اصبحت اونج سان سو تشي رمزا عالميا للمقاومة السلمية في مواجهة القمع، كما هو الحال مع الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا.
فقد امضت سو تشي (65 عاما) معظم العشرين عاما الماضية تحت شكل من اشكال الاحتجاز بسبب جهودها من اجل تطبيق الديمقراطية في بورما التي يحكمها نظام عسكري.
وحصلت سو تشي في عام 1991 على جائزة نوبل للسلام، اي بعد عام من فوز الرابطة الوطنية للديمقراطية، وهي الحركة التي تقودها، بشكل كاسح في الانتخابات العامة في بلادها، والتي الغاها العسكر.
ووصفها فرانسيس سييستد رئيس لجنة جائزة نوبل بانها "نموذج رائع لقوة من لا قوة له".
وظلت سو تشي، على الرغم من تهميشها لمدة عقدين حتى في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، رمزا قويا للأمل بالنسبة للعديد من البورميين.
رصانة سياسية
سو تشي هي ابنة احد ابطال الاستقلال البورمي الجنرال اونج سان، الذي اغتيل خلال العملية الانتقالية نحو الاستقلال في يوليو/تموز من عام 1947، اي قبل الاستقلال بستة اشهر، عندما كانت الابنة في عامها الثاني.
غادرت سو تشي الى الهند في عام 1960 مع امها داو خين كيا، التي عينت سفيرة لبلادها في دلهي.
بعد ذلك باربعة اعوام انضمت سو تشي الى جامعة اكسفورد البريطانية، حيث درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وهناك التقت بزوج المستقبل، الاكاديمي مايكل ايرس.
وبعد فترات من العيش والعمل في اليابان وبوتان، استقرت لتصبح ربة بيت انجليزية لتربي طفليها الكسندر وكيم، لكن بورما ظلت في بالها دائما.
وعندما وصلت الى عاصمة بلادها رانغون في عام 1988، من اجل رعاية امها المريضة جدا، كانت بورما في حالة اضطراب سياسي كبير.
فقد انتشر الطلاب والموظفين والرهبان في الشوراع مطالبين باصلاحات ديمقراطية.
وقالت سو تشي في كلمة القتها في رانجون في السادس والعشرين من اغسطس/ آب من عام 1988: "لا يمكنني، وانا ابنة ابي، ان ابقى غير مبالية او مهتمة بما يجري".
وبدأت سو تشي بعدها بسرعة نحو زعامة الانتفاضة ضد الدكتاتور الحاكم آنذاك الجنرال ني وين.
وانطلاقا من اعجابها بالحملات السلمية الرافضة للعنف التي قادها داعية الحقوق المدنية الامريكي مارتن لوثر كينج، وحركة المهاتما غاندي قبله، شرعت سو تشي في تنظيم مسيرات ومظاهرات، وطافت في انحاء بلادها، داعية الى الاصلاح الديمقراطي عبر الطرق السلمية وداعية الى انتخابات حرة.
تحدي
الا ان تلك المظاهرات قمعت بشدة من قبل الجيش، الذي استولى على السلطة بانقلاب في الثامن عشر من سبتمبر/ ايلول من عام 1988.
وقد دعت الحكومة العسكرية الى اجراء انتخابات عامة في مايو/ايار من عام 1990، حيث فازت سو تشي ورابطتها على نحو مقنع فيها، على الرغم من انها كانت فعليا تحت الاقامة الجبرية في منزلها، الى جانب ابطال السلطة مشاركتها في تلك الانتخابات.
الا ان حكام بورما العسكريين رفضوا تسليم السلطة، وظلوا مسيطرين على شؤون البلاد منذ ذلك الوقت.
وقد فرضت على سو تشي الاقامة الجبرية في منزلها برانغون لمدة ستة اعوام، حتى افرج عنها في يوليو/ تموز من عام 1995.
لكنها وضعت مجددا تحت الاقامة الجبرية في سبتمبر/ايلول من عام 2000، عندما حاولت السفر الى مدينة مندلاي متحدية قيود السفر المفروضة عليها.
واطلق سراحها بدون شروط في مايو من عام 2002، الا انها سجنت بعد ذلك بسنة تقريبا، عقب مواجهات بين مناصريها ومجموعات تدعمها الحكومة العسكرية.
حل الرابطة
وسمح لها بعد ذلك العودة الى منزلها، لتوضع عمليا تحت الاقامة الجبرية مجددا، وظلت هناك حتى الافراج عنها اخيرا.
وخلال وجودها مجبرة في منزلها، عمدت سو تشي على اشغال نفسها في الدراسة والتمرين، فقد كانت تمارس التأمل، وطورت لغتيها الفرنسية واليابانية، وتمرنت على عزف مقطوعات لباخ على البيانو.
وفي سنوات لاحقة خلال اقامتها الجبرية سمح لها بلقاء مسؤولين في حزبها وبعض الدبلوماسيين الاجانب، لكنها في السنوات الاولى كانت عمليا تعيش في عزلة انفرادية، حيث لم يسمح لها الالتقاء بابنيها او زوجها، الذي مات بالسرطان في مايو من عام 1999.
وقد سمحت الحكومة العسكرية لها بالسفر الى بريطانيا للقاء زوجها المريض جدا، لكنها رفضت الدعوة لخشيتها من احتمال رفض عودتها الى بلادها، حتى انها لم ترى احفادها حتى الآن.
وفي الاشهر الاخيرة وجهت لها انتقادات لرفضها المشاركة في انتخابات نوفمبر عام 2010، وهي الاولى في البلاد منذ عشرين عاما.
وتقول الرابطة التي تقودها سو تشي تقول ان تلك الانتخابات كانت غير عادلة، ولهذا قررت عدم المشاركة فيها. وبموجب قوانين جديدة بات على الرابطة حل نفسها.
"سيأتي وقتنا"
الا ان مجموعة من اعضاء الرابطة كونوا حزبا جديدا لخوض الانتخابات، مبررين ذلك بالقول انه لا بد من وجود شكل من اشكال التمثيل النيابي في البرلمان الجديد، وهو امر افضل من لا شيء، حسب رأيهم.
وانتهت تلك الانتخابات، التي وصفها الرئيس الامريكي باراك اوباما بانها "ليست نزيهة او حرة"، الى سيطرة الاحزاب التي يدعمها نظام الحكم العسكري على البرلمان.
وقد ادى تنظيم الانتخابات الى ظهور تخمينات بقرب الافراج عن سو تشي، التي قالت انها لن تقبل الافراج عنها اذا كان مقيدا بأي شروط تقيد نشاطاتها وحركتها.
وكانت سو تشي تكرر القول ان احتجازها جعلها تتيقن ان عليها وهب حياتها لتمثيل المواطن البورمي العادي. وفي مقابلة نادرة معها في عام 2007، وخلال الانتفاضة التي قمعت بوحشية، قالت ان الديمقراطية "لم تمت" في بورما.
واضافت، في المقابلة التي اجراها معها الصحفي البريطاني جون بيلجر، انه "مهما كانت قوة نظام الحكم، في النهاية لن يتمكنوا من ايقاف الشعب، لا يمكنهم الوقوف في وجه الحرية، وسيأتي وقتنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات