الأقسام الرئيسية

كلنا أقليات

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم نادين البدير ١٩/ ١١/ ٢٠١٠

فى حائل الواقعة شمال السعودية حادثة محزنة لكنها ليست من النوع الغريب.. مواطن يسير برفقة زوجته (المنتقبة) يصادفهما رجل من هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيأمر بتغطية عينى الزوجة، يرفض الزوج هذا التدخل ويدخل الرجلان بمشادة كلامية وعراك، لينتهى الأمر بطعن شرطى الدين للمواطن طعنتين بـظهره لايزال يعالج منهما فى المشفى، مؤكداً للصحافة أنه سيقتص من عضو الهيئة..

فى اليوم التالى يخرج الناطق باسم هيئة حائل فيعلن أن من حق رجال الهيئة تغطية عيون النساء إن كانت مثيرة للفتنة، والمقصود أن مدى ذلك الحق يعتمد على مدى الإثارة، ومدى الإثارة يعتمد على درجة فتنة عينى المرأة بنظر الرائى «عضو الهيئة»، ما حدث ليس مجرد عراك بين هيئة رسمية ورجل عادى، كانت السوق حيث جرت المشادة والطعنات واحدة من ساحات الحرب الفكرية الدائرة المترامية، حرب أساسها الاختلاف العقائدى، الحرب اشتعلت بكل مكان، واستخدمت بها كل أنواع الأسلحة. وقعت الحادثة على أرض تتبع ملكاً لا يكل فى التأكيد على أهمية التسامح ونبذ الفرقة الدينية والتقريب بين الأديان.

شىء آخر حدث، قبل أسابيع خرجت هيئة الإفتاء السعودية بفتوى جديدة تحرم عمل المرأة (كاشيرة) رغم الخطب الحكومية الحديثة المطولة وتأكيد الملك السعودى على أهمية مشاركة المرأة فى التنمية والعمل. التوجه السياسى يسير فى منحى والمؤسسة الدينية الرسمية يبدو أنها تسير بمنحى مخالف، هل هناك دولة داخل الدولة؟ دولة ذات فكر دينى يتعانق وفكر طالبان؟

وكيف ستتصرف الدولة إزاء الأمر؟ هل ستضغط؟ أم ستستسلم أمام جهاز الإفتاء الذى باركته وحصرت الفتوى بداخله فانقلب عليها؟

المواطن الذى رفض أن تخفى زوجته عينيها صار غريبا عن الديار بنظر الأرواح الجديدة التى نمت فى العقود الأخيرة.. صار دخيلاً.. صار ضمن الأقليات التى يجب قتلها والخلاص منها بغض النظر عن ملته وطائفته الآن، عدد الحالمين بالهجرة مماثل لعدد المسيحيين العرب المهاجرين أو أكثر، فى مصر يطفو صراع من ذات النوع لكن طعناته مختلفة، فبعيداً عن التشدد الجديد الذى فاجأ حياة المصرى المعتدل وصار جزءاً منها، هناك تطرف جديد يباغت المصرى المتسامح، تطرف يقتل الأقباط، يعتبرهم غريبين ودخلاء على الديار، حتى الأسماء المسيحية المفكرة المعروفة التى صنعت الكثير فى السياسة والفن ألغيت أو نسيت وذبحت.

هل ما يحدث فى مصر عراك عابر سيذبل قريباً جداً؟ لا يبدو الأمر عابراً حين نقيسه ببقية البلدان العربية. وهكذا فى العراق. قتلة كنيسة سيدة النجاة أرادوا القضاء على كل أمل صفاء بين الأديان، بين الجميع، الحادثة التى ارتكبوها أثبتت أن هناك دولاً عديدة داخل الدول العربية، وأن الأنظمة لم تعد كما السابق، لم تعد الحاكمة الوحيدة، صار جل همها صد نظام الغلو الحاكم الجديد الذى يكاد يقضى عليها بعد أن كان حيلتها بالأمس للقضاء على آخرين لم يتناسبوا وميولها.

فى لبنان تتجمع الطائفية بأقسى صورها فى بلد عُرف عنه بأنه مكان للخيال والحلم والحب، فى لبنان تشدد مخيف تباركه إيران، مخيف لأن مرتع الليبرالية مصاب، الحرب صوبت نحوه سهماً عضالاً، صعب أن يعود من بعده لسابق عهده بسهولة، المسيحيون تدنى عددهم نتيجة الهجرات المسيحية، الليبراليون يجهدون عبثاً لأن تعلو أصواتهم ولو قليلاً لعل أحداً يسمعهم، وجودهم الشكلى لن يرقيهم لمرتبة بدلاء القومية، مكانة النساء متخلخلة، ورغم كثرتهن وارتفاع نسبتهن لكنهن بالعرف يعتبرن أقلية. المسيحى، المرأة السافرة، الليبرالى، المعتدل، المتسامح، كلهم أقليات وقد تنضم إليهم الأنظمة السياسية نفسها لأنها ستجد نفسها تغالب تياراً أقوى منها، ليس تيار القومية الذى كرهته بالأمس بل ذبائحياً يفكر بأن موتها جزء من جهاده.

albdairnadine@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer