آخر تحديث: الثلاثاء 9 نوفمبر 2010 11:17 ص بتوقيت القاهرة
سميح يشرح طرق المراقبة الأمنة لانتخابات الشعب
تصوير: محمود خالد
مفهوم مراقبة الانتخابات بدأ فى مصر عام 1995 مع ظهور مجتمع مدنى يريد التأكد من نزاهة العملية الانتخابية. ومنذ ذلك الحين، والمنظمات الحقوقية تدرب مئات المتطوعين على أساليب مراقبة الانتخابات لتجمع المعلومات وتحللها وتصدر التقارير التى تكشف عما بالانتخابات البرلمانية من تجاوزات.
«الشروق» حضرت تدريب مركز الأندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف لمجموعة من المتطوعين الراغبين فى القيام بدور فعال، وهو تدريب قد يساعد كل الناخبين فى ملاحظة مدى نزاهة الانتخابات فى دوائرهم.
«تعرفوا عربيات الأمن المركزى فيها كام مجند؟»، يتحدث أحمد سميح، رئيس مركز الأندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، موجها سؤاله لمجموعة من 25 شابا فى العشرينات يجلسون حوله فى حلقة واسعة، متطوعين لمراقبة الانتخابات المقبلة.
إنه اليوم الثانى من تدريب مراقبة الانتخابات الذى يعده المركز لمتطوعيه، فمركز الأندلس عضو فى الائتلاف المصرى لمراقبة الانتخابات. وهو الائتلاف الذى يضم أيضا المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ودار الخدمات العمالية إضافة إلى 120 منظمة مجتمع مدنى تتشارك كلها فى متابعة 1200 متطوع لمراقبة 222 دائرة انتخابية فى اليوم المشهود، 28 نوفمبر المقبل.
بمقر مركز الأندلس فى وسط البلد، يشرح سميح مفهوم المراقبة وأساليبها، ويقول للمتطوعين، الذين ليس لأغلبهم خبرة فى العمل السياسى أو الحقوقى، إن وظيفة المراقب أن يكون محايدا وخارج العملية الانتخابية ولا يسمح لعواطفه بأن تتحكم فيه.
يقف فجأة فوق كرسى ويقول: «لازم تقف بره الخط وتبدأ تسجل. فاول على فلان، هدف لفلان، وكارت أحمر لفلان»، مشبها مراقب الانتخابات بحكم كرة القدم الذى يرصد ويحكم بالعدل دون انحياز لأى من الفريقين.
مراقبة الانتخابات تعنى «الأنشطة التى يقوم بها شخص أو منظمة يجوز له جمع المعلومات والأدلة فيما يخص عملية الانتخابات والنظام الذى تجرى فى إطاره، ولا يجوز له التدخل فى العملية»، طبقا لدليل رصد ومراقبة الانتخابات الصادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
يشمل هذا المفهوم رصد وتوثيق أى خرق للقوانين العديدة التى تنظم العملية الانتخابية، بداية من الدعاية والتقدم بأوراق الترشيح، إلى ظهور النتائج والتأكد من عدم التلاعب فى صناديق الانتخاب.
لكن التركيز الأكبر لتدريبات مركز الأندلس كان على مراقبة يوم الاقتراع تحديدا.
استشعار الجو العام
«قبل الساعة 8 الصبح، تبدأ الجولة على نقاط الاقتراع»، لمراقبة الجو العام ودرجة التأهب الأمنى، «فلو لقيت عدد كبير من قوات الأمن، تحضر نفسك لدائرة مليئة بالمشاكل».
ينصح سميح متطوعيه بأن يدونوا ويلاحظوا كل ما حولهم، مثل أرقام سيارات عربات الأمن والمحافظات التى أتت منها، «فلو فيه أرقام من خارج المحافظة، فمعنى كده إن القوة العددية المجهزة لتأمين الانتخابات داخل المحافظة ضعيفة وتحتاج لدعم».
مراقبة أرقام السيارات لها الكثير من الدلالات، فوجود أعداد كبيرة من الأتوبيسات الحكومية بجانب اللجنة قد تشير إلى استخدام مرفق من مرافق الدولة فى سبيل خدمة مرشح بعينه، أما الأتوبيسات الخاصة فقد تعنى استقدام المرشح لأنصار من خارج الدائرة للتصويت لصالحه، فى مخالفة للقانون.
و«إن كان هناك كردون أمنى فحاول دايما تبقى خارجه، فالموقع الأمثل للمراقب هو أن يكون خارج الحدث علشان يشوفه بشكل أفضل».
المراقبة بالزى الرسمى
«أرجوكم التزموا بالتعليمات، لأنها بتضمن سلامتكم الشخصية»، يروى أحمد سميح عن انتخابات 2005 حين كان يراقب إحدى الدوائر الانتخابية بالزقازيق، وكانت مجموعة المراقبة كلها ملتزمة بارتداء بذلة كاملة كنوع من التعريف البصرى بأنفسهم، «لكن واحد بس ملتزمش بالزى، ونزل يراقب بتى شيرت وبنطلون جينز».
يسترسل أحمد فى القصة ليروى مشهد مطاردة أهالى الدائرة بالطوب والفئوس لمجموعة من البلطجية القاهريين الذين استقدمهم مرشح للتنكيل بمعارضيه.
«لما لاقينا المطاردة دى، خدنا جنب وكأننا ملناش علاقة خالص. ماعدا صاحبنا اللى لابس تى شيرت. أحس بالفزع فجرى هو كمان»، ولم يفرق الأهالى الغاضبون بين المراقب ذى البنطلون الجينز والبلطجية فأوسعوه ضربا ووضعوا عصابة على عينيه وكبلوا يديه مع باقى الأسرى.
البقاء للأهدأ
«ساعة ما يجيلك حد يكلمك بشكل مستفز، رد عليه بابتسامة وقول له: صباح الخير الأول»، يشرح سميح أن علاقة المراقب بالمخبرين أو عساكر الأمن هى موازنة قوى، تنتهى لمن يستطيع الحفاظ على هدوئه أمام الاستفزازات ومحاولات «جر الشكل».
الرد العصبى يعطى الفرصة للعسكرى بأن يكون له اليد العليا، «لكن لما ترد بهدوء ومن غير انفعال، فأنت بتديله رسالة إنك بتجس نبضه ومش حتتأثر بأسلوبه بسهولة».
تتقدم الجمعيات الأهلية بطلبات رسمية للجنة العليا للانتخابات للحصول على تصاريح، ومازال مركز الأندلس فى انتظار نتيجة طلبه. «من غير تصريح، أقصى حاجة ممكن يعملوها يمنعوك من دخول اللجنة»، وهنا يستطيع المراقب أن يخرج ويراقب من الخارج، وأن يدخل اللجنة لعدة دقائق فقط «فأنت مواطن طبيعى من حقك تدخل اللجنة وتدلى بصوتك».
أما إن حصل «الأندلس» على تصريحات لمراقبيه، فهذا لا يعنى أن المراقب لن يواجه مشكلات، «أوعى تقول إن معايا الكارنيه وأقدر أعمل اللى أنا عايزه»، فالورقة الرسمية لن تنفع أمام ضابط مصر على أن يطرد المراقب خارجها.
فى كلتا الحالتين، على المراقب أن يتأكد من أن الصندوق الانتخابى شفاف ومغلق بالشمع الأحمر، وملاحظة كمية الأصوات داخله.
الورقة الدوارة
«الرشوة الانتخابية معناها إعطاء نقود للمرشحين، مش توزيع وجبات غذائية»، يؤكد سميح أن مفهوم الرشوة يجب أن يكون محددا بدقة، فالوجبات قد تدخل فى إطار الدعاية وليس الرشوة.
أحد أشهر طرق التزوير والرشوة هى أسلوب الورقة الدوارة. يدخل أحد الناخبين إلى اللجنة ليدلى بصوته، لكنه يحتفظ بورقة الاقتراع دون أن يضعها فى الصندوق ليعطيها لأنصار مرشح بعينه.
«لما تلاقى الكلام ده بيحصل، سجل المعلومة وخلاص. مش لازم تبين إنك لاحظت»، يحذر سميح المتطوعين من الاندفاع ومحاولة إيقاف عملية التزوير. «إثباتها على المزور صعب جدا، وحتى لو أثبتها بأعجوبة فالمزور حياخد أقل من 6 أشهر سجن»، وهو ثمن لا يساوى تعريض سلامة المراقب للخطر.
خالتى فرنسا
«أصعب حاجة حتواجه البنات فى دوائر الكوتة هو نموذج خالتى فرنسا، الست المستعدة تتخانق طول الوقت». بعض هؤلاء النساء قد يستقبلن أى ناخبة بالأحضان والقبلات دون سابق معرفة ويصاحبنها إلى داخل اللجنة، للإيحاء لمندوبى المرشحين بالنجاح فى استقطاب أصوات جديدة والحصول على مبالغ مالية مقابلها. أما البعض الآخر فقد يحاول التحرش بالناخبات وافتعال الشجارات، وكالعادة فأهم أداة للمراقب أن يتحلى ببرود الأعصاب ويتجاهل محاولات الشجار.
«لازم تستعملى الفروق الثقافية لصالحك»، يقولها سميح ضاحكا، فالفتيات قادرات على التجول فى اللجان دون مساءلة أكثر من الشباب. «لو عايزه تبصى على لجنة وقلتى أنا داخلة أشوف بابا أو أخويا، فيه فرصة كبيرة إن الأمن يسيبك تعدى»، وهو ما قد لا يحدث مع الرجال.
الموبايل لكسر الرقابة
«نعيش الآن عصر السماوات المغلقة»، يعدد سميح عدد البرامج التليفزيونية والقنوات التى تم إغلاقها، وقرارات حظر وحدات البث المباشر SNG والرقابة على الرسائل القصيرة.
يقول سميح إن الهواتف المحمولة الحديثة المزودة بكاميرات هى الأمل الباقى لكسر هذا الحصار. موقع qik.com تحديدا هو أحد أهم الوسائل لكسر الرقابة، والذى تدرب عليه عدد كبير من النشطاء، فالموقع يتيح لمستخدميه مجانا نقل ما تصوره كاميرات الفيديو فى هواتفهم المحمولة مباشرة وبجودة معقولة.
يمسك سميح بهاتفه المحمول ويقوم بتفعيل الخدمة ويشغل شاشة العرض ليرى المتطوعين أنفسهم صوتا وصورة على الموقع فى بث مباشر.
يضع سميح هاتفه فى الجيب الخلفى، ويخفيه بين ساعديه مبينا الأوضاع المختلفة التى من الممكن للمراقب أن ينقل بها الحدث دون أن يلاحظه أحد.
«اللى عندهم موبايل بكاميرا، يحاولوا يدخلوا على الموقع ويجربوه، لأنه حيبقى وسيلة مهمة لنقل الحدث بشكل مباشر. ده حيكون الإس إن جى بتاعنا إحنا». الموبايل سيلعب دورا أساسيا فى مراقبة انتخابات 2010، فالمراقبون سيكتبون تقاريرهم فى رسائل نصية قصيرة لرقم بعينه.
«يوم الانتخابات حيوصلك الصبح رقم جوه مصر أو بره مصر، تبعتله مشاهداتك بشكل مركز فى رسائل قصيرة أولا بأول»، ولم يعلن سميح عن الرقم خوفا من أن يتسبب انتشاره فى وقوعه تحت طائلة الرقابة. الانتخابات السابقة كان التقرير الانتخابى يخرج آخر يوم الانتخابات، أما بالتقنية الجديدة فيستطيع أن يتم تحديثه كل ساعة على مدار اليوم.
يطلب سميح من المراقبين والاهتمام بسلامتهم الشخصية أولا والابتعاد فورا عن موقع أى أحداث قد تتسبب فى إيذائهم جسديا.
سنة أولى مراقبة
«أنا عمرى ما كان ليا أى نشاط سياسى»، تقول سمر، 29 عاما، إنها فى حياتها لم تنضم لحزب سياسى أو تشارك فى مظاهرة. ولكن هذه العلاقة الواهية قد ضعفت أيضا بعد إقالة رئيس تحرير جريدتها المفضلة «الدستور» وإغلاق برنامج القاهرة اليوم لعمرو أديب.
تعمل سمر بإحدى شركات الملاحة بالإسكندرية، وهى الآن فى أجازة بدون راتب هربا من التنكيل الذى لحق بها بعد أن تحدثت علنا عن وقائع فساد مالى وإدارى فى شركتها. «حسيت ساعتها إن اللى حصل لعمرو أديب وإبراهيم عيسى شبه اللى حصل لى. اللى بيقول الحق فى البلد دى بيكتموا بقه»، ولهذا ارتضت سمر أن تترك ولديها عبدالرحمن، 9 سنوات، وعبدالله، 4 سنوات، فى رعاية أسرتها، لتسافر القاهرة وتشارك فى تدريب المراقبة الذى ينظمه مركز الأندلس.
سمعت سمر عن التدريب من خلال الدعوة العاملة على موقع «فيس بوك»، وقررت أن تشارك فى نشاط حقوقى لأول مرة فى حياتها. ربطت سريعا بين الظلم الذى تعرضت له فى شركتها والوضع العام فى البلد، «رئيس القطاع الإدارى فى شركتى كان يعاقب معارضيه بالجزاءات الظالمة، وده لا يختلف عن الحاكم الظالم الذى يؤذى شعبه».
تصوت سمر فى دائرة الرمل، وتنوى إعطاء صوتها لمرشح الوطنى وزير التنمية المحلية عبدالسلام محجوب، وذلك لأنها معجبة بأدائه منذ أن كان محافظا للإسكندرية، «كان الوحيد اللى بيلتقى بالناس شخصيا مرة فى الأسبوع، وعمل حاجات حلوة كتير».
لا ترى سمر تعارضا بين تأييدها لمرشح الوطنى ومعرفتها بحجم التزوير، فهى تؤمن بأن ليس كل أعضاء الوطنى والحكومة فاسدين، فمنهم الصالح والطالح».
تقول سمر إنها كانت تتوقع أن ترى فى التدريب تشجيعا على التحدى واجتياز العوائق، «لكن الحكاية مش كده خالص، فأهم حاجة قالولنا عليها هى الحفاظ على السلامة الشخصية والابتعاد عن أى حاجة ممكن تؤذى المراقب».