هل مناقشة المشاكل الطائفية وتحليل حالة الاحتقان يمكن أن يؤدى إلى إشعال الفتنة؟ أم يبصّر بالأسباب الحقيقية التى تجعل لهذه الفتنة تربة خصبة ترتع فيها كما تشاء، بعض الناس يعتقد أن دور الإعلام أن يتابع الحدث دون أن يقرأ التفاصيل، أو ينفذ إلى ما بين السطور، فيعتقدون أن ما جرى فى الإسكندرية لابد من تناوله وفق آليات محددة تنطلق من متابعة تفاصيل البحث الجنائى عن المجرمين، وعرض مظاهر التضامن والصمود بين أبناء الشعب، وقصص المسلمين الذين يتبرعون بالدم لإخوانهم الأقباط، وغير ذلك من المظاهر التى تساعد على التهدئة ومن ثم النسيان.
فى مثل هذه الأيام من العام الماضى كانت تأتينى إشارات مماثلة بسبب استغراقى فى مناقشى أبعاد حادث نجع حمادى وتحليل مسؤولية الأطراف جميعاً عنه، لكن هناك من اعتقد أن هدوء الإعلام سيسهم فى هدوء ردود الأفعال، حتى لا تظل مأساوية الأحداث حية فى صدور الناس، حتى إن مسؤولاً قال: «ساعدنا كى ننسى وتستمر الحياة».
يومها قلت كلاماً توقعت قبل عام صلاحيته للتكرار فى العام الجديد، وأعيده الآن: إننى أحرص على الحياة من أولئك الذين يحاولون إسدال ستائر النسيان على الموضوع.
الحياة التى أحرص عليها حياة سوية تسعى لبناء حالة من التعايش والاندماج الحقيقى بين المواطنين باختلاف دياناتهم وألوانهم، فيما يسعى المطالبون بمنح الناس فرصة للنسيان إلى حياة تتكرر فيها هذه الحوادث، ومن ثم يتكرر نفس الكلام، فالتقصير الأمنى سيبقى كما هو، والمعالجات الأمنية للأحداث الطائفية ستبقى عند أدائها التوافقى، ستبقى المجالس العرفية، وستبقى الكنيسة تمارس دوراً سياسياً فى حشد الأقباط خلف جدرانها وعزلهم ثم تقديم تفويض باسمهم جميعاً للنظام.
وسيبقى الحزب الحاكم يدعو للمواطنة على الورق، ولا يترجم ذلك لممارسات، وسيبقى مشايخ الفتنة فوق منابرهم يحرضون الناس على كراهية الآخر ويؤثمونهم إذا ما تبادلوا معهم التحية أو الود، وسيبقى زعماء أقباط المهجر يتحدثون عن «الإبادات الجماعية والغزو العربى» إلى غير ذلك من مفردات التحريض خارجياً.
وسنبقى نسأل عن مصير قانون البناء الموحد لدور العبادة، ويشكو مواطنون مسيحيون من عجزهم عن ترميم كنيسة، ويغضب مسلمون من محاولة مسيحيين إنشاء كنيسة، وتشتعل الأزمة بينهم، وسيخرج الخبراء أنفسهم فى الشاشات نفسها يطالبون بإصلاح مناهج التعليم، وتعزيز ثقافة المواطنة فى الشارع، وستشاهد أقباطاً غاضبين يتظاهرون أمام الكنيسة، وستجد شيخ الأزهر يخطب الجمعة عن التسامح الدينى، ويذهب لمعانقة البابا أمام العدسات، وستخرج الصحف لتقول إن وحدتنا الوطنية بخير.
عندما يطالبك أحد بأن تمنح المجتمع فرصة لينسى، فهذا يعنى أنه يريد العودة إلى المربع رقم صفر من جديد، يريد كارثة جديدة، ولا يريد حلاً جذرياً لهذه المشكلة، ولا يملك شجاعة النقاش وفتح كل الجراح للتوصل إلى علاج حقيقى لها، يوفر شفاء نهائياً لجسد هذا الوطن، ولا يملك جلد المثابرة على النضال من أجل دولة مدنية محايدة وعادلة لجميع مواطنيها، ويريد أن يعيش نفس الأحداث والمواقف وردود الأفعال مرة أخرى.
هذا كلام قلته فى مطلع 2010.. وأقوله فى مطلع 2011.. وأخشى أن أقوله مجدداً فى مطلع 2012..!
sawyelsawy@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات