محمود الحضرى
السبت، 22 يناير 2011 - 18:48
والزائر لتونس فى السنوات الأخيرة يرى بوضوح مدى التقارب بين تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مع الوضع فى الكثير من بلدانا العربية، فالبلد كانت محكومة بما يمكن تسميته بـ "ديمقراطية الديكتاتورية"، فالرئيس يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات فى ظل انتخابات تجرى تحت إدارة الحزب الحاكم، وأجهزة الأمن، وبدعم من المؤسسات الحكومية التى تسخّر كل إمكانياتها من أجل إنجاح الرئيس.
كل الهيئات والوزارات تفتح أبوابها، وتنقل موظفيها للتصويت من أجل الرئيس، والجميع داخل تونس وخارجها، كانوا يتحدثون عن كل هذا، والرئيس غارق فى ديمقراطيته، أقصد "ديكتاتوريته" بغض النظر عن الشعب راض أم غير راض، المهم أنه راض شخصيا عن ذلك.
هذا هو الوضع ببساطة ظل سائدا فى تونس حتى 14 يناير 2011، وهو قريب جدا فى مجمله فيما يحدث فى بلدان عديدة، خاصة مع طول "استطالة" سنوات الحكم، وظهور قوى تتربط مصالحها بوجود هذ الحاكم وذاك، والتى تعمل على بقائه، أو إبقائه، وتستخدم كل وسائل الترويج والتدليل على أنه هذا الحاكم أو غيره هو الأصلح.
ومن أهم دروس تجربة تونس الفشل السريع لسيناريو محاولات ترسيخ الأمر الواقع، حيث كان المستهدف إيجاد وسيلة لإبقاء الرئيس المخلوع وعودته، ويرى الكثير من المتابعين للأوضاع فى تونس أنه المخطط كان يبدأ بخروج الرئيس، وينصّب رئيس الوزراء نفسه، كما قام بذلك فعليا، ثم تزداد الفوضى، فيظهر الرئيس "زين العابدين" مرة أخرى على أنه المنقذ ولابديل سواه، ليعود للسلطة ولكن بديكتاتورية جديدة، وهو ما دعا البعض للقول بأن زين العابدين هو الأصلح لحكم البلاد حتى آخر نفس، ولكن سرعة الأحداث أفشلت كل المخططات.
ولعل وعسى أن يعى حكامنا هذا الدرس جيدا، وأن إرادة الشعب أقوى من الجميع، حتى لو ظن الحاكم أنه مخلد ومورّث للحكم وفى الحكم، ولا نريد التقليل مما حدث وانعكاساته على مجتمعاتنا العربية، فالقول بأن المقارنات من مجتمع إلى آخر ظالمة، قول غير مقبول، فالأهم أن ندرس كل المواقف وتبعات وتداعيات درس تونس بكل أبعاده، لا أن تردد عبارة "كلام فارغ".
ما حدث فى تونس رقم جديد فى حياة وفكر الشعوب العربية، فالظلم مهما طال، ومهما ابتلعه الشعب حتما سيؤدى إلى الانفجار، والثورة على الطغيان، ولاشك أن كافة التصريحات التى قللت من أهمية "ثورة الياسمين" فى تونس، تأتى فى مجملها تعبير عن حالة من القلق والخوف وليس التهوين مما جرى.
وإن كان الوضع على ما أعتقد، فمن الواجب على الحكام دراسة "ثورة التغيير التونسية" بعمق لإصلاح ما أفسدته السياسات على مدى سنوات طويلة، وإجراء تغييرات جذرية تصب فى صالح الشعب وفئاته المطحونة، بدلا من أن تصب فى جيوب الأغنياء، مع البحث عن مخارج حقيقة للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، التى كانت الدافع الأول لثورة الياسمين التونسية.
وأخيرا من حق الشعب التونسى أن يفرح بثورته الجديدة، وأن يخاف عليها أيضا، حتى لايقفز عليها أصحاب مصالح جدد، وأن يستفيد منها تجار الثورات والنكبات، مثلما استغل تجار الحرب والسلام دماء شعوبنا، وتبقى التحية لشعب تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات