الأقسام الرئيسية

ثلاثة أفلام إيرانية قصيرة تتحرّش بالتابوهات وتنتهك المحظورات

. . ليست هناك تعليقات:

مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي يفتح نافذة على سينما ايرانية تعيش تحت وطأة التحريم والتحجيب والتخويف.

ميدل ايست أونلاين

أبو ظبي - من عدنان حسين أحمد

عن أي شيء ستسأل الريح

تسجّل إيران في كل دورة من دورات مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي حضوراً طيباً يلفت إنتباه النقاد والمشاهدين على حد سواء. وقد إرتأينا في هذا المقال أن نسلّط الضوء على ثلاثة من الأفلام الروائية القصيرة المبنية بناءً فنياً شديد التركيز يكشف عن رؤى وتقنيات متميزة اعتمدها المخرجون الثلاثة في إنجاز أفلامهم. وهؤلاء المخرجون هم باتين قبادي، جعفر بناهي وسارة زانديه. تجدر الاشارة الى أن هذه الأفلام الثلاثة تتميز بجمالية خطابها البصري، ونأيها عن المباشرة والتبسيط، ومحاولة إيصالها بعض الرسائل الحساسة التي تنطوي على قدر من المجازفة لتحرشها ببعض التابوهات والموضوعات المحظورة في ظل نظام ديني متشدد يريد أن يفرض سلطته بمنطق القوة، ويروّج لقيمه الأخلاقية التي يعتقد أن تتناسب مع روح العصر.

إسأل الريح

يتمحور فيلم (إسأل الريح) للمخرج الإيراني الشاب باتين قبادي على قصة محددة، واضحة المعالم، تأخذنا الى عالم القتل والجريمة تارة، والى عالم البراءة والنقاء تارة أخرى. فمنذ بداية الفيلم نعرف أننا إزاء فتاة شابة إسمها (نركز شجاعي)، عمرها ثماني عشرة سنة، وهي في السنة الثالثة في قسم التصوير والتصميم في المعهد الفني. وقد قامت هي وعدد من زميلاتها في القسم برحلة الى إحدى القرى بغية إلتقاط عدد من الصور الفوتوغرافية كنوع من الممارسة والتطبيق للجانب النظري الذي تدرسه الطالبات في القسم المذكور. تحمل نركز كاميرتها وتلتقط عدداً من الصور لأحد الدور القديمة في القرية. وبينما هي منهمكة في إلتقاط الصور الفوتوغرافية هبت ريح قوية فطارت ربطة رأسها مثل عصفور تخلّص من يد قوية متشنجة فإنفلت الى المدى البعيد. ركضت وراء هذه الربطة السوداء لكي لا تظل حاسرة الرأس في مجتمع ينظر الى النساء الحاسرات بعين الريبة والشك. وفي أثناء عملية مطاردة الحجاب صادفت رجلاً شاباً كان يريد الامساك بالحجاب الذي علق بأحد أغصان شجرة عالية. وحينما تسلق الشجرة ومدّ يده لكي تطال الحجاب فقد توازنه وسقط على الأرض بقوة ففارق الحياة. سحبت (نزكر) ربطة رأسها من يده، وبدأت تركض حينما إكتشفت ان الرجل قد مات. وضعت كيساً أسود على رأسها وظلت تركض كي تصل الى الحافلة. وفي الطريق صادفتها إمرأة عجوز ويبدو أن معالم (نركز) الخارجية قد إستقرت في ذهن هذه المرأة الطاعنة السن التي سنكتشف بعد قليل أنها أم الرجل الميت. وفي مركز الشرطة يسألها المحقق: (هل تعرفينه؟ فتجيب: لا والله. لماذا قتلتيه؟ فترّد: لم أقتله. فسيتدرك: منْ قتله؟ الريح!). نعم أن الريح كانت شديدة بينما كان الرجل يحاول أن يمسك بحجاب الرأس، لكنه فقد توازنه فسقط على الأرض ومات، لكن من يصدّق هذه الحكاية؟ جميع الطالبات عدن الى الحافلة فيما كانت (نركز) تركض لاهثة كي تتجاوز المأزق الذي ألمّ بها. وحينما وصلت الى الحافلة جلست في نهايتها تماماً وأخذت تتطلع الى الخلف حيث المرأة العجوز تمشي متعبة وهي تلوّح بيدها علّ السائق ينبته لها ولا ينطلق بحافلته الى المدينة. ومع ذلك فقد وصلت المرأة عن طريق الشرطة الى المعهد الفني وأخذ التحقيق مجراه. ومن بين مفردات التحقيق جاؤوا بالعجوز الى صف الطالبات اللواتي قمن بزيارة القرية، وتفحصتن جيداً، ومع أنها تجاوزت (نركز) ولإقتادت طالبة أخرى، إلا أن سير التحقيق يكشف لنا أن العجوز قد شخصت الطالبة التي كانت تحوم حولها الشكوك، خصوصاً بعد أن عرّضوها الى عدد من المراوح الكهربائية التي لم تفلح في إنتزاع ربطة رأسها. أخذوها في خاتمة المطاف الى مرتفع ترابي تحيط به الناس، فيما كانت الطيور تحلّق في السماء الصافية. شمّت (نركز) نفساً عميقاً جداً لينتهي الفيلم هذه النهاية المفتوحة المعبِّرة. جسدّت دور (نركز) الفنانة نسرين شجاعي وأبدعت فيه. إذ كان الأداء مُتقناً بحيث بانت عليها معالم الخوف والذعر من جريمة لم تقترفها، كما بذلت قصارى جهدها لكي تقنع المحقق بأن الريح هي التي كانت سبباً في إنتزاع الحجاب وسقوط الرجل من أحد أغصان الشجرة الباسقة. أنجز المخرج باتين قبادي عدداً من الأفلام القصيرة نذكر منها (الرسّام، اليوم بالتأكيد، في سجن إنفرادي، جندي مهزوم ومستعد للموت).

الأكورديون

يُعد جعفر بناهي من المخرجين الايرانيين المثيرين للجدل الذين يتحرشون بالتابوهات، وينتهكون المحرّمات التي يفرضها النظام الثيوقراطي المتشدد في إيران مثل حظر الموسيقى والغناء والرسم والتصوير وما الى ذلك. ويمكننا أن نشير هنا الى فيلم (تسلّل)، ذائع الصيت الذي أنجزه عام 2006 وفار بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي الدولي لجرأته ومسّه بالثوابت المتبعة في إيران والتي تمنع النساء من حضور مباريات كرة القدم. وفي هذا الفيلم تتنكر فتاة بهيئة رجل في محاولة منها لدخول الملعب بغية مشاهدة مباراة التأهيل بين إيران والبحرين في بطولة كاس العالم. وقبل أن تنطلق المباراة يتم حجزها مع عدد آخر من الفتيات لكي يتم تسليمهن الى شرطة الآداب بعد إنتهاء المباراة. في كل فيلم من أفلام جعفر بناهي ثمة رسالة ما يحاول إيصالها الى السطات الايرانية المتشددة التي توغل في ترسيخ الممنوعات، لذلك نراه يعتمد على الأسلوب الواقعي الجديد الذي يستمد مادته السينمائية من الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن الإيراني، ولكنه يعالج هذه المادة معالجة فنية خلاقة تأخذ بألباب المتلقين. ففي فيلم (الأوكورديون) الذي عُرض (خارج مسابقة الأفلام القصيرة) في الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي هذا العام ثمة رسالة واضحة تكشف عن القمع والإضطهاد الذي يتعرض له (كمبيز بهرامي) عازف الأوكورديون، و (خديجة بهرامي) التي تعزف على (الدمبك). وفي أثناء تجوالهما في الأسواق يقبض عليهما أحد الشباب بحجة نشر الفساد قرب المسجد، فالموسيقى من وجهة نظر هذا الرجل الذي يمثل السلطة هو نوع من الدنس والقذارة التي يجب إزاحتها من المجتمع وحياة الناس العامة، لذلك يصادر الأوكورديون ويترك الصبي غارقاً في حزنه ومحنته الجديدة التي هبطت عليه من حيث لا يحتسب. إلا أن شقيقته الصغرى تطيّب خاطره وتطلب منه أن يخفف من غلواء حالته النفسية المتفاقمة. وفي أثناء عملية البحث عن الرجل الذي أخذ الأوكورديون يحمل الصبي حجرة كبيرة تبعث الخوف والقلق في نفس شقيقته التي تسأله عما يروم القيام به. فإذا ضرب الرجل الذي يمثل السلطة فإنه سيدخل السجن حتماً. وإذا دخل السجن فمن هو الذي سيعين الأم المريضة، ومن سيتحمل تكاليف علاجها؟ وبينما هما يتناقشان في هذا الأمر تنساب الى أذنيهما موسيقى الأوكورديون نفسه فيجدان فعلاً شخصاً يعزف على الآلة ذاتها. فتبدأ خديجة بالعزف على (الدمبك) بطريقة فنية متمرسة. يتقدم الصبي ويأخذ منه الأوكورديون ويبدأ مع شقيقته الصغرى بعزف مقطوعات موسيقية جميلة ومتناغمة لا تخطئها الأذن المدربة. يواصلان العزف بحرفية واضحة فيما يسلِّمان الرجل الطاسة التي يضع فيها المارة تبرعاتهم النقدية كنوع من الاستحسان لهذا العمل الشريف الذي يؤديانه بدل تحصيل الرزق بطريقة أخرى قد تكون غير أخلاقية أو منافية للقانون. لقد عرض جعفر بناهي عن طريق هذا الفيلم الروائي القصير الذي لم تجتز مدته التسع دقائق عدة قضايا أساسية مثل القمع الذي يتعرض العازف الموسيقي حتى وإن كان صبياً صعيرا لأن الموسيقى من وجهة نظرهم تعد فناً محظوراً يقترن (بعمل الشيطان!). كما تناول مشكلة الفقر المدقع، فلو لم يكن هذا الطفلان فقيران جداً ويحتاجان الى النقود لإعالة والدتهما لما عملا بهذه المهنة، لأن مكانهما الطبيعي هو في المدرسة وليس في الأسواق أو على أرصفة الشوارع. يكشف الفيلم أيضاً طبيعة الحب والتكافل الاجتماعي الذي نلمسه من خلال المارة الذي الذين بدأوا بتقديم النقود الى العازفَين كنوع من الاعجاب بهذه المهنة المتحضرة والجميلة التي تدخل الفرح والسرور الى قلوب الناس الذين يعيشون في ظل هذه الأنظمة الدينية المتشددة التي تحوّل الحياة الى جحيم لا يطاق. ولد جعفر بناهي في مدينة ميانا الايرانية عام 1960. لفت، منذ أفلامه الأولى، انتباه النقاد والمتخصصين في الحقل السينمائي في إيران وبقية بلدان العالم. نال العديد من الجوائز المحلية والعالمية. عمل مساعد مخرج مع الفنان الكبير عباس كياروستمي في فيلم (خلال أشجار الزيتون) عام 1994. كما أنجز عدداً من الأفلام للتلفزيون الايراني. ومن بين أبرز أفلامة نذكر (الامتحان الأخير، البالون الأبيض، المرآة، الدائرة، الذهب القرمزي، تسلّل والأوكورديون).

حفلة المسبح

ينطوي فيلم (حفلة المسبح) للمخرجة الايرانية، المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية، سارة زاندية على إحالة مجازية واضحة تعرّي العلاقة بين السيد والعبد، أو الحاكم والمحكوم. فكيف للعبد المحكوم أن يتمرد على سيده حينما يكتشف أن هذا الأخير لا يعير له وزناً، ولا يضعه في حساباته مطلقاً. فالخادم هنا شخص مسِّن إسمه خاني، جسّد الدور الممثل (سيد على حسيني) فهو الذي يأخذ على عاتقه تنظيف المسبح، وحك طلائه القديم، وإعادة صبغة باللون الأزرق من جديد لمناسبة عيد ميلاد ابنة سيده، الطفلة الصغيرة التي ينبغي أن يُحتفى بها على الوجه الأكمل. وحينما تبدأ طقوس حفلة عيد الميلاد كان حوض السباحة مطلياً، نظيفاً، ممتلئاً بالماء الصافي الذي أخذ لون الطلاء الأزرق الجميل. لم ينتبه سيد المنزل وضيوفه الذين تحلقوا حول الموائد العامرة فرمى عقب سيجارته في حوض السباحة. أخرجها الخام خاني أول الأمر، وحينما شعر بتمادي ضيوفة على الجهود الجبارة التي بذلها، وهو في هذا السن الطاعن، وقف على قدميه وبكامل ملابسه ثم ألقى نفسه في الحوض وسط دهشة الحضور الذين أذهلهم هذا الحدث الذي يكشف، من دون شك، تمرد الخادم على سيده. لا شك في أن رسالة المخرجة سارة زاندية واضحة لأنها أرادت أن تعرّي الفوارق الطبقية بطريقة فنية شديدة التكثيف. كما أوصلت الرسالة التي تحرّض الخادم على المخدوم، أو المحكوم على الحاكم حتى وإن كان هذا التحريض بطريقة مجازية. أنجزت سارة عدداً من الأفلام القصيرة أبرزها فيلم (إيزابيل). ثمة أفلام إيرانية أخرى مشاركة في مهرجان أبو ظبي السينمائي تستحق الدراسة والتحليل أسوة بالأفلام العالمية الأخرى التي تمتلك سوية فنية عالية، إضافة الى الجرأة في الطرح، والذكاء في المعالجة الفنية. وسنتوقف عند بعضها في مقالات أخرى قادمة.

حفلة المسبح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer