بقلم د.حسن نافعة ١٨/ ١١/ ٢٠١٠
للموت جلال لا نملك إزاءه سوى سؤال الرحمة والمغفرة لكل مَنْ يدركه ويصبح فى حضرة العزيز الجبار. وقد أثار كمال الشاذلى, يرحمه الله, زوبعة سياسية قبل رحيله بإصراره على الترشح رغم المرض الظاهر. وبينما رأى البعض فى هذا الإصرار دليلا على صلابة مقاتل يريد أن يظل صامدا فى الميدان حتى النهاية, رأى فيه البعض الآخر دليل تمسك مكابر بالدنيا وما فيها. لست هنا فى معرض الحديث عن مناقب الرجل أو مثالبه, لكن رحيله المفاجئ بعد قبول أوراقه مرشحاً للحزب الوطنى عن دائرة الباجور، وإغلاق باب الترشح, ذكّرنى بنقاش غريب، فقد كنت أشارك أثناء الصيف الماضى فى مؤتمر ينظمه «مركز المشروعات الدولية الخاصة», بالتعاون مع «المصرى اليوم». ولأن مكان الانعقاد كان منتجع «الجونة» الساحر وفى وقت شديد الحرارة, فقد كان بعضنا ينتهز فترة راحة الظهيرة للاستمتاع بالعوم. وفى أحد الأيام لمحت من ينادى علىّ من بعيد وهو واقف وسط الماء. وعندما اقتربت وبدأت تظهر ملامح الزميلين محمد أمين وأحمد الصاوى, وكانا يشاركان فى نفس المؤتمر, صاحا فى نَفَس واحد: «أنت من سيحل اللغز»! بدأ «أمين» شرح اللغز قائلا: سألنى صديق: «تخيل أن الحزب الوطنى اختار مرشحه للرئاسة, وبعد إغلاق باب الترشح وبدء الحملة الانتخابية تدخلت العناية الإلهية واختارته إلى جوارها, فماذا سيكون الموقف، خاصة أن باب الترشح أغلق؟». داهمنى السؤال, ورحت أتبادل معهما النظرات لبرهة قبل أن ننطلق معاً فى ضحكة ذات مغزى, ثم بدأ كل يدلى بدلوه حول التصرف المتوقع للحزب الحاكم! كان تقديرى أن الحزب لن يستسلم للقضاء والقدر بهذه السهولة فى موقف خطير كهذا، وسوف يلجأ إلى أى شىء لإعادة فتح باب الترشح من جديد, بصرف النظر عن مدى قانونيته أو دستوريته, بما فى ذلك استخدام أغلبيته الأتوماتيكية فى مجلس الشعب لإجراء تعديل دستورى، إن اقتضى الأمر. ولم يستبعد «أمين» بدوره أن يُقْدم الحزب الحاكم على «ضرب كرسى فى الكلوب»، للاحتفاظ بالمقعد الرئاسى، لأنه إذا فقده فقد كل شىء. أما «الصاوى» فقد استبعد اللجوء إلى إجراءات استثنائية, لأن هذا قد يؤثر على شرعية الانتخابات وبالتالى شرعية الرئيس القادم, ورجّح أن يسمح الحزب الحاكم بالمضى قدما فى إجراء الانتخابات بذات الأسماء, لنفاجأ بعد الفرز بأن مرشحه الذى صعد إلى جوار ربه هو الذى فاز وحصل على أعلى الأصوات. وقد أكد الصاوى أن «هذه مسألة يسيرة جدا على أى حزب يتمرس فى تقفيل الصناديق.. وسيكون (ضرب كرسى فى الكلوب), بهذه الطريقة, لإعادة الانتخابات مسألة أيسر جدا وأقل بجاحة». لكن يبدو أنه لم يفكر فى إشكالية من طبيعة قانونية يمكن أن يثيرها هذا الاحتمال, وهى أن أوراق الاقتراع التى تصوّت لصالح مرشح أعلن عن وفاته رسميا، يتعين أن تعد أصواتا باطلة لا تدخل فى حساب الأصوات الإجمالية! حين كنا منهمكين فى هذا الجدل النظرى الساخر, كان الموقف الذى أثاره «أمين» يبدو خياليا أو افتراضيا بحتا.. ولأن أحدا من المشاركين فيه لم يعثر فى ذهنه على سوابق لحالات شبيهة فى انتخابات الشعب أو الشورى يمكن القياس عليها, فقد اعتبرنا الأمر مجرد تمرين عقلى. أما الآن فقد أصبحت لدينا سابقة. ولأننى لا أعتقد أن الحزب الوطنى سيعلن فوز كمال الشاذلى عن دائرة الباجور, كما قد يعتقد أحمد الصاوى, فالسؤال الذى كنا نتصوره افتراضيا حين طرحه علينا محمد أمين, هذا الصحفى المشاكس خفيف الظل, أصبح الآن سؤالاً حقيقيا وجادا ويتعين على أساطين القانون الدستورى أن يطرحوه وأن يقدموا لنا إجابة شافية عنه. والسؤال هو: ماذا لو أن ما حدث للمرحوم كمال الشاذلى حدث, لا قدر الله, لمرشح الحزب الوطنى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات