رغم مخاوف المراقبين للشأن المصري من حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق في الإنتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في 28 من شهر نوفمبر الجاري، وموقف البعض السلبي منها للسبب انف الذكر، إلا أن اقتراب موعد إجراء الانتخابات يبقى له الفضل في تحسن أحوال العديد من أصحاب المهن في مصر، مثل الخطاطين، وبائعي الأقمشة، والعاملين في المطابع الصغيرة، حيث يعمل هؤلاء في الدعاية الإنتخابية للمرشحين.
القاهرة: رغم التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الدعاية والإعلان إلا أن الدعاية الانتخابية ما زالت تعتمد بنسبة 99% علي اللافتات المصنوعة من القماش، هذا ما يؤكده محمد حسني "خطاط"، ومعلم بإحدي مدارس مدينة الجيزة.
ويضيف: "تعتبر فترات الإنتخابات في مصر، وخاصة إنتخابات مجلس الشعب التي تجري كل خمسة أعوام من أكثر الفترات انتعاشا في مجال عمل الخطاطين، والدعاية الإنتخابية تبدأ عادة قبل موعد التصويت بما يزيد علي شهرين أو ثلاثة أشهر، ويبدأ معها عملنا في كتابة اللافتات، وتكون أسعار الكتابة بالمتر، ويتراوح السعر ما بين 25 و50 جنيهاً، حسب عدد الكلمات والرسومات التي تكتب علي اللافتة، ومكانة وثراء المرشح، فإذا كان رجل أعمال لا يقل سعر المتر عن 50 جنيها، وعموماً غالبية المرشحين من رجال الأعمال خلال الدورتين الماضيتين، في عامي 2000، و2005، وفي الدورة الحالية 2010.
ويتابع قائلاً: "منذ بداية الدعاية الإنتخابية في منتصف الشهر الجاري حسب قرار اللجنة العليا للإنتخابات، أصبح أي خطاط في مصر يكتب يومياً عدد من اللافتات يتراوح ما بين 20 و30 لافتة، وهناك مرشحون يفضلون كتابة الدعاية الخاصة بهم علي أسوار المدارس المصالح الحكومية، والكباري، و المنازل المهجورة، حتى لا تتعرض للتمزيق، وذلك يتطلب أجراً أعلى يصل إلي مائة جنيه في المرة الواحدة سواء علي جسم كوبري أو سور أو جدار أي مبنى، خاصة أن هذا العمل يمثل مخاطرة علي الخطاط، ويتم تحت جنح الظلام.
ويشير ناجي عبد الرحمن "خطاط" بمنطقة الدقي الراقية إلى أنه لا يحصل على قسط وافر من النوم منذ نحو الشهر، بسبب ضغوط العمل، و يضيف: "العمل حالياً كثير جداً والرزق وفير، وهذه الأيام موسم، ولا يمكن أن أنام فيها، لأني نائم طوال خمس سنوات".
ويستطرد قائلاً: "عادة تكون الدعاية في الدوائر التي يترشح فيها الوزراء أو كبار رجال الأعمال كثيفة، حيث يتسابق أصحاب المحال التجارية، والشركات ومديرو المصالح الحكومية لمجاملة الوزير من خلال لافتات التأييد والمبايعة، فيما ينفق رجال الأعمال علي الدعاية ببذخ، وغالباً تفوق قيمة الدعاية الإنتخابية السقف المحدد من قبل اللجنة العليا للإنتخابات والمقدر بمائتي ألف جنيه، فهي لا تقل بأي حال من الأحوال عن مليون جنيه.
ويواصل: "يفضل الغالبية العظمى من المرشحين اللون الأحمر في الكتابة، وخط الرقعة، فيما يفضل مرشحو حزب الوفد اللون الأخضر، رمز حزبهم، وهو اللون نفسه الذي يفضله مرشحو جماعة الإخوان المسلمون، غير أن الأخيرين لا يلجأون إلينا نحن الخطاطين المحترفين، لأن الجماعة لديها إكتفاء ذاتي في مجال الدعاية، حيث لديها خطاطوها الذين يكتبون اللافتات تطوعاً منهم.
ويلفت السيد رجب "خطاط منذ 45 عاماً" ويعمل في منطقة السلام إلي أن المرشح يعلق ما يتراوح ما بين 300 و500 لافتة أو يزيد العدد ليصل إلى ألف إذا كان من رجال الأعمال الكبار أو وزيراً، و يضيف: "يزداد الطلب على الخطاطين مع زيادة عدد المرشحين وقوتهم ونفوذهم، وهناك مرشحون لا يقومون إلا بالقليل من الدعاية وهؤلاء هم الواثقون من النجاح، بسبب عدم وجود منافسين أقوياء أو لإحتكارهم مقعد الدائرة لسنوات طويلة أباً عن جد، وندعو الله أن يجعل أيامنا كلها إنتخابات حتى يزداد الرزق.
ويرتبط رواج تجارة الأقمشة بالإنتخابات أيضاً، ويقول سلامة بدوي صاحب محل أقمشة بمنطقة الأوبرا بالقاهرة إن الإنتعاش يطال الأقمشة الرخيصة فقط، وخاصة قماش "البفتة الأبيض"، حيث يقبل المرشحون عليه لرخص ثمنه وقدرته على إمتصاص الأحبار أو الألوان المستخدمة في الكتابة، ويسهل الطباعة عليه، حيث يفضل بعض المرشحين الجدد طباعة صورهم على اللافتات، وبخاصة النساء المرشحات على مقاعد الكوتة.
ويضيف: "يتراوح سعر متر القماش البفتة ما بين 5 و 10 جنيهات، ويشتري المرشح الواحد ما يتراوح بين 1000 و3000 متر، ويبلغ طول اللافتة الواحدة ما لا يقل عن خمسة أمتار أي أنه يستخدم ما يتراوح بين 200 و600 لافتة. ويفضل غالبية المرشحين اللون الأبيض أو الأصفر، فيما يحبذ مرشحو آخرون ألوان: الأخضر وهؤلاء هم المنتمون لحزب الوفد أو الإخوان، ويفضل مرشحو حزب الغد اللون البرتقالي، وقليلون يفضلون اللون الأزرق أو الأسود أو الأحمر".
وفي السياق ذاته، تنتعش أحوال المطابع الصغيرة بسبب الإنتخابات، حيث يطبع المرشحون ملايين الملصقات والبوسترات والأجندات والدعاية الورقية. ويقول مراد عبد السلام صاحب مطبعة في منطقة باب اللوق بوسط القاهرة: فرص العمل تتضاعف عدة مرات أثناء الإنتخابات، ونضطر لإلغاء الإجازات للعمال لمدة شهرين قبل بدء موعد التصويت، وشهر خلالها، أي أننا نعمل ليل نهار طوال ثلاثة أشهر، وتتنوع أشكال الدعاية ما بين الكروت الصغيرة، والدعاية الورقية علي ورق مقاس "أيه فور"، وبوسترات وملصقات.
ويركز غالبية المرشحين علي الدعاية الورقية ال"أيه فور"، ويكتبون في ورقة واحدة السيرة الذاتية والإنجازات والبرنامج الإنتخابي، ويبلغ سعر طباعة الألف ورقة لون واحد 250 جنيها، وفي حالة إستخدام لونين أوثلاثة يرتفع السعر إلي 400 جنيه، ويقبل بعض المرشحين ـ وهم قليلون ـ علي الدعاية بواسطة الأجندات خاصة أن الإنتخابات تتزامن مع نهاية العام 2010 وقدوم عام جديد، ويتراوح سعر الأجندة الواحدة ما بين 5وجنيه، وعادة يفضلون السعر الأدني، ويطبع المرشح ما يتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف أجندة.
ويضيف عبد السلام: يتم حساب أسعار المصقات والبوسترات بالسنتيمر، ويرتفع السعر أو ينخفض حسب خامة الورق و عدد الألوان المستخدمة. لكن الطلب علي الملصقات قليل بعكس المطبوعات الورقية من نوعية "أيه فور".
ومن جانبه، يقول الدكتور نور سليمان أستاذ الدعاية والإعلان بجامعة القاهرة إن الدعاية الإنتخابية في مصر لا تسير علي أسس علمية، مشيراً إلي أنها مازالت تعتمد علي مخاطبة الناخبين من خلال اللافتات والمطبوعات والمطويات الصغيرة دون أن تعتمد علي الإحتكاك المباشر مع الجماهير، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها: عدم وجود شركات أوخبراء متخصصين في الدعاية الإنتخابية وقياسات إتجاهات الرأي العام، بالإضافة إلي أن غالبية المرشحين ليست لديهم الرغبة في العمل علي أسس علمية، لإقتناعهم بأن الفوز في الإنتخابات يعتمد علي التربيطات والصفقات وإنفاق الأموال ببذخ في كل الإتجاهات.
فضلاً علي غياب الوعي لدي الناخبين بطبيعة الإنتخابات ومكاسبها المباشرة وغير المباشرة عليهم، سواء من حيث توسيع دائرة حرية الرأي والديمقراطية وتحسين مستوي الخدمات.
فيما يري الدكتور حسن مسعود أستاذ العلاقات العامة بجامعة القاهرة أن الدعاية الإنتخابية تختلف في طبيعتها وتكلفتها من دائرة لأخرى حسب قوة المرشحين، وإتساع مساحتها، منوهاً بأن الدعاية في المدن ترتفع تكلفتها مقارنة بالقري، حيث إن الدعاية في المدينة تعتمد علي اللافتات والملصقات والمطويات الورقية، وتحتاج إلي إغراءات مادية، بينما تعتمد في القري علي الإحتكاك المباشر مع الأهالي وزيارتهم في منازلهم أو علي الأقل زيارة كبير العائلة أو زعيم القبيلة، ولذلك يبدأ المرشحون في القرى دعايتهم قبل الإنتخابات بنحو ثلاثة أشهر من خلال الزيارت وحضور سرادقات العزاء والأفراح وعقد لقاءات جماهيرية في الساحات ودور المناسبات.
ويشير مسعود إلي أنه ظهرت هذا العام أنواع جديدة من الدعاية بخلاف اللافتات والملصقات منها: رسائل الموبايل، وفايسبوك، والشبكات التلفزيونية الداخلية. ولكن ذلك لن يؤدي إلى إلغاء الدعاية التقليدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات