| |||||||||
كان التاسع عشر من فبراير/ شباط 2010 يوما مشهودا للكثير من الراغبين في التغيير والحالمين به في مصر، حيث شهد ذلك اليوم عودة الدكتور محمد البرادعي إلى وطنه بعد ثلاثين عاما قضاها في الخارج منها 12 عاما على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأصبح البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام، محط أمل كبير للكثيرين في بلد يشهد حالة ضبابية بشأن مستقبله السياسي، وتبحث فيه القوى الراغبة في التغيير عن شخص قوي تضع فيه ثقتها وآمالها في عصر جديد ينهي ثلاثة عقود من حكم الرئيس محمد حسني مبارك. البداية الحقيقية كانت قبل نحو عام من العودة إلى الوطن حيث قال البرادعي الحاصل على قلادة النيل التي تعد أرفع وسام مصري، إنه يفكر في خوض انتخابات الرئاسة المقررة عام 2011، لكنه أضاف لاحقا أنه يدرك أن القيود الدستورية على الترشيح لا تتيح له ذلك. وقصد البرادعي بذلك تعديلات أدخلت على الدستور تقضي بأن يكون المترشح للرئاسة عضوا بالهيئة العليا لأحد الأحزاب القائمة لمدة عام على الأقل قبل الانتخابات فضلا عن حصوله على تزكية 250 من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية للمحافظات، وهي كلها مجالس يهيمن عليها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. حوار لا تصادم وقبل يوم واحد من عودته قال البرادعي في حديث تلفزيوني إنه لا يريد صداما مع الحكومة، مؤكدا أنه يأمل في أن تشهد مصر تغييرا على أساس الحوار وليس التصادم، وموضحا أن أهم ما يحتاجه التغيير الديمقراطي في مصر هو إتاحة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أمام الجميع دون قيود. ولدى وصوله مطار القاهرة وجد البرادعي في انتظاره استقبالا حاشدا تكون من نحو ثلاثة آلاف شخص بينهم أعضاء في الحملة المستقلة لدعم البرادعي التي أنشأها ناشطون على شبكة الإنترنت، وكذلك حملة "البرادعي رئيسا لمصر في 2011" إضافة إلى ممثلين لحركتي "كفاية" و"6 أبريل" وعدد من الشخصيات السياسية والثقافية. وبدا حرص البرادعي على تجنب المواجهة والصدام واضحا منذ وطئت قدماه أرض بلاده، حيث تفادى الحشود التي كانت بانتظاره وغادر المطار من مخرج بديل. وفي الأيام التالية لعودته كان البرادعي في بؤرة الاهتمام الإعلامي حيث أجرى سلسلة من المقابلات التلفزيونية انتقد فيها بشدة الحالة التي وصلت إليها مصر، وقال إنه مستعد لخوض الانتخابات ضد الرئيس مبارك، كما رد على من يتحدثون عن استقرار في العهد الحالي بأنه "إذا كان الشخص لا يجد قوته ولا يجد الرعاية الطبية ولا يجد التعليم، فليس هناك استقرار". كما أعلن البرادعي عن تشكيل "الجمعية الوطنية للتغيير" برئاسته ومشاركة عشرات الناشطين السياسيين بهدف الضغط على النظام لإجراء تعديلات دستورية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وبعد ذلك، بدأ الرجل في النزول إلى الشارع وقام أواخر مارس/ آذار بأداء صلاة الجمعة بمسجد الحسين ثم تجول بعدها في المناطق المجاورة، وأحاط به كثيرون يهتفون للتغيير ويصفون البرادعي بأنه رمز لهذا التغيير المنشود. في المقابل تعرض البرادعي لحملة انتقادات حادة في الصحف الحكومية، التي نشرت مقالات تقلل من شأن الرجل وتركز خصوصا على إقامته الطويلة خارج مصر في السنوات السابقة حيث اتهمته بأنه لا يدرك حقيقة الأوضاع داخل مصر. كما تعرض أنصار الرجل لبعض المضايقات التي امتدت إلى خارج مصر عندما قررت السلطات الكويتية ترحيل العشرات من مناصريه المصريين المقيمين لديها بسبب تجمعهم لتدشين فرع للجمعية الوطنية للتغيير. وفي الرابع من يونيو/ حزيران زار البرادعي محافظة الفيوم وعقد مؤتمرا جماهيريا طالب فيه بكسر حاجز الخوف والجهر بمطالب التغيير في مصر، كما أعلن اتفاق الجمعية الوطنية للتغيير التي يرأسها مع جماعة الإخوان المسلمين في الدعوة لإلغاء حالة الطوارئ وإنهاء القوانين المقيدة للحريات معترفا في الوقت نفسه بوجود اختلافات في بعض الرؤى مع الجماعة. وفي اليوم الثالي دعم البرادعي تقاربه مع الإخوان عندما قام بزيارة لافتة لمقر الكتلة البرلمانية للجماعة وأكد دعمه لحقها في تشكيل حزب سياسي، وهي الخطوة التي لقيت انتقادات حادة من جانب الحزب الحاكم.
لكن قطار البرادعي لم يواصل تقدمه بنفس الوتيرة، ورصد البعض ما اعتبروه تراجعا من جانب البرادعي الذي ربط ترشحه لانتخابات الرئاسة بتلبية مجموعة من الشروط التي بدت مستبعدة التحقيق منها المطالبة بضمانات حكومية مكتوبة بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة وأن تكون هناك مراقبة دولية للتصويت، مع إجراء تعديل دستوري لإزالة العقبات أمام الترشيح المستقل. كما دعا البرادعي لمقاطعة الانتخابات التشريعة المقررة أواخر العام، واعتبر أن مشاركة قوى المعارضة ستضفي الشرعية على النظام الحاكم. وبعد ذلك برز ما رآه الكثيرون المشكلة الأكبر في تجربة البرادعي، وهي إصراره على السفر المتكرر خارج مصر ولفترات طويلة فضلا عن إحجامه عن النزول المكثف إلى الشارع، وهو ما أثار غضب الكثيرين حتى داخل حملة البرادعي نفسها. ومن جانبه رد البرادعي بأن سفره المتكرر ناتج عن التزامات دولية نتيجة كونه حائزا لجائزة نوبل، كما ألمح الرجل لإحباطه إزاء التقدم البطئ في حركة التوقيعات على مطالبه للتغيير، وإزاء الحماس للمشاركة الفاعلة ضاربا المثل بأعضاء نقابة مهنية احتجوا بمئات الآلاف من أجل مشاكل داخل نقابتهم لكنهم لا يتحركون من أجل مواجهة قانون الطوارئ أو قضايا التعذيب. | |||||||||
|
المصدر: | الجزيرة |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات