بقلم سوزان حرفى ٤/ ١٢/ ٢٠١٠ |
تفقد الانتخابات فى مصر معناها، فلا هى وسيلة ناجعة للتعبير عن توجهات الشارع، ولا هى أداة للتغيير وتداول السلطة، فالانتخابات تحولت إلى مجرد طقس روتينى يتم كلما حان موعده ليس أكثر، فى حين تسير الحركة السياسية المصرية أسيرة حلقة مفرغة لا مخرج منها. فعِلَل السياسة المصرية كثيرة، وفى مقدمتها إقرار كل اللاعبين بالمعطيات القائمة، وغياب الإرادة الجادة للتغيير، وربما العكس صحيح، فهم يسعون لتكريس الأمر الواقع، لأن التغيير قد يحمل فى طياته مفاجآت غير سارة بالنسبة لهم. على مستوى الأحزاب، لا يوجد أى حزب معارض يمتلك قاعدة شعبية تؤهله لحكم مصر، والأسوأ أنهم يدركون بعدهم عن هذا الطموح حتى لو اتحدوا، ليبقى أمامهم الخيار بين حزب الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، وهم بلا شك يفضلون الحزب الحاكم. أما جماعة الإخوان المسلمين فهى الأقوى تنظيما وحضورا على الساحة، لكن لا مجال للمراهنة على الحكم، فالقوى العظمى تقف بالمرصاد من جانب، وقوى الداخل قد تؤيد الإخوان فى مواجهة النظام، لكنها تتخوف من مجتمع يحكمه التنظيم المحظور، لتكون الجماعة بدورها أمام أحد خيارين إما الحزب الوطنى أو أى من الأحزاب الأخرى، وفى هذه المفاضلة يختار الإخوان النظام الحالى بكل ما فيه. هذا الواقع شكل توازن قوى محصلته صفر، وجعل من التغيير معادلة مستحيلة التحقق، خاصة مع تبنى المعارضة المنهج الواقعى فى السياسة، ورغبتها فى ضمان الاستمرار، ومراهنتها فى أفضل الأحوال على عامل الزمن، ونتيجة ذلك كله حدث توافق ضمنى بين السلطة والمعارضة، وجعل نقاط الاتفاق بينهما أعمق من نقاط الاختلاف. ولذا لا غرابة عندما تبدو المعارضة كأنها أجنحة تابعة للسلطة، تنشط عندما يشار لها، ويلفها السكون إذا أُمرت، وهى جاهزة لتجديد شرعية السلطة عندما يُطلب منها، وهى قبل هذا وذاك تقف فى وجه أى محاولة جادة تظهر للتغيير، جنبا إلى جنب مع النظام. ليبقى الحزب الوطنى متصدرا المشهد، وفى الخلفية تظهر المعارضة مساندة له، ومتصارعة فيما بينها. هذا التوافق لا ينفى وجود الخلاف، لكنه خلاف على التفاصيل ليس إلا، ومجريات الانتخابات الحالية مثال حى، فالمعارضة والسلطة اتفقتا على المشاركة، واتفقتا على رفض وجود الإشراف الدولى. أما الخلاف فيقتصر على حصة المشتركين، فالسخونة التى شهدتها العملية الانتخابية، والشكوى من تجاوزات يومى الاقتراع والفرز، والتنديد بعدم النزاهة، ثم التهديد بالانسحاب من جولة الإعادة، كلها لا تمثل دليل حيوية، وإنما محاولة من المعارضة لارتداء ثوب البراءة، ووسيلة لتحسين وضع الاتفاقات القائمة والقادمة. فاز الحزب الوطنى وحقق ما أراد، وخسرت المعارضة ثقة المواطنين، وحصلت فى المقابل على مقاعد ستستخدمها لإضفاء الشرعية على انتخابات ٢٠١١ الرئاسية، وكان حرياً بها عدم خوض هذه المعركة من الأساس، استجابة للحس الشعبى. المحصلة هى عار للجميع، لحزب أكد تفرده المطلق فى الحكم، وعار لأحزاب انتظرت الصعود بلا تضحية أو ثمن، وجماعة تتراجع تجربة بعد أخرى عن كونها عامل تغيير، والنتيجة سحب الهواء المتبقى فى رئة مصر، لتتحول إلى جسد بلا حراك. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات