الخميس، 23 ديسمبر 2010 - 18:54
ليس الدكتور محمد البرادعى مصطفى كامل ولا أحمد عرابى ولا حتى ناشط ولا متظاهرا ولا معتقلا سابقا ولا منفيا عائدا لوطنه، وليس هو نيلسون مانديلا أو لينين أو جيفارا.
وليس النظام الحاكم فى مصر بإنجلترا أو فرنسا أو إيطاليا أو أى دولة استعمارية احتلت أجزاء من الوطن العربى خلال القرون الماضية.
وليس الشعب المصرى- موديل 2010- هو نفسه موديل 1919أو 1805أ وحتى 1973 فهو ابن أحدث ماركات السيارات والموبايلات والمأكولات السريعة وأحدث طرق التواصل بين الشباب والفتيات والنوم ليل نهار أمام الفيس بوك وما على شاكلته والبكاء على وفاة فنانة مغمورة والانتحار على لاعب اعتزل لإصابته بكسر فى أصبع قدمه الصغير، طبعا إلا ما رحم ربى.
مر عام على رحيل البرادعى وفى نفس الوقت على مولده إن جاز التعبير.. ففى نوفمبر من عام 2009 رحل الدكتور محمد البرادعى عن منطقة النووى ليدخل فى منطقة السياسة، فترك السياسة عالميا لينخرط فى معترك السياسة المحلية، وبالتأكيد محاوراته وأسلوبه الدبلوماسى الذى كان يتعامل به طوال سنوات عمره بالخارج- منها 12 عاما فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية- يختلف عن التعامل مع السياسة المحلية، لأننا لم نحترف سياسة بعد وإنما تعودنا على التسيس والمسايسة.. إذاً هو عام على رحيله من النووى وعلى مولده سياسيا محليا.
فلماذا جاء الدكتور البرادعى هل جاء من أجل الحرية والكرامة واستعادة المفقود، وهل جاء لرفع قانون الطوارئ ومن أجل إشراف القضاء على الانتخابات ومن أجل تعديل المواد 76 و77 و88 من الدستور؟
كل هذه مطالب موجودة منذ عهد الإنسان الأول، وقبل الدكتور البرادعى كنا نطالب وندعو إليها، وكان أعضاء مجلس الشعب المعارضون– بالنسبة لما نراه –هم الذين ينادون بذلك فما الجديد الذى من أجله جاء الدكتور البرادعي؟
أنا لست مع أو ضد طرف على حساب الآخر ولست يائسا أو محبطا، ولكن بالعقل تعرف الأشياء وتحسب.
لم عدت يا دكتور محمد أجئت ساخرا أم جئت ساحرا؟.
إذا كنت قد جئت ومعك آمال طوال، فقد أخطأت لأنك لم حساباتك جيدا، فالسباحة فى مياه البحر ليست كالسباحة فى مياه النهر بل إن السباحة فيه تختلف عن سباحة الترع، للأسف انتقلت يا دكتور محمد بنفس أدوات السباحة فى العلوم والنووى والمفاوضات، إلى السباحة فى مياه ضحلة اسمها السياسة المحلية "تربيطات، ومصالح، وحسابات، وأحيانا تصل إلى البلطجة بكل أنواعها".
أجئت تدعى أن معك خاتم سليمان.. عفوا فقد تخليت عن الناس قبل أن تقف لجوارهم لم نرك فى انتخابات مجلس الشعب لا مرشحا ولا ناخبا ولو حتى عن طريق (البروبوجاندا) الظهور لمجرد الظهور.
ولا أعلم لماذا أصابتنى-يوما- فكرة شيطانية وهى أن البرادعى سيرأس حزبا أو على أقل تقدير يكون عضوًا فى حزب ما ويقوم بتمويل عدد من المرشحين يضمن له النجاح فى اختياره رئيسا للجمهورية، لكنى مثل الشعب كنت نائما لدرجة أنى استفقت على هذا الكابوس الرهيب لقد اختفى الدكتور البرادعى واختفت معه آمال البسطاء الذين ظنوا أنه المحرر لهم.
اختفى لأن الشعب المصرى اختفى أيضا فالسنوات التى عاشها البرادعى فى الخارج جعلته يقف على واقع غربى لن يجده فى مصر وهو أن أى حزب كالمحافظين مثلا يكون اليوم على رأس الوزارة وغدا يصعد مكانه حزب العمال فى إنجلترا مثلا.
لكن الواقع مرير.. هنا فى مصر
الواقع تمثل فى عبارة قالها البرادعى وياليتها تكون مدسوسة عليه حينما قال ("لن أقبل بغير الترشح للرئاسة) إذا هدفك الكرسى فلا تقبل أن تكون عضوًا فى مجلس الشعب أو سياسيا " اتمرمط "فى بلاط السياسة ولا مناضل ولا مجاهد، وإنما تريد من الشعب أن يأتى إليك بالكرسى لتجلس عليه ونحن طوع أمرك.
فى المقابل نجد الشعب يريد الحرية والديمقراطية والتغيير.. من البرادعى وهم أمام التليفزيون يساندونه معنويا، المشكلة تكمن فى أن الشعب اعتمد على الدكتور البرادعى وهو اعتمد على الشعب وكلاهما خذل الآخر.. لأنهما "الشعب والبرادعي"فى غيبوبة عن الواقع ألا وهو.
مستحيل أن يغير البرادعى وجبهته الدستور لأن القرار بيد رئيس الجمهورية.
مستحيل أن يساند البرادعى تكتلٌ له وزن فى البرلمان للمطالبة بتعديل الدستور.
مستحيل أن يترك المخضرمون السياسيون المعارضون البرادعى يصل لسدة الحكم وتكون أدوارهم ثانوية.
مستحيل تكوين حكومة انتقالية لأن ذلك بيد رئيس الدولة وليس البرادعي.
ومستحيل أن يتولى البرادعى مقاليد حكم مصر لأنه يحمل جنسية أجنبية" النمسا".
مستحيل.. مستحيل.. مستحيل.
جاءت هذه المستحيلات لأنه وضع نفسه والشعب فى هذا بعد أن كانت الأمور يسيرة أمامه يعرفها تلميذ أولى ابتدائى سياسة.
كانت أمامه فرضة إلقاء بيانه الأول من حضن مصر وليس من الخارج كالمغضوب عليهم.
كانت أمامه فرصة الانتماء لأى حزب حتى يحق له أن يترشح للانتخابات الرئاسية.
كانت أمامه فرصة أن يتخلى عن ازدواجية جنسيته ويكسب بذلك ود المصريين الطيبين.
كانت أمامه فرصة الوقوف على مدى شعبيته من خلال ترشحه لانتخابات مجلس الشعب.
كانت أمامه الفرصة لأن يخاطب المعارضة فى مجلس الشعب الماضى لتتكاتف لتعديل الدستور دون النظرة المتعالية التى فيها الند بالند للرئيس مبارك وكأنه يطالبه بالتعديل كما يطالب رئيس دولة نووية لفتح منشآتها.
وطنيتك وإخلاصك لبلدك لا خلاف عليه لكن هناك من أوقع بك فى فخ السياسة التى لا ينفع معها رجل من ذوى الياقات البيضاء والبايب والأيدى الناعمة.
للأسف أزعجت بعض المصريين من نومهم.. لكن هوجة وتعدى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات