الأقسام الرئيسية

أجدع صحاب.. صحابى من صغرى

. . ليست هناك تعليقات:

آخر تحديث: الاحد 26 ديسمبر 2010 11:33 ص بتوقيت القاهرة

دينا درويش -

بعض الأصدقاء القدامي حريصون علي التلاقي رغم مرور الزمن

تمضى السنوات ويتواصل الأصدقاء القدامى، بل يحرص البعض على تنظيم لقاءات دورية ليجتمعون فيها ويتبادلون الأخبار، حنين جارف لكل ما مضى أو استراحة محارب من أجل الاستمرار فى دوامة الحياة.

«هنا نحن ما زلنا فى الـK.G»، هكذا يقول جلال الزينى رجل أعمال ستينى ضاحكا ليفسر أن التجمع الشهرى لطلبة روضة أطفال مدرسة النقراشى النموذجية دفعة 1948 هو موعد مقدس بالنسبة له، ففى آخر أربعاء من كل شهر يحلو لقاء الذكريات. قفشات وضحكات عن نوادر الماضى البعيد الذى يرجع لأكثر من ستة عقود. «هنا نخلع ألقابنا وهمومنا ونعود للوراء، نستشعر جمال وروعة الماضى البعيد الذى ما زلنا نشتم عطره، ولأن مدرستنا كانت نموذجية فقد قامت بتفريخ كوكبة من المشاهير، الذين يداومون على هذا اللقاء حتى ولو انقطعوا فى بعض الأحيان بسبب ارتباطاتهم العملية أو أسفارهم، منهم مثلا طبيب القلب الشهير عادل إمام، ونائب الاتحاد الدولى للناشرين المهندس إبراهيم المعلم، والسفير بجامعة الدول العربية سمير سيف اليزل، كلهم من خريجى المدرسة. ورغم أننا لا ننتمى جميعا للدفعة نفسها لكننا تعارفنا عبر أسر المدرسة الأربع: أسرة أحمس، محمد على، المعز وصلاح الدين. وقد كان لكل أسرة لون فانلة يميزها. وكان كل فصل مقسم بدوره بين الأربع أسر حتى يتم التواصل بين الطلاب على اختلاف أعمارهم».

فى هذا اللقاء الحميم لا حديث يعلو على حديث الماضى كما يوضح الأستاذ جلال: «نضحك بصدق ومن أعماق قلوبنا كالصغار عندما نرى أحد زملائنا فى الدراسة، وقد تغيرت قسمات وجهه بحكم الزمن، لكنه ما زال يحتفظ بمسحة من ملامح الطفولة». منذ خمسة عشر عاما، أحتفظ تلاميذ المدرسة بهذا التقليد الشهرى واستطاعوا أن يعبروا به حواجز الزمن ليسترقوا لحظات تتوقف خلالها السنوات لينعموا بنشوة الحنين فى أحد فنادق القاهرة الكبرى أو على سطح إحدى العوامات أو ربما بنادى السيارات أو نادى الدبلوماسيين. يتولى أحد الخريجين القدامى تنظيم هذه اللقاءات الدورية ويقوم بالاتصال بباقى أبناء المدرسة القدامى سواء بالاتصال الشخصى أو عبر البريد الإلكترونى. «خلال لقاءاتنا الأولى فى مطلع الثمانينيات، لم تكن خدمات الاتصال قد شهدت هذه الطفرة، فقمنا بعمل عدد من الإعلانات دعونا من خلالها العديد من الخريجين والمدرسين السابقين والنظار ورحنا نتذكر الأيام الحلوة».

التجمع الأول يعود تاريخه إلى عام 1977، عندما فكر رجل الأعمال الراحل وخريج المدرسة السابق ــ محمد نصير ــ فى تأسيس جمعية تضم أبناء مدرسة «النقراشى الثانوية». لم يكن الغرض منها فقط تنظيم اللقاءات الدورية ولكن أيضا العمل من أجل النهوض بمستوى المدرسة، التى كانت فيما سبق واحدة من أفضل المدارس الثانوية. يضيف جلال الزينى: «كنا نشعر أن لمدرستنا دينا فى رقبتنا، فقد حصلنا فيها على تنشئة مميزة. كانت لدينا فصول بأكملها تلتحق بكليتى الطب والهندسة. وفى مجال الرياضة كان لدينا أبطال فى مجالات شتى خاصة السباحة والشيش. كما قمنا بتسجيل أوبريت (الوطن الأكبر)، الذى كان يدوى فى أرجاء الأمة مع تصاعد المد القومى العربى للإذاعة، بعد أن حققنا تميزا فى أدائه. تقاسمنا العيش والملح، فقد كانت أمهاتنا هن من يشرفن على مطبخ المدرسة وتحضير وجبات الغذاء بشكل تطوعى. لكننا فى الواقع يؤلمنا ما آل إليه مستوى المدرسة وسعينا جاهدين لتغيير الأوضاع، لكن لم نجد تعاونا ملموسا من القائمين عليها. فقد بطشت يد الإهمال بكل شىء».

فترة المدرسة هى من أهم مراحل الحياة، إذ تؤثر بشكل كبير فى وجدان الفرد وتنحت مفاهيمه عن الواقع، كما تشكل رؤيته للمحيطين به وتحدد مشوار حياته. تقول التربوية ــ نهال عويضة: «حضور المدرسة كان قويا جدا لدى الطلاب فى فترة الأربعينيات وحتى مطلع الثمانينيات، فالمدرسة لم تكن فقط مؤسسة لتعلم القراءة والكتابة، بل دنيا بأكملها يكتسب فيها الطالب معارفه وقيمه. ويظهر ذلك جليا من خلال أعمال المخرج يوسف شاهين، فكانت المدرسة مثلا عنصرا مؤثرا فى سيرته الذاتية كما ظل على اتصال بزملاء المدرسة».


حائط الصداقات

إذا كانت أجيال الأربعينيات والخمسينيات دأبت على بذل جهد كبير بهدف التواصل والحفاظ على صداقة المدرسة، فاليوم يلعب موقع الفيس بوك الاجتماعى دورا مهما فى لم الشمل. فمن خلاله كون فريق مدرسة راهبات «الميردى ديو» مجموعة للتواصل عبر الإنترنت. وفى أقل من ثلاث سنوات ضم الجروب أكثر من سبعة آلاف مشتركة من الدفعات المختلفة. على الحائط المخصص للمجموعة تتعرف التلميذات السابقات على ما وصلت إليه كل زميلة دراسية فى ميادين العمل والحياة الشخصية. «نتبادل أرقام الهواتف والعناوين الشخصية لنجدد اللقاء. كذلك نتعرف عبر الفيس بوك على أخبار المدرسة والمدرسين وكذلك الراهبات اللاتى قمن بتنشئتنا»، هكذا توضح سها الشرقاوى، سيدة ثلاثينية وإحدى المشتركات بالموقع. يقوم أيضا بعض الأعضاء بوضع صور الدراسة للدفعات المختلفة لإضافة التعليقات ومحاولة التعرف على من تركن المدرسة وانقطعت أخبارهن. تعترف سها الشرقاوى أنها كانت تحب كثيرا صديقة الدراسة ــ زينب عطا لله ــ التى انقطعت أخبارها بعد الصف الثانى الإعدادى بسبب سفر والدها للعمل بالخارج. وبواسطة الفيس بوك استطاعت أن تقتفى أثر صديقة الطفولة وتجدها بعد سنوات من الغياب تقول سها إنها حرصت على حضور مهرجان تقيمه المدرسة منذ سنوات تحت عنوان «الميردى ديو» من الأحفاد إلى الجدات، حيث تضم كل طاولة دفعات مختلفة من ثلاثينيات القرن المنصرم وحتى مطلع الألفية الثانية.

وبدورهن تتناقل العضوات الأخبار السعيدة والحزينة عبر الموقع، فقد نشرت ليليان مثلا على حائط الموقع منذ شهور خبر وفاة عبير ــ زميلة الفصل ــ بعد صراع مع المرض. وبسرعة بدأت الخريجات فى تبادل المعلومات للحصول على أرقام والدى عبير ومؤازرتهما فى محنتهما. ومنذ أيام، قامت رانيا بالإعلان عن تجمع مدرسى عبر الفيس بوك بإحدى مقاهى الزمالك فى تمام التاسعة والنصف مساء، موعد التقطه دينا التى تعيش فى الولايات المتحدة الأمريكية كى تنظم أجندتها وتضع موعد لقاء الأصدقاء فى حسبانها خلال رحلتها المقبلة.

حرص أصدقاء المدرسة على التجمع وإيجاد صيغ مختلفة لتنظيم هذه اللقاءات له ما يبرره فى علم النفس التربوى، تقول الدكتورة نرمين عبدالوهاب ــ المدرس بكلية آداب قسم علم النفس، جامعة بنى سويف: «أصدقاء المدرسة هم الجماعة المرجعية الأولى للفرد والميزان القيمى للحكم على تصرفاته». فالشخص تعود منذ الصغر أن يرى نفسه من خلال هذه الجماعة. من ناحية أخرى تعتبر صداقة المدرسة من أقوى العلاقات، التى يقيمها الشخص فى حياته، ففى العمل تلوث علاقاته أحيانا التنافسية والمصالح المتضاربة، فتكون الأجواء أكثر ملائمة للزمالة من الصداقة الحقيقية». تحلل الباحثة النفسية أيضا أسباب تكريس بعض رجال الأعمال والمشاهير للجهد والوقت كى ينعموا بمثل هذه الجلسات بصحبة أصدقاء قدامى قد لا يحظون بالقدر نفسه من النجاح». تداعى الماضى من خلال المكان والأفراد قد يكون رغبة فى الهروب إلى ظروف وملابسات ونمط حياة بدأ يندثر. هناك تشبث بالماضى لدى العديد من الأشخاص لأننا عشنا الماضى بالفعل، وتجازونا محنه وصعوباته، كما تعلقنا بأفراحه، فنراه أجمل من المستقبل الذى نجهل ما ينطوى عليه وبالتالى نخافه. وتضيف الدكتورة نرمين عبدالوهاب: «تنظيم مثل هذه اللقاءات بين أصدقاء الطفولة هو محاولة لاستعادة اللحظة التى مضت. فعندما يجتمع الشخص بأصدقائه، يعيش اللحظة من جديد»، وهو تقليد قد لا يقتصر على مجتمعاتنا الشرقية، ففى الولايات المتحدة كثيرا ما تنظم المدارس الثانوية والجامعات مثل هذه اللقاءات، فوسط أصدقاء المدرسة يشعر الكثيرون بالراحة النفسية «كأننا نعود لحضن أمهاتنا بعد أن رحل الكثيرون من أشخاص هذا الزمن عن هذه الدنيا بمعانيها ورموزها وملابساتها، وبدأنا نشعر بالوحدة. عندما أقابل زملاء الدراسة أشعر بالمزاج العالى لأن دنيتى ما زالت موجودة»، المعنى نفسه يتردد على ألسنة أناس كثر، وهو ما تؤكده أيضا الدكتورة سحر حمودة ــ أستاذة الأدب الإنجليزى بجامعة الإسكندرية ــ فى كتابها «فيكتوريا كوليدج» (الصادر عن دار نشر الجامعة الأمريكية)، وهى توضح أن «فيكتوريا كوليدج» كانت أكثر من مجرد مدرسة، فقد كانت بوتقة للأديان والثقافات والجنسيات، فكانت بحق مرآة للمجتمع السكندرى الكوزموبوليتانى فى ذاك الوقت.


فى رحاب فيكتوريا

بدورها تلجأ جمعية خريجى «فيكتوريا كوليدج» لتنظيم لقاءات ومهرجانات بالمدرسة أو دعوة كبار الشخصيات التى نشأت بالمدرسة العريقة، إذ يحرص الكثير من خريجى المدرسة على زيارتها من وقت لآخر، حيث يجدون سعادة خاصة فى وجود أسمائهم وهى لا تزال محفورة على المناضد، إلا أن أبرز هذه اللقاءات هى لقاء خريجى «فيكتوريا كوليدج» على مستوى العالم، الذى عقد فى عمان بالأردن عام 1982 بدعوة خاصة من عاهل الأردن الراحل الملك حسين، كما عقد آخر اجتماع على مستوى العالم بالإسكندرية بمناسبة العيد المئوى للكلية.

فصول مدرسة فيكتوريا التى لم تنقطع صيحات طلابها منذ عام 1902 ــ واحدة من أعرق مدارس العالم العربى ــ تخرج منها شخصيات سياسية وأكاديمية وفنية لعبت دورا مهما خلال القرنين العشرين والحادى والعشرين. هنا تفجرت موهبة المخرج العالمى يوسف شاهين، وبها صور أول فيلم تسجيلى فى حياته. وعلى مسرحها ترعرعت موهبة نجم السينما العالمى عمر الشريف، وهو لم يتجاوز الـ 12 عاما، وتعرف إلى صديق مشواره الفنى أحمد رمزى. ومنها تخرج كبار السينمائيين مثل شادى عبدالسلام وتوفيق صالح. وفى سكن الطلاب الداخلى كان يبيت الملك حسين ملك الأردن الراحل، مستمتعا برفقة زملائه يلهون ببراءة قبل الدخول إلى دهاليز السياسة. احتضنت كذلك المدرسة الملياردير السعودى عدنان خاشقجى، والأمير عبدالإله بن الملك على بن الشريف حسين الهاشمى، الذى تولى الوصاية على عرش العراق، والشريف زيد بن شاكر والصادق المهدى رئيس وزراء السودان الأسبق، وعائلة الخرافى من الكويت، وقسطنطين ملك اليونان، وغيرهم.


على ناصية الإبراهيمية

سمير، طالب الثانوى المشاغب فى خمسينيات القرن المنصرم، ما زال يكره القيود والطقوس. لذا فهو لا يحدد موعدا ثابت للقاء زملاء الطفولة، لكنه ما زال يحتفظ بمسكنه بحى عابدين وكذلك يتردد بشكل دائم على المقهى الذى كان يتسلل إليه أحيانا خلال اليوم المدرسي.على ناصية مدرسة الإبراهيمية، اعتاد سمير ــ رجل الأعمال الستينى حاليا ــ أن يقابل زملاء الدراسة فى المكان نفسه، الذى كان يقف فيه ليعاكس بنات المدرسة المجاورة. يضحك بشدة عندما يتذكر يوم أن تم القبض مع صديقه ــ رحمى ــ بسبب الجنس الناعم فى خمسينيات القرن الماضى، وكيف تم حلق رءوسهم ورفتهم من المدرسة «كان أهلنا يرددوا على مسامعنا لن تفلحوا إذا بقيتم أصدقاء، لكننا فلحنا ولم نكن كما كانوا يعتقدون أسوأ جيل أتى لمصر». بل إن سمير ما زال يتصل بصديقه ــ رحمى ــ ابن جاردن سيتى، الذى شارك معه فى حرب أكتوبر 1973. تغرورق عيناه بالدموع عندما يتذكر صديقه الدكتور ــ عادل صادق ــ طبيب الأمراض النفسية الراحل وزميل الدراسة، الذى كان خطيبا مفوها تنتفض المدرسة لخطبه النارية وتخرج فى مظاهرات لتأييد زعيم عربى أو أفريقى يناضل من أجل تحرير بلاده.. يتذكر كذلك صولاته وجولاته مع ثعلب الكرة المصرية حمادة إمام فى ملعب المدرسة، ويرتفع المذياع مرددا: «فى الشارع ده مدرستى وشقاوتى ويا براءتى، كانت أيام أجمل أيام فين الأيام دى دلوقتى.. يقول سمير بشجن تشوبه روح الفكاهة: «عندما أكون بصحبة زملاء المدرسة أشتاق لمثل هذا الزمن وهذه الحالة. كان لكل شىء حلاوة وطعم ثانٍ، كنا بعشرة قروش نبدو كالملوك، نأكل الفول من الجحش ونحتسى السوبيا من الرحبانى. كانت العلاقات بين الناس دافئة رغم الاختلافات الطبقية بيننا كطلبة قادمين من بيوت جاردن سيتى وحوارى عابدين وما حولهما، كل شىء كان له مذاق آخر استرجعه الآن هنا على ناصية الإبراهيمية».


تواصل عبر الشبكة

مارك جوكر بيرج صاحب موقع الفيس بوك ،كان طالبا عاديا قام بإنشاء الموقع ليربط بين الطلبة فى كليته الذى كان يصعب عليه مفارقتهم بعد هذه العشرة الطويلة. أطلق جوكر بيرج موقعه «فيس بوك» فى العام 2004، كان الموقع يستهدف فى البداية جمع زملائه فى جامعة هارفارد الأمريكية) وتبادل أخبارهم وصورهم وآرائهم، ولم يعتمد فى تصميمه على كونه موقعا تجاريا يجتذب الإعلانات أو موقع ينشر أخبارا، لكن سرعان ما لقى الموقع رواجا بين طلبة جامعة هارفارد، واكتسب شعبية واسعة بينهم، الأمر الذى شجعه على توسيع قاعدة من يحق لهم الدخول إلى الموقع لتشمل طلبة جامعات أخرى أو طلبة مدارس ثانوية يسعون إلى التعرف على الحياة الجامعية. واستمر موقع «فيس بوك» قاصرا على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية لمدة سنتين. ثم قرر جوكر بيرج أن يخطو خطوة أخرى للأمام، وهى أن يفتح أبواب موقعه أمام كل من يرغب فى استخدامه، وكانت النتيجة طفرة فى عدد مستخدمى الموقع، إذ ارتفع من 12 مليون مستخدم عام 2004 إلى أكثر من 500 مليون مستخدم حاليا. ونتيجة لنمو سوق شبكات التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت ونجاحه فى أن يسد احتياجا مهما لدى الناس خاصة صغار السن، فقد تلقى جوكربيرج عرضا لشراء موقعه بمبلغ مليار دولار. يقول جوكربيرج ــ حسبما ورد فى مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية: «ربما لم يقدر كثيرون قيمة الشبكة التى بنياناها بما تستحق»، وأضاف: «إذا استطعنا أن نحسنها قليلا لعدد كبير من الناس فإن هذا سيكون له أثر اقتصادى هائل على العالم كله».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer