بقلم د.حسن نافعة ٢٣/ ١١/ ٢٠١٠
تكفى نظرة عابرة على المشهد الانتخابى الراهن لإدراك عيوب وعورات النظام السياسى الراهن فى مصر. فإذا أخذنا معيار عدد المرشحين من ذوى الحيثية, أو معيار الحركة والنشاط الدعائى, أو معيار عدد الدعاوى القضائية المرفوعة لمعالجة أوجه خلل فى قواعد أو إجراءات الترشح, أو معيار الملاحقات الأمنية للمرشحين وأنصارهم, يمكن أن ندرك على الفور أن المنافسة الحقيقية تدور بين طرفين لا ثالث لهما: «الحزب الوطنى الديمقراطى», من ناحية, و«جماعة الإخوان المسلمين», من ناحية أخرى. أما الأحزاب والجماعات والقوى السياسية الأخرى فلا وجود لها, أو لها وجود محدود جدا لا يكاد يحس به أحد, على الرغم من أن بعضها, كحزب الوفد مثلا, يخوض الانتخابات بأعداد كبيرة نسبيا من المرشحين. يفصح هذا المشهد فى الواقع عن حالة استقطاب حاد وخطير وغير متكافئ, فى نظام سياسى يبدو واضحا تماما أنه لم يتمكن بعد من التحول إلى نظام تعددى حقيقى. فهو استقطاب حاد, لأنه يعكس صراعا يدار بوسائل وأدوات عنيفة, كالحظر القانونى والملاحقات الأمنية والاعتقالات والبلطجة وغيرها. والمعارك الانتخابية فى النظم السياسية الطبيعية والمستقرة لا تدار بهذه الوسائل أبدا. وهو استقطاب خطر لأن طرفيه غير المباشرين هما الدولة, من ناحية, ويمثلها الحزب الوطنى, والدين (أو بمعنى أدق الإسلام السياسى), من ناحية أخرى, وتمثله جماعة الإخوان المسلمين. وهذا وضع غير طبيعى وغير معقول. فليس من حق الحزب الوطنى احتكار الدولة, أو اختزال الدولة فى الحزب الوطنى, لأن الدولة لكل مواطنيها ولكل أحزابها وقواها السياسية، يجب ألا تفرق بين أحد. وليس من حق جماعة الإخوان احتكار الدين, أو اختزال الإسلام السياسى فى جماعة الإخوان, لأن الدين ملك لجميع المؤمنين به والله وحده هو الرقيب والحسيب. وهو استقطاب غير متكافئ, لأنه بين قوة سياسية رسمية ليس فقط محصنة قانونيا ولكنها تملك أيضا سلطة التشريع, وأخرى محظورة ليس لها غطاء قانونى ومن ثم تسهل ملاحقتها أمنيا وحصارها سياسيا وقانونيا, لكنها مع ذلك موجودة كأمر واقع لا تستطيع الدولة أن تلغيه أو تمحوه أو حتى تضعفه. وبصرف النظر عن أحاديث المشاركة والمقاطعة, أو درجة حماس المواطنين للانتخابات وإقبالهم على صناديق الاقتراع لا يمكن لانتخابات تجرى فى ظل هذا النوع من الاستقطاب الحاد والخطير وغير المتكافئ أن تفرز ممثلين حقيقيين للشعب. فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن الحزب الوطنى استعد لهذه الانتخابات سلفا, بسبب حساسيتها الخاصة, بتعديلات دستورية أضعفت رقابة القضاء عليها, وبإجراءات أمنية قمعية وإعلامية تقييدية تضيق الخناق على المرشحين غير المرغوب فيهم, وبرفض الرقابة الدولية ووضع العراقيل المختلفة لشل القدرة على الرقابة المحلية, لأمكننا أن نتنبأ بنتيجة هذه الانتخابات سلفا, وهى فوز الحزب الوطنى بأغلبية ساحقة من مقاعد مجلس الشعب. لذا نحن على يقين من شىء واحد على الأقل, وهو أن هذه الانتخابات لن تفرز ممثلين حقيقيين للشعب، وستأتى بمجلس أقرب ما يكون إلى التعيين منه إلى الانتخاب، فالمجلس المقبل هو مجلس جمال مبارك وأحمد عز، وسيكون هو المجلس المخول بوضع الرتوش النهائية لمشروع التوريث خلال العام المقبل. ألا تعد انتخابات تجرى فى سياق كهذا مضيعة للوقت, وهدرا للإمكانية، واستنزافا للطاقة فيما لا طائل ولا فائدة ترجى للشعب من ورائه؟ مجرد سؤال. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات