الأقسام الرئيسية

مصر والمصير المجهول

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم د.حسن نافعة ١٧/ ١٢/ ٢٠١٠

لو كان الرئيس مبارك يهتم حقا بمستقبل هذا البلد لما ترك رجال الحزب الحاكم يعبثون بمصيره إلى هذا الحد. وأظن أنه لم يعد خافياً الآن على أحد أن التعديلات التى أقحمت على الدستور عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٧، التى يعتبرها الحزب الحاكم أحد أهم إنجازاته، أوصلت مصر إلى منحدر وعر، ولأنها تعديلات صممت فى الأساس للتحكم فى كيفية اختيار رئيس الدولة فى مرحلة ما بعد مبارك، دون أن تتمكن من العثور على طريقة إخراج صحيحة ومقنعة، تبدو مصر الآن كسفينة تائهة وسط الأنواء، يتقاذفها الموج من كل مكان.

فقد تم تضييق الخناق على الشعب المصرى والتضييق على حريته فى اختيار رئيسه، وذلك بإجباره على المفاضلة بين خيارين أحلاهما مر: فإما التمديد لرئيس فى منتصف الثمانينيات من عمره، أو القبول بنقل السلطة إلى الابن، من خلال عملية قيصرية. ويكفى أن نستعرض مسيرة الانتخابات الرئاسية منذ بدأ العمل بها عام ٢٠٠٥ وما تحمله من آفاق، تبدو أقرب إلى الكوابيس، لنصل إلى هذه النتيجة.

فالتعديلات الدستورية التى أدخلت عام ٢٠٠٥ على المادة ٧٦ من الدستور، ونقلت طريقة اختيار رئيس الجمهورية من نظام الاستفتاء إلى نظام الانتخاب بالاقتراع العام المباشر، لم تسمح إلا لعدد محدود من مرشحى الأحزاب السياسية، ومعظمها أحزاب ورقية، بخوض أول انتخابات رئاسية فى التاريخ المصرى جرت فى العام نفسه، لذا أصبحت هذه الانتخابات أقرب ما تكون إلى مسرحية هزلية، بل وصل الهزل بأحد المرشحين فيها من رؤساء تلك الأحزاب الورقية إلى حد التصريح علناً بأنه سيعطى صوته للرئيس مبارك! ومع ذلك فإن مقارنة ما جرى فى أول انتخابات رئاسية بما قد يحدث فى انتخابات العام القادم، خصوصا إذا أدت الانشقاقات الحالية فى حزب التجمع إلى تغيير قيادته وسحب نوابه من مجلس الشعب، يجعل انتخابات ٢٠١١ تبدو بالغة الجدية، فالتعديلات التى أعيد إدخالها على المادة ٧٦ عام ٢٠٠٧ أحالت الوضع السياسى فى مصر إلى نوع من الكوميديا السوداء، حيث أصبح العثور على نعمان جمعة آخر أو أيمن نور آخر مسألة شديدة الصعوبة! أما عن حجم الهزل الذى يمكن أن يحيط بانتخابات الرئاسة فى ٢٠١٧، فحدث ولا حرج.

قد لا يدرك كثيرون أنه يفترض أن تجرى انتخابات ٢٠١٧ وفقا لأحكام مختلفة عما طبق حتى الآن وما سيطبق فى انتخابات ٢٠١١، والتى تعتبر أحكاما انتقالية لفترة محدودة، مدتها عشر سنوات، تبدأ من منتصف ٢٠٠٧، فالأصل يقضى بوجوب حصول أى حزب على ٣% على الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى كى يسمح له بالتقدم بمرشح رئاسى. ومعنى ذلك أن جميع الأحزاب التى يقل مجموع ما لديها من مقاعد فى مجلسى الشعب والشورى عند حلول موعد انتخابات عام ٢٠١٧ عن ٢١ مقعدا، لن يكون بمقدورها خوضها.

ولأن أياً من الأحزاب السياسية فى مصر، باستثناء الحزب الحاكم، لم يتمكن من الحصول على هذا الكم من المقاعد فى أى انتخابات جرت بعد التعديلات الدستورية، يبدو واضحا أن الحزب الحاكم سيخوض الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٧ منفردا، إذا استمرت الأوضاع على ما هى عليه الآن. الغريب أن المادة ٧٦ من الدستور تبيح الاستمرار فى العملية الانتخابية حتى لو لم يكن هناك سوى مرشح واحد، وهو ما سيعود بنا إلى نظام أشبه بنظام الاستفتاء!

مما يؤكد أن تمرير «مشروع توريث السلطة»، الذى كان مقررا البدء فى وضعه موضع التطبيق مع حلول انتخابات ٢٠١١، كان الهدف الأساسى من هذه التعديلات. ولأن مهندسيها افترضوا أن تنجح تعديلاتهم فى تمرير المشروع بسلاسة، وهو ما لم يحدث، فقد بدأت الأمور تخرج بالفعل عن نطاق السيطرة، وهو ما يفسر الارتباك الراهن فى الحياة السياسية المصرية.

يتردد الآن أن الرئيس مبارك سيكون مرشح الحزب الوطنى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وأن البحث يجرى عن بديل يصلح لقيادة مرحلة انتقالية، إذا استدعت الضرورة، والمؤكد أن من يفكرون بهذه الطريقة لا يحبون مصر وشعبها. التفكير فى إنقاذ مصر المستقبل يبدأ بإلغاء المادة ٧٦ وإحلالها بمادة من سطرين فقط، تتيح للشعب المصرى أن يختار رئيسه فى انتخابات حرة نزيهة يمكن مراقبتها محلياً ودولياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer