أحد أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين لحزب الله يقول إن جنوبية بعثت له برسالة قالت فيها إنها تسكن «مدن الخوف»
|
أن تكون رجل دين شيعيا في لبنان، يعني عموما أن تكون مؤيدا لحزب الله. قليلون يشذون عن القاعدة. ولعل أبرزهم وأكثرهم جرأة في الحديث علانية، العلامة السيد علي الأمين الذي شغل منصب المفتي الجعفري للطائفة الشيعية في صور وجبل عامل (جنوب لبنان) حتى عام 2008. وقع «الفراق» مع حزب الله، بعد أن اعترض على الحرب بين الحزب وإسرائيل. فأزيل من منصبه، في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التابع لرئاسة الوزراء، بطريقة غير شرعية كما يؤكد. وطُرد من مدينته بقوة السلاح.
يعيش العلامة الشيعي اليوم في بيروت، في منطقة سنية، لأنها «أكثر أمنا من المناطق الأخرى المحسوبة على الأحزاب الشيعية». ما حصل معه، يقول إنه كان رسالة لرجال الدين الشيعة الآخرين الذين يحاولون التعبير عن موقف مخالف لـ«الثنائية الشيعية»، أي حزب الله وحركة أمل. ولكن البعض يجادل بأن الأمين، والمعارضين لحزب الله عموما، ليسوا إلا أصواتا نشازا داخل الطائفة الشيعية، ولا يمثلون فئة كافية تستحق الذكر. إلا أن الأمين يقول إن تنحيته كانت لأنه أصبح «مرجعية» لمجموعة كبيرة داخل الطائفة الشيعية كانت تتطلع إلى الرأي الآخر. ويروي أن امرأة جنوبية بعثت إليه برسالة منذ مدة، قالت فيها: «نحن الذين نسكن مدن الخوف، نؤيدك في الرأي، ولكننا نسكن مدن الخوف».
لا يتردد في اتهام حزب الله بممارسة الإرهاب والقمع ضد رجال الدين الشيعة في لبنان، وضد المواطنين الشيعة عموما. يقول إن رجال الدين «ليسوا ملائكة إنما بشر»، ويخضعون لعوامل الترهيب. وعندما نذكر الأمين بأن المواطنين الشيعة هم الذين أوصلوا حزب الله إلى الحكم عبر التصويت لمرشحيه في الانتخابات النيابية، يرد: «ولكن صدام حسين كان ينتخب من الشعب!».
يشكو من «غياب تكافؤ الفرص» على الساحة الشيعية التي تمنع أفرقاء آخرين من التنافس مع حزب الله. يقول إن الحزب «يمتلك السلاح والمقدرات والإمكانات المالية»، وأصبح بالتالي قوة الأمر الواقع. ولكن لا يلوم الأمين إيران فقط على وصول حزب الله إلى موقع حيث بات يختزل الطائفة الشيعية. يلوم الدولة اللبنانية والحكومات الغربية سواسية. يقول: «الدولة اللبنانية ملامة لأنها تمرر المساعدات العربية التي تصل للمواطنين في الجنوب (معظمهم من الشيعة) إلى حزب الله وحركة أمل لكي يوزعونها، وهذا يؤدي إلى ارتباط الناس بهم». ويضيف: «الحكومات الغربية تنتقد حزب الله وأمل ولكنها لا تدعو غيرهما من ممثلي الطائفة الشيعية لكي تتحدث إليهما، وهذا يكرس أيضا الأحادية».
معارضو الأمين، يتهمونه بأن «له ارتباطات غربية» قد تكون تحركه. وقد تكون زيارته إلى لندن حيث التقت به «الشرق الأوسط»، للمرة الثانية خلال بضعة أشهر، عاملا غير مساعد بإبعاد هذه الشائعات عنه. ولكن الأمين يرد بالقول إن الأطراف الأخرى «ممن تسمى بالمعارضة المسيطرة على السلطة»، هي دائما في حالة زيارات كثيرة إلى لندن والدول الغربية. وعلى أي حال، يؤكد أن زيارته هدفها ديني وثقافي. ينفي أن يكون لديه طموحات سياسية تحركه، أو أن يكون هدفه تأسيس حزب شيعي معارض لحزب الله. ولكن الأمين الذي يعتبر أنه «لم يكن هناك جدوى من تأسيس حزب الله منذ البداية»، يقول إن الطائفة الشيعية لديها من الرجال القادرين على تأسيس حزب كهذا، إذا تخطوا الترهيب. ويعد بأنه سيكون مدافعا عن حقهم في حرية الرأي والتعبير.
* هذه ثاني زيارة لك إلى لندن خلال شهرين، ما سبب هذه الزيارة؟
- السفرة الأولى كانت بسبب الارتباط ببرنامج حواري للتقريب في وجهات النظر الدينية والإسلامية خلال شهر رمضان، على قناة «المستقلة»... ومن ثم دعيت مجددا خلال هذا الشهر لبرنامج آخر حول برنامج حواري ديني أيضا يهدف للتقريب في وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية.
* هل التقيت مسؤولين بريطانيين، أو ستلتقي بهم؟
- لا لم ألتق بأحد من المسؤولين. لا توجد لي علاقات مع مسؤولين هنا في الإدارة البريطانية.
* تتناول في البرنامج الذي تسجله في لندن الحوار بين الطوائف والمذاهب، ولكن مواقفك من حزب الله متشددة، ألا يعقد ذلك من الحوار بين المذاهب الذي تدعو إليه؟
- المواقف التي نأخذها في وجه حزب الله وسائر الحركات التي تعتبر متطرفة، دينيا وسياسيا، هي من أجل خدمة الاعتدال الديني الذي يخفف من الاحتقانات المذهبية والطائفية والدينية. ولذلك نحن في مواقفنا من حزب الله، هي مواقف سياسية في الحقيقة نتيجة اختلافه مع وجهات نظر عموم اللبنانيين حول مشروع الدولة وحول مرجعية الدولة أيضا، هذا ما يجعلنا نختلف معه. وعندما نختلف معه، لا يعني ذلك أننا لا نتفق معه في بعض وجهات النظر الدينية.
* سنتحدث بالتفصيل عن علاقتك بحزب الله لاحقا، ولكن قبل ذلك هل لك أن تخبرنا أين تعيش اليوم في لبنان؟
- ما زلت منذ أحداث مايو (أيار) 2008، أعيش في بيروت، ولم أرجع إلى الجنوب. لا يزال مركز الإفتاء الذي كنت أشغله محتلا من القوى الحزبية المحلية، وحولوه لمركز حزبي بعد أن كان مقرا لدار الإفتاء الجعفري. ولا يزال مكتبي والمستندات وأغراض المنزل، لأني كنت أسكن بنفس المبنى، بأيدي القوى الحزبية المحلية. ولم نعد إلى الجنوب، لذلك بقيت مضطرا إلى السكن في بيروت، وفي المنطقة الغربية، في منطقة الحمرا أو منطقة قريبة من الحمرا والروشة. وأمنيا هذه أفضل من المناطق الأخرى المحسوبة على الأحزاب الشيعية في الضاحية مثلا، لأن هناك حالة من الاصطفافات المذهبية والطائفية.
* كنت تتلقى تهديدات في السابق، هل ما زلت تتلقى أي تهديدات اليوم؟
- موجودة بالطبع من خلال المقاطعة ومن خلال الدعايات التي تبث بين فترة وأخرى من قبل أشخاص أو أحزاب معينة.
* كم تقضي من وقتك خارج بيروت أم لبنان؟
- لا أخرج من بيروت إلا نادرا، ولا أغادر لبنان إلا عندما أدعى إلى المشاركة في محاضرات.
* ليس هناك نوع من الهروب من الأوضاع الأمنية في لبنان؟
- نحن يصيبنا ما يصيب الناس، ليس تخوفا من الوضع، إنما أنا خلال هذين الشهرين الماضيين، سافرت تلبية لدعوات. في بعض الأحيان أدعى لمؤتمرات، كما الحال في الشهر المقبل... ليس من باب الفرار من الواقع الأمني الذي نعيشه، لأن الواقع لا توجد هناك حماية حقيقية للشخصيات في لبنان أو لعموم اللبنانيين.
* وهل هناك خوف خاص في هذه المرحلة بالذات بسبب التوترات التي قد تنتج عن صدور القرار الاتهامي المرتقب باغتيال الحريري؟
- لا، أنا سأعود إن شاء الله عندما أنتهي هنا.
* من ضمن حملات تشويه سمعتك، يتهمك البعض بأن لك ارتباطات بأطراف غربية، ألا تعتقد أن بسفرك إلى لندن، يساهم ذلك بزيادة هذه الشائعات؟
- كثير من أطراف من يسمى بالمعارضة المسيطرة على الحكم في لبنان، هي دائما في حالة زيارات كثيرة إلى لندن والدول الغربية عموما. نحن جئنا من خلال عملنا الديني والثقافي وليس عملا سياسيا.
* هل ما زلت على اتصال بمؤيديك ومناصريك في الجنوب؟
- هم يأتون إلي من عموم الجنوب ومن المناطق الشيعية، يأتون لزيارتي في بيروت ونتواصل معهم.
* هل يطلبون منك العودة إلى الجنوب؟
- قسم منهم بالطبع يقول ذلك، ولكن هؤلاء ليس بإمكانهم أن يفعلوا شيئا، لا هناك قوة حزبية مهينة، وقوة السلاح موجودة. نحن لم يخرجونا بالورود والرياحين، وإنما أخرجونا بقوة السلاح، وهذا السلاح لا يزال موجودا. ومن جملة الرسائل التي وصلتني قبل مدة من سيدة من الجنوب، قالت نحن الذين نسكن مدن الخوف، نحن معك في الرأي ولكن نحن نسكن مدن الخوف. هناك خوف موجود في الجنوب.
* أنتم من رجال الدين الشيعة الوحيدين تقريبا في لبنان الذي يتخذ موقفا معارضا من حزب الله، هل يتطلب هذا الأمر جرأة أو ماذا؟
- لا أعتبر نفسي وحيدا، ولكن هناك آراء كثيرة لم تطفُ على الساحة الإعلامية. الآراء المعارضة موجودة حتى من بين رجال الدين. ولكن رجال الدين ليسوا ملائكة، إنما بشر، هناك عوامل خوف وترهيب...
* هل تقصد أن حزب الله يمارس الترهيب على رجال الدين الشيعة؟
- طبعا طبعا، وليس فقط الترهيب، التخويف من إبعادهم من مناصبهم ومواقعهم...
* كما حصل معك؟
- ما فعلوه معي كان رسالة لكل رجال الدين الآخرين الذين يحاولون أن يظهروا موقفا مخالفا، عندئذ قاموا بما قاموا به معنا لكي يقولوا لكل من يفكر بأن يظهر موقفا معاديا للثنائي الشيعي، بأن هذا مصيره.
* علاقتك قديمة بحزب الله، منذ أيام إقامتك في طهران في الثمانينات؟
- العلاقة بقيادات الصف الأول بحزب الله تبدأ من النجف، العراق، في السبعينات، مثلا الشيخ صبحي الطفيلي وعباس الموسوي. ثم قسم من قيادات الصف الأول أيضا التقيت بهم في إيران بعد أن انتقلنا إلى انتصار الثورة الإسلامية في الثمانينات، كنت مدرسا. على العموم قيادات الصف الأول هم زملاء وأصدقاء دراسة، وقسم منهم درس عندي مثل الشيخ نعيم قاسم والشيخ عبد الكريم قبلان وهاشم صفي الدين. كنت مدرسهم وكانوا يرجعون إلي باعتباري مدرسا في الفقه والأصول.
* ماذا عن السيد حسن نصر الله؟
- كان تلميذا في مرحلة قصيرة جدا.
* ما كان رأيك بتأسيس حزب الله في البداية عندما تم تأسيسه؟
- لم أكن موافقا على مشروع تأسيس الحزب، خصوصا أنه كان هناك موجود حزب لدى الطائفة الشيعية اسمه حركة أمل، وهذا الحزب الذي أسسه الإمام الصدر كان له أيضا تطلعات دينية، بحيث لا يوجد مبرر لإنشاء حزب جديد.
* يعني لم تكن من أحد مؤسسي حزب الله كما هو شائع؟
- لا لم أكن من المؤسسين، ولكن كما قلت الذين أسسوا الحزب في ذلك الحين، كانوا يرجعون إلي في قضاياهم الدينية والتعليمية لأني مدرس دين.
* تتحدث عن ضرورة تعددية الأحزاب، وتنتقد تفرد حزب الله وحركة أمل بالساحة السياسية الشيعية، ألم تكن تعتقد حين تأسس حزب الله أن تأسيس حزب ثان للطائفة الشيعية يضيف التعددية المطلوبة؟
- في تلك المرحلة كان هناك شيء من التعددية داخل الطائفة الشيعية. حركة أمل لم تكن صاحبة الرأي الأوحد. كان هناك زعماء مثل بيت الأسعد والزين والخليل... وكانت حركة أمل في تلك المرحلة لها تطلعات دينية، بحيث لم يكن هناك مبرر لإنشاء حزب ديني بنفس التطلعات.
* ولكن ما ميز حزب الله أنه تأسس ليكون حزب مقاومة، وليس فقط حزبا دينيا؟
- في تلك المرحلة، في عام 1983 تقريبا، حزب الله اتخذ على أساس الجانب الثقافي والتعليمي والتوجيهي، وكان بعيدا عن مسألة السياسة، هذا ما كانوا يقولون في تلك المرحلة. وهذا ما كنا لا نؤمن به، لأن التأسيس لأجل غاية معينة، سينسحب إلى صراعات غدا وهذا ما جرى... في المرحلة التي كان حزب الله يقول إنه يقاوم إسرائيل فقط ولا يريد أن يدخل في اللعبة السياسية، سرعان ما تبين أن هذه الغاية لم يقف عندها وإنما أصبح يريد أن يختزل وجهة نظر الطائفة كلها ويقودها باتجاه المشروع الإيراني، ولذلك وقع خلاف بينه في مرحلة ما مع حركة أمل وحصل سفك دماء.
* تتحدث عن أن الثنائي الشيعي يختزل الساحة السياسية، ولكن حزب الله ينتخب من الشعب؟
- صدام حسين كان ينتخب من الشعب!
* تريد القول إنهم يمارسون الترهيب على كل شعب الجنوب؟
- حزب الله يمتلك السلاح والمقدرات والإمكانات المالية، ولذلك لا يوجد تكافؤ فرص بين ما يقال إنها معارضة ومستقلون داخل الطائفة الشيعية والإمكانات المتاحة لقوى الأمر الواقع. يحكمون، بينهم لا يمكنه حتى أن يذهب إلى قريته إلى بيته، أن يسترجع كتابا من مكتبته. الفرص المتكافئة غير موجودة.
* بسبب التمويل من إيران تقصد؟
- طبعا وأيضا بسبب السلاح. السلاح عامل مهم، مصالح الناس ارتبطت بهم، بحيث حتى خدمات الدولة اللبنانية لا يمكن أن تصل إلى المواطن العادي إلا عبر قوى الأمر الواقع.
* لا تنفي أن حزب الله لديه شعبية إذن، ولكن تجادل بأن سبب ذلك التمويل والسلاح، صحيح؟
- نحن لا ننكر بأن لديه شعبية، إنما عندما تخاض العملية الانتخابية يجب أن يكون هناك تكافؤ فرص. حزب الله يمتلك السلاح والمال والرجال، والفريق الآخر الذي تطلبين منه أن يخوض عملية انتخابية غير متكافئة ليس لديه مال ولا رجال ولا سلاح.
* إذن هناك زعماء محتملون داخل الطائفة الشيعية ولكن تقول إنه لا يسمح لهم بالبروز؟
- ممكن طبعا، يوجد أشخاص كثيرون ولكن لا يسمح لهم بأن ينظموا شؤونهم ويصبحوا حزبا ينافس الآخرين بطريقة حضارية وديمقراطية، سيقمعون. نحن ما السبب في قمعنا؟ كنا في صور في مركز دار الإفتاء الجعفري، وكان هناك جموع شعبية تأتي إلينا من مختلف المناطق التي تتطلع إلى الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية، وعندما وجدوا أن هناك مرجعية لهذا الرأي الآخر، ضربت هذه المرجعية.
* كنت مقربا جدا من حركة أمل، ويقول الكثيرون إنه بسبب خلاف شخصي معهم، انتقلت من تأييدهم وحزب الله إلى معارضتهم؟
- لا يوجد خلاف شخصي. الاختلاف وقع بعد حرب يوليو (تموز)، قبل حرب تموز التقيت مع قيادات مع الطائفة الشيعية، ودعوتهم جميعا إلى دار الإفتاء الجعفري وضم شخصيات كثيرة من الطائفة الشيعية وغيرها، من بينهم سماحة السيد فضل الله ونبيه بري، وكان ذلك عام 2004. في عام 2005 ذهبت أيضا إلى هذه القيادات ودعوتها إلى مزيد من الوحدة، وقلت للسيد نصر الله في زيارتي له، مفروض أن يستمعوا إلى الرأي الآخر في الطائفة الشيعية. قبل حرب تموز كنا نتواصل، ولكن بعد الحرب وقع الخلاف. لماذا أنتم أدخلتمونا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟ أنا عشت الحرب في مآسيها وآلامها، فأنا كنت في الجنوب... ذهبت إلى بيروت بعد الحرب وإلى الرئيس بري وقلت له: ماذا فعلت؟ هذا الجنوب الذي تقول عمرته، ها هو يحترق، قولوا لنا لماذا يحترق؟ هل هناك من مصلحة ليحترق؟ إذا كان هناك مصلحة، نحن معكم. هل هناك من مصلحة أن يهجر مليون من البشر؟ هل القنطار يستحق هذه التضحيات العظيمة؟ قلنا لهم على الأقل في هذه المرحلة، اجمعوا الرأي الآخر من وجهاء ومثقفين داخل الطائفة الشيعية واعرضوا عليهم ما الذي جرى. لم نسمع منهم شيئا أثناء الحرب.
* ولكن حينها قال السيد نصر الله إنه لو علم أن رد فعل إسرائيل سيكون بهذا الحجم لما أقدم على خطف الجنديين...
- هل يعقل هذا الكلام أن يكون مقبولا؟ على الأقل إذا كان هناك قيادة تعتقد أن إسرائيل لن تفعل هذا الشيء، وأقدمت على ذلك، تتنحى عن العمل. القيادة التي لا تدرك حجم الأخطار، تعتبر أنها لم تدرك حجم الأخطار وانتهى الأمر؟ هذا لا يكفي طبعا.
* هل هناك الكثير من الذين يؤيدون وجهة نظرك في الطائفة الشيعية؟
- إذا عدت إلى الانتخابات النيابية، الثنائي الشيعي المسيطر على الوضع أخذ أكثرية الأقلية، لأن الانتخابات كانت 40 في المائة أو 45 في المائة، أي هناك 55 في المائة لم ينتخبوا. أي هم أخذوا أكثرية الـ40 المائة مع الإغراءات والهيمنة... الانتخابات البلدية التي جرت، في كل الجنوب هناك ما يزيد على 350 بلدية، حاولوا أن يحصلوا على المقاعد بالتزكية (من دون ترشيح منافسين ضدهم)، وتمكنوا من القيام بذلك في 50 بلدية فقط والناس خاضت الانتخابات ضدهم لأنهم لم يعد يطيقون هذه الحالة من الهيمنة.
* الطائفة الشيعية عانت الكثير من التهميش طوال سنوات، ويقول البعض إنها كانت بحاجة إلى حزب قوي تلتف حوله مثل حزب الله. ألا توافق على ذلك؟
- نحن نعتقد أن اتفاق الطائف أنصف الطوائف، وليس هذه الأحزاب هي التي بدأت حالة الحقوق واسترجاعها، وإنما اتفاق الطائف الذي اتفق عليه اللبنانيون جميعا. ومن هنا حزب الله لم يعد لنا شيئا؟ ما الذي فعله لنا حزب الله؟ رئاسة المجلس النيابي، هذا من نتاج الطائف وليس حزب الله. ولذلك هذا الوضع الجديد لم يخلقه حزب الله.
* يقول البعض إنه لو كان المسيحيون موحدين خلف حزب واحد أو زعيم واحد، لكانوا أقوى. ألا تعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على الطائفة الشيعية؟
- لاحظي أنه عندما توحد المسيحيون جميعا خلف حزب واحد، تورطوا في حرب مع الآخرين، وأصبح هناك حرب داخلية في لبنان. لأن هذا الحزب الأوحد والأقوى سيولد حزبا أقوى لدى الطرف الآخر، يبعث على الاحتكام للقوة الذاتية. سوف يقول هذا الحزب بما أن قوته هذه التي أعطته هذه المكانة، إذن فلأصنع حزبا في الجهة المقابلة لكي يعطيني مكانة. من هنا يؤدي إلى الصراع، ثم ينعكس الصراع على داخل الطائفة نفسها. فقد حصل صراع بين الشيعة أنفسهم، بين أمل وحزب الله، وسفكت دماء كثيرة. وداخل الطائفة المسيحية حصل أيضا صراعات. الدولة يجب أن تكون الأقوى من الجميع التي يمكنها أن تنتصف للجميع والحامية للجميع.
* لنتحدث قليلا عن الأوضاع الحالية في لبنان، خطاب السيد نصر الله الأخير بالتهديد من اتهام حزب الله باغتيال الحريري. هل تتخوف من أن ينقض حزب الله على الدولة؟
- حزب الله ليس بحاجة إلى أن ينقض على الدولة، لأنه ممسك بها. ولذلك لا أرى أن الدولة قادرة على أن تنفذ ما يطلب منها من قبل المجتمع الدولي، أو التزاماتها تجاه المجتمع الدولي. فلنفترض أن القرار الاتهامي صدر وطلب من الدولة اللبنانية أشخاصا، الدولة عاجزة (عن تسليمهم) والمجتمع الدولي يدرك عجزها والدولة تدرك عجزها أيضا. فمعروف أن هناك أماكن لا تقدر الدولة اللبنانية على دخولها في لبنان. السراي الحكومي بقي محاصرا سنتين في وسط بيروت، لم تتمكن هذه الدولة العظيمة بقواتها الأمنية أن تفك الحصار عن السراي الحكومي، إلى أن حصل 7 مايو وقتل الناس في شوارع بيروت وأزقتها والقوات الأمنية لم تصنع للناس شيئا. فالآن ماذا يمكن أن تفعل هذه الدولة المعظمة؟ ما الذي يمكن أن تفعل؟
* هل تعتقد أن المحكمة الدولية يجب أن تستمر بعملها مهما كان الثمن؟
- هذه المسألة مرتبطة بالمصداقية الدولية.
* حتى الآن هل هناك مصداقية دولية؟
- المحكمة الدولية أنشئت، بعد إنشائها لا معنى للقول إننا نقبلها حكما ولا نأخذ بأحكامها. طبعا يجب أن نناقش أحكامها ويجب أن نسعى بكل الوسائل لأن نكشف بطلان هذه الأحكام إذا كانت باطلة. أما أن نقول هذه المحكمة يجب أن تلغى، هذا ليس كلاما مقبولا يقنع الرأي العام العالمي، ولا الرأي العام اللبناني. لماذا أنت تطالب بإلغاء محكمة وافقت عليها في مراحل متعددة؟ حتى هذه الحكومة التي يشاركون فيها، من ضمن البنود التي تشكلت على أساسها المحكمة الدولية. الموافقة على المحكمة الدولية، والمقاومة والجيش الموافقة كانت موجودة.
* حزب الله يتحدث عن مؤامرة إسرائيل أميركية لتدميره وستنفذ عبر المحكمة الدولية. ما رأيك بذلك وهل تعتقد فعلا أن حزب الله قادر على اغتيال زعيم سني كبير مثل الرئيس الحريري؟
- السؤال كيف يمكن أن تنفذ إسرائيل مؤامرتها؟ إذا إسرائيل ستهاجم لبنان، عندئذ كل اللبنانيين سيدافعون عن لبنان. المهم أننا نحن في الداخل لا ننفذ هذه المؤامرة. المحكمة الدولية كما يقولون تريد أن تحدث فتنة في الداخل، ولكن الفتنة من يحدثها؟ يحدثها أفراد في الداخل. وهؤلاء إذا قالوا لا نريد أن تقاتل في الداخل، كيف يمكن أن تحصل الفتنة؟ إذا قال حزب الله، سلاحي لا أستخدمه في الداخل، انتهت المسألة، لا توجد فتنة عندئذ. ومن هنا، أنا لا أتخوف من أن هناك مؤامرة، لأن المؤامرة لا يمكن أن تطبق من دون أدوات في الداخل.
* ولكن هل من المقبول برأيك اتهام حزب الله، أكبر حزب شيعي في لبنان، باغتيال الحريري؟
- أنا لا أقبل أن يتهم أي لبناني. أحاول أن أذهب بقناعاتي إلى أن العملية حصلت من الخارج. ولكن هذا كله من باب التكهنات. هناك محكمة قبلنا بإنشائها، وحتى تصدر قرارها لا يمكن أن نبطل القرار قبل صدوره. لذلك ليس منطقيا أن يطلب من اللبنانيين أن يرفضوا قرارا لم يصدر بعد.
* بشكل عام هل تؤمن بالعدالة الدولية؟
- أؤمن أن هناك حدا كبيرا من الشفافية في العدالة الدولية لأنها ليست عدالة وراء الكواليس، وإنما محاكمات علنية مكشوفة أمام الرأي العام العالمي وكل وسائل الإعلام ويوجد مهنيون كبار موجودون في العالم لهم ضمائر صاحية وتجارب... فليس من المعقول أن تلبس تهمة على بعض الأشخاص وهم أبرياء. ومع ذلك هناك فرص متاحة جدا لكي يبرز المتهم براءته.
* وماذا عن الانتقائية؟ يجادل البعض بأن العدالة الدولية يجب أن تطال مرتكبي مجازر قانا وغيرها في الجنوب وليس فقط الحريري...
- نحن مع ذلك، مع المحاكمة بالعموم، ولكن لا يعني إذا لم يحاكم هذا لا يحاكم ذاك.
* حدثنا قليلا عن علاقتك بإيران اليوم.
- لا توجد لدي علاقة بإيران منذ أن وقع الخلاف بين حزب الله وحركة أمل في الجنوب اللبناني، من سنة 1987، تركت إيران عام 1983 وذهبت مرة بعد ذلك بين 1983 و1985.
* لا تواصل مع أحد من الزعماء الدينيين في إيران؟
- لا، لا يوجد.
* ما رأيك بزيارة سعد الحريري لإيران؟
- الزيارة بروتوكولية مفروض أن تنشأ بين دول، وأتمنى أن يكون الحريري تمكن من إقناع المرشد الأعلى والقيادة الإيرانية بأن يطلبوا من حزب الله الانضمام إلى الدولة اللبنانية.
* تنتقد ارتباط حزب الله بشكل كبير بإيران، ولكن ألا تعتقد أنه ارتباط طبيعي، مد طبيعي للطائفية الشيعية في المنطقة؟
- لا كيف يكون طبيعيا؟ الارتباط الروحي يمكن أن يكون طبيعيا، وأما أن يكون ارتباطا سياسيا ويجعل من بلدي ساحة نفوذ لإيران، لا هذا أمر لا نقبله وليس أمرا طبيعيا. علاقات الطوائف مع الدول تمر عبر دولها وليس عبر طوائفها ومذاهبها وأحزابها. الطائفة الشيعية في لبنان ليست ضد إيران في العلاقة الثقافية والروحية، وإنما في الرؤية السياسية ترتبط بنظامها اللبناني ولا ترتبط بنظامها الإيراني. فحزب الله يريد أن يجعل من الشيعة اللبنانيين أداة للمشروع الإيراني في لبنان والمنطقة وهذا أمر لا نقبله.
* ألا تعتقد أنه يجب أن يكون لدينا مقاومة في لبنان لأننا ما زلنا في حالة عداء مع إسرائيل وأراضينا محتلة؟
- لماذا المقاومة فقط عندنا؟ لماذا في سورية ليس هناك مقاومة؟ وفي الأردن ومصر...؟ إلا في لبنان؟ فلتكن هناك مقاومة إنما خاضعة للدولة اللبنانية وليست أداة للصراعات الخارجية.
* هل تعتقد أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط صديق للطائفة الشيعية، خصوصا بعد انسحابه من «14 آذار»؟
- هو صديق بالطبع. أنا أفهم مواقفه ولماذا اتخذها ولكن لا أؤيدها. أفهم أن هناك أسبابا دفعته لاتخاذ هذه المواقف، ولكن لا أؤيده.
* أخيرا، هل لديك طموحات سياسية؟
- لا يوجد عندي طموح سياسي لتشكيل حزب سياسي، ولكن مرارا قلت للذين يخافون، أنا مهمتي كرجل دين التنبيه إلى المخاطر التي أوصلتنا إليها هذه الثنائية الشيعية، والتنبيه على ما أراه مصلحة لطائفتي وسائر الطوائف، وهو العيش المشترك والانصهار الوطني ومشروع الدولة اللبنانية. لكن يمكن أن ينشأ حزب آخر داخل الطائفة الشيعية وأنا أدافع عن حقه بالتعبير عن رأيه ولا يجوز قمعه بالوسائل المسلحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات