قسوة هجوم الثلوج على أوروبا، جاءت هذا العام مفاجئة ومرهقة، لكن الغريب أن بلاد الثلوج الدائمة بدت وكأنها فوجئت بها أيضاً. وروسيا التي قادها «الجنرال ثلج» من نصر إلى آخر على غزاتها، وأرهق جيوش نابليون وهتلر في عهود مضت، وردها على أعقابها، بدت هذا العام عاجزة أمام اجتياح الثلوج، وكأن سلاحها الأمضى على مر الزمان خانها وانقلب عليها.
المطارات معطلة منذ ايام، وعشرات الألوف تكدسوا فيها بانتظار الفرج. التيار الكهربائي انقطع عن مئات الألوف من المنازل وترك مناطق كبيرة تتجمد برداً. اكوام الثلوج غطت مدناً بأكملها بينها موسكو وأظهرت مدى تدهور خدمات تنظيف الشوارع والمرافق العامة.
والأسوأ أن انقطاع التيار أصاب شبكة النقل العام المعتمدة على الباصات والقطارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، ووصل الى إشارات المرور التي توقفت عن العمل في العاصمة لبعض الوقت، مضيفة تهديداً جديداً إلى مخاطر التنقل في الشوارع مع ارتفاع حاد في معدلات حوادث السير.
وبدا أن العجز عن مواجهة الموقف لا يختلف كثيراً عن مشهد روسيا الصيف الماضي، عندما التهمت نيران حرائق الغابات بلدات وقرى بأكملها، وغطت سحب الدخان موسكو ومدن أخرى لأسابيع طويلة.
في الحالين بدت موسكو غير مستعدة لمواجهة تقلبات الطبيعة، ومع ارتفاع أصوات تدعو الى إجراء مراجعة جدية ومحاسبة المقصرين عن اداء واجباتهم، فإن الأهم من ذلك أن هجوم الطبيعة بنوعيه كشف تدهور أحوال البنى التحتية التي أصابتها الشيخوخة ولم تتعرض لعمليات تحديث جدية منذ انهيار الدولة السوفياتية.
ثمة عبارة دائمة الترديد تلخص في شكل واضح أحوال البلاد، مفادها أن روسيا ما زالت تعيش على امجاد الدولة العظمى في السابق... وليس المقصود الأمجاد العسكرية والقدرات النووية وصناعات الفضاء المتطورة وحسب، بل تنسحب العبارة على كل مناحي الحياة، وخصوصاً ما يتعلق بالمرافق الأساسية للبنى التحتية التي باتت بحاجة ماسة لإعادة بناء وتحديث، ليس فقط لمواجهة تقلبات الطبيعة، بل ولتجنب كوارث جدية باتت محدقة. ولا يكاد يمر شهر من دون أن تقع حوادث مأسوية تدل الى تدهور حاد في أوضاع البنى الأساسية. من انفجارات أنابيب امداد الغاز الى المجمعات السكنية التي غدت «ظاهرة طبيعية جداً» الى آلاف الحوادث في المصانع والمناجم وصولاً الى الطرق والشوارع المسؤولة بحسب مراكز مختصة عن ثلث حوادث السير التي تقتل سنوياً في روسيا قرابة اربعين الف نسمة.
وتشير دراسة حديثة إلى حاجة روسيا الماسة لمد الوف الكيلومترات من الشوارع الحديثة، ولتحديث شبكة السكك الحديد الضخمة، التي بني الجزء الأعظم منها قبل نحو نصف قرن.
وبحسب تقديرات وزارة الطوارئ المسؤولة التي راكمت خبرة كبيرة في مواجهة الكوارث اليومية منذ سنوات، تعاني غالبية المجمعات السكنية في الإقليم الفيديرالي المركزي الذي يضم العاصمة ومدناً أجرى، من وصول نسبة الشيخوخة والترهل في تمديدات المياه والمجاري والتدفئة وشبكات الكهرباء إلى سبعين في المئة، ما يعني أنها معرضة يومياً للإصابة بأعطال خطرة.
ونشرت الوزراة، ضمن تقرير خاص تناول توقعات العامين 2010 و2011 على صعيد الحوادث المحتملة، لائحة ضمت أسماء 13 مدينة كبرى بينها موسكو وسان بطرسبورغ قالت أنها الأكثر تعرضاً للخطر.
وبين المعطيات الأخرى أن خمس محطات كبرى لتوليد الكهرباء استنفدت 85 في المئة من قدراتها ووصلت الى نهاية عمرها الافتراضي تقريباً.
وعموماً تشير الدراسة إلى أن 60 في المئة من شبكات امداد المياه والمجاري والتدفئة والكهرباء باتت في حاجة فورية الى اعادة بناء وعمليات تحديث شاملة.
واللائحة تطول وتشتمل على إحصاءات وتفاصيل تكاد تطاول كل قطاعات البنى الأساسية. أرقام ونسب تقرع بقوة اجراس الخطر، فالشتاء ما زال في بدايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات