كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت من 11 حتى 15 أبريل، أبرز المحطات التي شهدها السودان في العام 2010. فقد كانت أول انتخابات تعددية منذ 1986، واعتبر إجراؤها تحولا ديمقراطيا مهما رغم مقاطعة قوى سياسية رئيسية للعملية الانتخابية التي أسفرت عن تكريس سلطة المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان وهيمنة الحركة الشعبية على مقاليد الأمور في الجنوب.
وبموجب نتائج الانتخابات، حصل الرئيس السوداني عمر البشير على ولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، وأدى البشير اليمين الدستورية في 27 من مايو. وتمكن سلفا كير ميارديت رئيس الحركة الشعبية من الفوز برئاسة حكومة جنوب السودان وأدى اليمين الدستورية في 21 من مايو.
واعتبر البشير فوزه «نصرا لكل السودانيين» وأعلن أنه سيمضي قدما في تنظيم الاستفتاء المقرر على انفصال الجنوب في الفترة من 9 إلى 15 يناير 2011.
وفى 30 من يونيو، أصدر البشير مرسوما جمهوريا بتعيين مفوضية استفتاء جنوب السودان وهي الهيئة المستقلة المخولة الإشراف على عملية استفتاء الجنوب برئاسة المحامي المستقل محمد إبراهيم خليل.
ورغم ان تعيين مفوضية الاستفتاء، تأخر إلا أن المفوضية بدأت- فور تعيينها- سلسلة إجراءات متعلقة بتنفيذ عملية الاستفتاء، حتى وصلت إلى مرحلة تسجيل الناخبين. وأسفرت عملية التسجيل عن تسجيل نحو ثلاثة ملايين بجنوب السودان ونحو 115 ألفا بشمال السودان وما يقارب 500 ألف جنوبي في ثمان دول خارجية.
وشهد العام 2010 خلافات متكررة بين شريكي الحكم في السودان؛ المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية. وكان أول الخلافات حول تعيين مفوضية استفتاء الجنوب، ومن بعدها الإجراءات المتعلقة بتنفيذ العملية، خاصة تسجيل الناخبين الذين يحق لهم التصويت.
وفى خضم الاتهامات العسكرية المتبادلة أثيرت فكرة نشر قوات أممية عازلة بين الشمال والجنوب، لكن حكومة الخرطوم أعلنت رسميا رفضها للفكرة، مما أجبر الأمم المتحدة على إعلان أنها لا تنوي نشر أي قوات على الشريط الحدودي بين شمال السودان وجنوبه.
وعلى مدار العام 2010 أجريت مباحثات ماراثونية داخل وخارج السودان للتوصل إلى اتفاق بشأن استفتاء منطقة أبيي الغنية بالنفط، لكن كل تلك المباحثات لم تتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين حول تعريف الناخب الذي يحق له التصويت في استفتاء أبيي الذي كان مقررا تنظيمه بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان.
كما كان 2010 عاما لانهيار اتفاق جزئي تم التوصل اليه في العاصمة النيجيرية، أبوجا، بين الحكومة السودانية و«حركة تحرير السودان» جناح مني أركو مناوي عام 2006. ونتيجة لخلافات مستمرة بين الخرطوم وأركو مناوي الذي كان يشغل منصب كبير مساعدي الرئيس السوداني، أعلنت الحكومة السودانية في الثاني من ديسمبر أن الحركة لم تعد جزءا من الحكومة وأن قواتها باتت هدفا عسكريا للجيش السوداني.
وفي آخر يوم من 2010، غادر الوفد الحكومي السوداني المشارك في مفاوضات الدوحة، مع فصائل مسلحة في إقليم دارفور، قطر والعودة إلى الخرطوم، قائلاً «إن المفاوضات التي تواصلت لسبعة أعوام لم تصل إلى نتيجة بسبب غياب الوحدة والإرادة السياسية لدى الحركات المسلحة، واقتصار التفاوض على الحركات المسلحة في غيبة القوى الحية المعبرة، و التشجيع والدعم الذي وجدته الحركات المسلحة من بعض القوى السياسية داخل السودان وخارجة».
ومع الزفرات الأخيرة لـلعام، بدأت الخرطوم، ترتيبات تشكيل دولة الشمال، تحسبا لانفصال الجنوب، من خلال وضع تصورات قانونية ودستورية لتنفيذها خلال الفترة المقبلة. فقد أمر «علي عثمان محمد طه» نائب الرئيس السوداني بكتابة دستور جديد للبلاد. وقالت مصادر حكومية إن طه وجه الأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللامركزي، دفع الله الأمين، بتقديم مقترح مسودة ليكون نواة لدستور دائم للبلاد التي تحكم بدستور انتقالي وُضع عام 2005.
وتعتزم الخرطوم كتابة دستور قبل يوليو المقبل استباقا للمعارضة التي ترفض تعديل الدستور بواسطة حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحده.
وكان الرئيس البشير، أعلن اعتزامه تعديل الدستور لجعل السودان دولة عربية إسلامية. وفي كلمة ألقاها أمام الآلاف من أنصاره في ولاية الجزيرة جنوب شرق الخرطوم يوم 28 ديسمبر، قال البشير مخاطبا الجنوبيين: «الكرة في ملعبكم والقرار عندكم إن قلتم وحدة أهلا وسهلا، وإن قلتم انفصال أيضا أهلا وسهلا». ورحب البشير بـ«دولة شقيقة جارة نتعاون ونتكامل في أي شيء لأن الذي بيننا أكثر من أي دولتين».
كما وعد البشير بمساعدة جنوب السودان على تطوير دولة مستقرة. وقال: «لن نعترض على قرار الأخوة الجنوبيين وسنساعدهم على بناء دولتهم ونريدها دولة آمنة ومستقرة، لأنه لو حدثت فيها مشاكل فستأتينا ونحن مستعدون أن ندعم الأمن والاستقرار في الجنوب وندعم التنمية».
وكان الرئيس السوداني أكد في كلمة له في جنوب السودان أنه سيكون أول من يعترف باستقلال الجنوب إن اختار الجنوبيون ذلك في استحقاق حر وعادل.
وسيسجل التاريخ أن السودان هو الدولة العربية الأولى، في مرحلة ما بعد الاستعمار، التي تقسم بموجب «أمر واقع» داخلي وصمت عربي ورعاية دولية. ففي 21 من ديسمبر استضافت الخرطوم قمة وصفت بــ«الخماسية» جمعت كلا من الرئيس مبارك والعقيد القذافي والرئيس الموريتاني والرئيس السوداني عمر البشير ونائبه رئيس حكومة الجنوب سلفا كير. وذهب الضيوف للتوسط بين البشير وسلفا كير من أجلوضع ترتيبات أمنية تسمح بانفصال «مخملي» على طريقة تشيكوسلوفاكيا.
وصدر بيان عن القمة الخماسية تضمن عبارتين: الأولى تقول: «إن القمة الخماسية بحثت مستقبل العلاقة بين شمال السودان وجنوبه، وأكدت أن الروابط العضوية بين الشمال والجنوب التي تدعمها اعتبارات التاريخ والجغرافيا والثقافة والقيم الاجتماعية والمصالح المشتركة تستوجب من الأطراف كافة العمل على تدعيم واستمرار هذه الوشائج في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء».
والعبارة الثانية تقول: «إن المشاركين في القمة شددوا على احترامهم لإرادة شعب جنوب السودان في البقاء في إطار السودان الموحد أو الانفصال السلمي».
والفقرتان توضحان أن البيان افترض- سلفا- أن السودان دولتان؛ دولة يترأسها البشير، ودولة يترأسها سلفا كير، ولم يقل إنها قمة رباعية يتمثل فيها السودان بالرئيس ونائبه الأول.
ومن ثم كانت هذه القمة أول من أقر- بحكم الأمر الواقع- أن السودان لم يعد «حتة واحد» بلهجة أهل السودان.
موقف مصر
ترى مصر أن الانفصال واقع لا محالة. فقد صرح وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، خلال حديثه في اجتماع لجنة «مصر والعالم»، على هامش المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني الديمقراطي، أن «هناك دولة في الجنوب (السودان) ستنقسم، ونتائج هذا الانقسام لها تأثير على دولة السودان. هناك العنف والتوازن الداخلي والمياه (كلها مشاكل) تمثل تهديداً لمصالح (مصر)». وأضاف أن مصر «رأت منذ فترة أن السودان سينفصل، ولا قوة ستبقيه موحداً، ومن هنا طرحنا فكرة الكونفدرالية».
وقال إن «مصر رصدت تناقضات داخلية ستؤدي إلى عنف بين الشمال والجنوب وداخل كل طرف، كما رصدنا ملامح عنف في هذه الفترة بين الشمال والجنوب. ولذلك سافر الرئيس مبارك إلى السودان»، من أجل تأمين الاستقرار والسلام للسودان.
وشدد أبو الغيط على أن حل مشاكل السودان لا يكون بالحرب أو التدخل العسكري «فمصر لن تضحي بدم جندي واحد في نزاع لا دخل لها فيه...، مصر ستساعد جيرانها في الجنوب وتحميهم، لكن ليس بالعنف أو الحرب».
ولفت أبو الغيط إلى أن مصر طرحت صيغة الكونفدرالية كي يصون طرفا الحكم في السودان علاقاتهما في المستقبل، وكي لا ينفجر الموقف أو يحدث صدام في ما بينهما. وأوضح أن الشمال أبلغ مصر أنه سينتظر إلى ما بعد الاستفتاء «كي لا نعترف بداية بأن الجنوب سيستقل». وأضاف «أما الجنوب، فقال: آخذ استقلالي ثم أفكر في شكل العلاقة المستقبلية»، وزاد ان «مصر طرحت فكرة الكونفدرالية كي تقول إنه إذا حدثت أعمال عنف فعليكم العودة إلى هذا الطرح».
وشدد أبو الغيط على أنه لا مشكلة في استقلال جنوب السودان من ناحية التأثير على حصة مصر من مياه النيل، مشيراً إلى أن اتفاق العام 1959 يحكم العلاقة بين مصر والسودان، ويقول إن المياه الواردة من الجنوب، سواء من النيل الشرقي أو النيل الغربي جنوباً، توزع بين مصر والسودان على أساس أن حصة مصر تبلغ 55.5 مليار متر مكعب والسودان 18 مليارا، والجنوب المستقل كدولة حديثة، ستكون التزاماتها مأخوذة من الدولة المورِّثة». وشدد على أن حصة مصر ستبقى كما هي، وفي الوقت نفسه ستسعى لمشاورات مع دول المنابع لزيادة منسوب النهر الذي تضيع من موارده في حدود 300 مليار متر مكعب يمكن الاستفادة منها عن طريق جهد مشترك.
لكن بسبب النيل، فإن مصر تكسب أكثر من السودان الموحد في ظل هيمنة الشمال. فالسودان هو حليف مصر في نزاعها مع دول حوض النيل الأخرى وانفصال جنوب السودان يعني إعادة تقسيم المياه- على الأقل- بين الشمال والجنوب وهو وضع سيجعل مصر تخسر حليفها الكبير بين دول حوض النيل.
انفصال الجنوب كان حالة خاصة بالنسبة لمصر التي طالما ساعدت الحركات الانفصالية في إثيوبيا وإريتريا كي تتمرد على الحكومات المركزية ومنها حزب «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعب إثيوبيا» بزعامة ميلس زيناوي رئيس الوزراء الحالي. وكانت الجبهة الثورية تتلقى مساعدات عسكرية ومالية مصرية عن طريق حكومة الخرطوم. ويرى بعض المحللين أن السودان كان القناة الرئيسية التي تستخدمها مصر في جهود زعزعة استقرار إثيوبيا.
موقف إثيوبيا
في السابق كان السودان القاعدة الرئيسية التي انطلقت منها كل الأعمال المناوئة لحكم منجستو هايلي مريام من مختلف دول العالم. وكان ذلك سببا دفع منجستو إلى دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان لدرجة أن طائرات عسكرية إثيوبية من طراز سي 130 شاركت المتمردين الجنوبيين في حربهم ضد الشمال.
لكن بعد سقوط منجستو بدأت حكومة الحركة الثورية بزعامة زيناوي إصلاح العلاقات مع السودان خشية أن يستضيف المتمردين الإثيوبيين بعد أن سلم عددا من المعارضين لحكومة زيناوي.
ومع انقلاب الغرب بزعامة الولايات المتحدة على السودان واختلاف البشير بالتبعية مع حكومتي أديس أبابا وأسمرة حاول زيناوي إصلاح العلاقات مع السودان وفي الوقت نفسه حاول دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان وكذلك المعارضة الشمالية السودانية، وفي الوقت نفسه ساعد قبائل البجا في شرق السودان في تمردها على حكومة الخرطوم.
وعليه انتقلت حملة ترعاها الولايات المتحدة لزعزعة نظام البشير والإطاحة به إلى أسمرة. وتحول البشير وزيناوي إلى ما يشبه التوءم السيامي كلاهما يحتاج إلى دعم الآخر أو على الأقل حياده. ووصل الأمر إلى أن تخلى زيناوي عن أراض للسودان من أجل إرضاء البشير. وفي المقابل، واصل نظام الخرطوم قمع المعارضة الإثيوبية في الوقت الذي ضيق الخناق على آلاف اللاجئين على أراضيه.
إن ما يحدث في جنوب السودان له أهمية استراتيجية كبيرة لإثيوبيا. فنظام منجستو العسكري كان يرى في تفتت الصومال أهمية كبرى لإثيوبيا وسعى إلى تسليح كل المنظمات الصومالية كي تحارب نظام سياد بري والتسبب في حال فوضى في الصومال. وقد نجحت هذه الخطة. وإلى اليوم لا يزال الصومال ممزقا.
والآن يسير نظام زيناوي في مسارين متوازيين: الأول هو العمل مع البشير، والثاني هو العمل مع الغرب لضمان انفصال جنوب السودان حيث يعمل زيناوي بالفعل هو وكينيا كقناة تسليح للجنوبيين في السودان.
يضاف إلى ما سبق أن إثيوبيا لا تشترك في حدود طولها 1600 كم فحسب مع السودان بل تشترك معه (خصوصا جنوب السودان) في النيل الأزرق شريان الحياة لكل من السودان ومصر.
موقف إريتريا
في أوائل التسعينيات عملت أسمرة مع واشنطن على زعزعة نظام الحكم في السودان بعد أن اختلف البشير مع الولايات المتحدة حيث فتحت إريتريا أراضيها لعملاء المخابرات المركزية الأمريكية وللحركة الشعبية لتحرير السودان ولأحزاب المعارضة السودانية الشمالية مثل حزب الأمة الوحدوي الديمقراطي. بل إنها ذهبت إلى ما هو أبعد بدعم التمرد المسلح في شرق السودان الذي شنه مؤتمر البجا وغيره.
كما أن إريتريا أرسلت سلاحا إلى متمردي دارفور وغذت حال الصراع العامة في السودان. غير أن هذا الموقف تغير تدريجيا مع ابتعاد حكام إريتريا عن واشنطن عقب اتهامهم لها بإذكاء المؤامرات للإطاحة بالرئيس أسياس أفوري. كما زاد سخط إريتريا من واشنطن حين رفضت الأخيرة الضغط على نظام زيناوي في إثيوبيا لاحترام حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي حكم لصالح إريتريا في نزاعها الحدودي مع إثيوبيا. غير أن تدخل إريتريا إلى جانب المتمردين الصوماليين (اصطفت إلى جانب الشيخ طاهر أويس أكثر من دعمها لحركة الشباب) عقد المشكلة. فالشاغل الاستراتيجي لإريتريا هو علاقاتها المضطربة مع إثيوبيا فكلا الدولتين تساعد المنشقين والمعارضين في الدولة الأخرى ضد النظام الحاكم وحاولتا شن حرب بالوكالة.
وتغير موقف إريتريا من السودان وفقا لهذا الشاغل الرئيسي. وحاليا فإن إريتريا أقرب للبشير من أي وقت مضي. وتفضل إريتريا في نهاية المطاف، سودانا موحدا عن قيام دولة مستقلة في جنوب السودان تخضع لهيمنة الغرب الذي يواصل اتهام إريتريا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
موقف بريطانيا والولايات المتحدة
لا تعارض الولايات المتحدة وبريطانيا إضعاف، ثم إزالة، نظام البشير. فهما ينظران إلى السودان باعتباره ملاذا للإرهاب حتى على الرغم من دور الخرطوم في تسليم الإرهابي الدولي المعروف كارلوس ابن آوي لفرنسا واقتراحها إلقاء القبض على أسامة بن لادن وتسليمه إلى السعودية، وتعاونها مع المخابرات المركزية الأمريكية. لكن على النقيض من هذه الصورة فإن وجود سودان كبير مصبوغ بالصبغة الإسلامية في القرن الإفريقي المتقلب، يعتبر تهديدا للمصالح الغربية.
ولهذا فإن انفصال جنوب السودان يعتبر خيارا جذابا يلقى تمويلا ودعما في السر والعلن من جانب الغرب. فالحملة التي يشنها الغرب بشأن دارفور تشير إلى جهد منسق لشيطنة نظام البشير وعزله، في تعبير واضح عن المعايير المزدوجة للغرب، ليس لأن نظام البشير لم يرتكب مذابح في دارفور، وإنما لأن أكثر من أربعة ملايين كونغولي قتلوا ولم يتحرك الغرب لنجدتهم مثلما فعل في دارفور. وفي حين تم تجاهل الإبادة الجماعية التي ارتكبها زيناوي في منطقة جامبيلا ضد المدنيين، تم أيضا تجاهل ما فعله كل من إدريس ديبي في تشاد وأوبيانج نجوما في غينيا الاستوائية. والسبب أن الأخيرين ببساطة سلما نفط بلادهما للشركات الغربية.
يضاف إلى ذلك أن السياسة الغربية تجاه السودان والمنطقة فشلت في إدراك الصورة ككل والعوامل التي توثر على معظم الدول في المنطقة.
وليس سرا أن السياسة الأمريكية وأفعالها فيما يخص السودان كانت واقعة تحت تأثير الإيجاد وممثل الأمم المتحدة لدى السودان هايلي مركريوس الإريتري الأصل والمؤيد للأمريكيين.
ومع أن السفارة الأمريكية في الخرطوم هي الأكبر في إفريقيا وهي مركز لمنطقة القرن الإفريقي عن بكرة أبيها إلا أنه لم يحدث أثناء العام 2010 أي تطور إيجابي في العلاقات بين السودان والولايات المتحدة رغم الزيارات المتكررة للمبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشن.
وكان إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان في الثاني من نوفمبر، أبرز مظاهر التوتر في علاقات واشنطن والخرطوم.
إن ما يحصل في جنوب السودان سيكون له تأثيره في دارفور والحالة الدرافورية من المتوقع أن تؤدي إلى «درفرة تشاد» على سبيل المثال، ومن ثم انتشار كرة الانفصال في جميع أنحاء إفريقيا عن طريق الدعم الطائش لانفصال جنوب السودان بدون دراسة تداعياته على منطقة القرن الإفريقي. فعن طريق هذ الدعم ربما يطلق الغرب فيروسا تقسيميا خطيرا في جميع أنحاء المنطقة بل وفي القارة ككل، قد يتحول إلى «تسونامي» حروب بالسودان ودول الجوارلا سيما في المناطق الملتهبة: غرب إثيوبيا، وشرق الكونغو، وشمال أوغندا.
موقف الصين
الصين غارقة لأذنيها في السودان وكذلك في الدول المجاورة بما فيها إثيوبيا، في محاولة لإرواء ظمأها من النفط وغيره من الموارد المعدنية.
بكين أيدت البشير، على طول الخط، وسلحت قواته وأعطته تأييدا دبلوماسيا ووصل الأمر بها إلى حد التدخل مباشرة وعسكريا إلى جانبه في جنوب السودان.
ولعل هذا العملاق الآسيوي يفضل استمرار الوضع الراهن. لكن الصين بدأت بمكر في مغازلة حكومة جنوب السودان وتقديم مناقصة لمد خط أنابيب من جوبا إلى لامو لتجاوز خطوط الأنابيب في الشمال.
ومع ذلك فإن قيام دولة منفصلة في جنوب السودان تميل إلى التحالف مع الغرب أكثر من ميلها إلى التحالف مع الصين، يجعل انفصال الجنوب غير جذاب بالنسبة للصين.لا ينبغي الاستخفاف بتأثير انفصال الجنوب. فسوف يتسبب في هزة للسودان وسيتحول كل الحديث عن طلاق ودي بين الشمال والجنوب إلى مجرد أضغاث أحلام بعد مرور فترة وجيزة على إجراء الاستفتاء وربما قبل انتهاء الفترة الانتقالية لقيام الدولة الجنوبية في يوليو 2011. فعلى عكس انفصال إريتريا الذي كان مدعوما من الجبهة التيجيرية الحاكمة في إثيوبيا، فإن حكومة الجنوب والخرطوم لم يكونا على ذات الوفاق. فعملية تسجيل الناخبين فقط تسببت في الكثير من المشاحنات كما فشل اجتماع أديس أبابا لحل مشكلة أبيي فشلا ذريعا في التوصل إلى أي حل مجد. كما أن انفصال الجنوب سيثير تحركات مماثلة في دارفور وربما في شرق السودان وربما ينشطر السودان إلى دويلات صغيرة. وما زال قبول الشمال لانفصال الجنوب محل شك. فعلى الرغم من وعود البشير بأن يكون أول من يعترف باستقلال الجنوب فلا توجد ضمانة بأن الجيش السوداني والدوائر السياسية في الشمال ستتسامح مع أي انفصال. وبالتالي فإن خطوة الانفصال قد تؤذن بنهاية نظام البشير. كما أن المحكمة الجنائية الدولية عكرت الموقف بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير بسبب ما تقول إنه جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
الأسئلة المفتوحة:
إن العام 2010 ينقضي تاركا العديد من الأسئلة المفتوحة: فهل سيجري فعلا استفتاء التاسع من يناير؟ وإذا أجري فعلا ففي ظل أي أحوال؟ وهل سيجرى استفتاء أبيي الآن بعد أن تم تأجيله إلى تاريخ غير محدد؟ وإذا أجري هذا الاستفتاء ففي ظل أي ظروف؟ وهل ستقبل حكومة البشير بنتيجة الاستفتاءين؟ إن كل هذه أسئلة حيوية تنتظر إجابات نهائية.
وليس سرا أن الميليشيات الجنوبية المسلحة التي تقاتل حكومة الجنوب المشكلة من قبائل الدينكا تلقى دعما من الخرطوم. وفي السنوات القليلة الماضية، قتل ما لا يقل عن 25 ألف شخص ومئات، ونزح مئات الآلاف جراء الاقتتال بين الجنوبيين.
إن الجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان منقسمة على نفسها. وما زال قادة سابقون بالحركة من أمثل الجنرال جورج أثرور دينج دوت من ولاية جونجلي، والميجر جنرال جابرييل تانجيني ومجموعتان مسلحتان أخريان منهما مجموعة الكولونيل جاتلوك جاي، الذي تمرد في ولاية الوحدة- ما زالوا خارج السرب ولم يندمجوا مع الجبهة الشعبية لتحرير السودان.
ويمكن توقع مزيد من الانشقاقات في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» حتى بعد الاستقلال.
ومثل دارفور وقبائل البجا، يتمرد نوبة ولاية جنوب كردفان وقبائل الفوج والأنقسا بولاية النيل الأزرق الجنوبية. فقد هدد قادة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتين شملهما اتفاق السلام في جنوب البلاد، بالمطالبة بحق تقرير مصير المنطقتين أسوة بالجنوب، في حال لم تحافظ الخرطوم على مكتسبات الاتفاق، ولم تشاورهما في تعديل الدستور، عقب الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.
والنتيجة شبه المؤكدة أن انفصال جنوب السودان سيشعل فتيل الانفصال والتصدعات في السودان. وسيكون لهذا الكثير من الآثار غير المرغوب فيها على المنطقة ككل؛ إذ إن الانفصال والسلام لا يتعايشان معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات