بقلم سليمان جودة ١٢/ ١٢/ ٢٠١٠ |
أبدأ فأعتذر عن خطأ وقعت فيه، صباح أمس الأول، حين قلت فى هذا المكان، إن الرئيس البرازيلى «لولا دا سيلفا» خسر انتخابات الرئاسة التى جرت فى بلاده مؤخراً.. فحقيقة الأمر، أن الرجل لم يدخل الانتخابات حتى يخسرها، وإنما كانت قد انتهت فترتان له فى رئاسة الجمهورية، فتمسك بعدهما بألا يخوض الانتخابات مرة أخرى، رغم أن المنافقين من حوله، وما أكثرهم حول كل رئيس، قد راحوا يزيّنون له الأمر، وراحوا يحرضونه على تعديل الدستور، ليسمح له بالبقاء، ولكنه صمم على رأيه، وكان تقديره، ولايزال طبعاً، أن فترتين فى قصر الرئاسة تكفيان جداً له، ولغيره، مهما كان الرئيس عبقرياً فى أدائه! وما هو أجمل من هذا، فى سيرة الرئيس «سيلفا»، أنه رشح للناس امرأة من بعده، وأشار إلى أنها تصلح لأن تخلفه فى منصبه، وقد كانت هى تعمل كمعاونة له، وكانت عضواً فى حكومته، وكانت تتولى موقعاً أقرب ما يكون إلى موقع وزير شؤون مجلس الوزراء عندنا، ولكنه من ناحيته رآها قادرة على قيادة البلاد من بعده، ونصح الناخبين بأن يعطوها أصواتهم، وقال - ما معناه - إنه لا يفرضها، ولا يفرض غيرها عليهم، وإنما إذا سألوه عن رأيه، فسوف يرى أن هذه السيدة تصلح.. وما بعد ذلك يظل شأناً خالصاً للناخبين، إذا شاءوا منحوها أصواتهم، وإذا شاءوا منعوا عنها الأصوات! وما حدث أنها فازت بجدارة، وسوف تتسلم موقعها فى القصر، بعد شهر من الآن، وأغلب الظن أن المواطن البرازيلى، حين منحها صوته، فإنما كان يفعل ذلك عن ثقة فى رأى الرئيس «سيلفا»، أصلا، وكان هذا المواطن ذاته على يقين، بأن «سيلفا» الذى كان صادقاً معهم، طوال فترتين رئاسيتين، لن يخذلهم إذا ما جاء ليرشح أحداً لهم من بعده.. ففى سنوات قليلة، يمكن إحصاؤها على أصابع اليدين، نقل بلاده من بلد ينتمى إلى العالم المتخلف، ويكاد يسقط من الإعياء فى شتى المجالات، إلى دولة تقفز إلى جوار بلاد العالم المتطور رأساً برأس! حدث ذلك على يد «سيلفا»، ذلك العامل البسيط، الذى عمل لفترة من حياته ماسحاً للأحذية، فلما صار رئيساً كانت عيناه على بلده، وكانت عنده أولوية أولى وأخيرة، هى أن ينقل البلد إلى حيث يجب أن يكون! كان الرجل متسقاً مع نفسه، فى كل أحواله، منذ كان عاملاً لا يملك غير بساطته، ثم عندما أصبح رئيساً، فلم تذهب السلطة بعقله، ولم تغيّر فى قناعاته شيئاً، وأخيراً كإنسان صاحب ضمير رفض أن يدوس على الدستور ليبقى، حتى ولو كان الذين من حوله قد راحوا يمارسون الإغراء عليه، دون جدوى! كان فى إمكان الرجل أن يبقى، ولو كان قد استفتى شعبه، فإن الشعب كان قطعاً سوف يميل إلى إبقائه، لأنه أنجز لهم ما لم ينجزه رئيس عندهم من قبل، ولكن «سيلفا» كان عنده من العقل ما يكفى، لكى يدرك به، أنه لو بقى فترة ثالثة، وعاشرة، فسوف يستن سنة سيئة، يحمل وزرها، ووزر من يعمل بها من بعده، وكان بلده سوف يخسر ويدفع الثمن، وكان هو، كشخص، سوف يكسب طبعاً، غير أنه قدم بلده على نفسه.. وتوارى ليبقى بلده فى الصورة.. كم هو رجل عظيم! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات