ديمقراطية بدون ديمقراطيين»، فالرسالة التى حملها الكتاب هى أن فاقد الشىء لا يعطيه. وبالتالى فأن تنتشر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والفضائيات والصحف من دون كوادر ديمقراطية تدير شئونها وتعمل فيها وتعبئ لها لن يحدث أى تطور على طريق الديمقراطية. لاحظ هنا أننا نتكلم عن وجود الديمقراطيين وغياب الديمقراطية، فما بالك إن كنا إزاء وضع تغيب فيه الديمقراطية ويغيب الديمقراطيون؟
لكن لا بأس، فقليل من الحسم قد يكون مطلوبا، الطلاب يطلقون على هذا الحسم ديكتاتورية وهذا ليس الاسم الصحيح، لكنه حتى لو كان كذلك فلا مانع من اللجوء إليه فى موقف كموقف الطلاب من سؤال الانتخابات. تمسكت برأيى شاء من شاء من الطلاب وأبى من أبى، ففى ظل الأعصاب المشدودة بسبب قرب الامتحانات وتقلبات الجو والشحن الطائفى والتغير الحكومى المرتقب ومفاجأت قروش شرم الشيخ، لا ضير أبدا من القيام برحلة جماعية نتعرف فيها على بعض ما يجرى فى بلاد واق الواق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات