الأقسام الرئيسية

أرقام لها دلالات

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم د.حسن نافعة ٢٩/ ١١/ ٢٠١٠

أعلن السيد المستشار عبدالعزيز عمر، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، فى تصريحات أدلى بها يوم الجمعة الماضى، أن الرقم النهائى لإجمالى عدد المرشحين المتنافسين على مقاعد مجلس الشعب، وعددها ٥٠٨ مقاعد، بلغ ٤٦٨٦ مرشحاً. ومعنى ذلك أن كل مقعد سوف يتنافس عليه فى المتوسط أكثر من أربعة مرشحين، وهى نسبة معقولة تدل على وجود مستوى معقول من المنافسة. غير أن تأمل التفاصيل يشير إلى أن هذه المنافسة غير متكافئة وتجرى فى ظروف غير صحية. فمن بين إجمالى المرشحين يوجد ١١٨٨ يمثلون الأحزاب، والباقى، وعددهم ٢٤٩٨، يخوضون الانتخابات كمستقلين.

أى أن نسبة مرشحى الأحزاب إلى إجمالى المرشحين لا تتجاوز ٢٥%. ومعنى ذلك أن من بين كل أربعة مرشحين يوجد ثلاثة يخوضون الانتخابات كمستقلين مقابل مرشح واحد يخوضها بصفته الحزبية، ولهذا الرقم دلالة خاصة تؤكد أن إطار الحياة الحزبية فى مصر أضيق كثيرا من نطاق الإطار العام للحياة السياسية ككل، وأن نسبة كبيرة من الراغبين فى المشاركة السياسية لا تعتبر الأحزاب القائمة أداة مناسبة لإشباع رغباتهم أو لتحقيق طموحاتهم السياسية، مما يعد أحد أهم مظاهر الخلل فى النظام السياسى المصرى الراهن. ولأن الأحزاب هى وقود السياسة ومعامل تفريخ الكوادر اللازمة لإدارة عجلتها، فإن تضخم أرقام المرشحين المستقلين يعكس خمول وعقم الحياة السياسية فى مصر والتى لاتزال تحتاج إلى منشطات قوية لتصبح طبيعية.

على صعيد آخر، تعكس أرقام المرشحين الحزبيين خللا واضحا فى تضاريس الخريطة الحزبية نفسها. فللحزب الحاكم وحده ٧٦٣ مرشحاً، بنسبة تعادل حوالى ٦٥% من إجمالى المرشحين الحزبيين، بينما لم يتجاوز عدد من رشحتهم الأحزاب الأخرى مجتمعة ٤٢٥ مرشحاً. أى أن عدد مرشحى حزب واحد يكاد يبلغ ضعف إجمالى عدد المرشحين من جميع الأحزاب الأخرى، وهو رقم يعكس مظهراً آخر من مظاهر الخلل فى الحياة السياسية فى مصر وربما يفسر درجة خمولها العالية، خصوصا أن الحزب الوطنى ينافس نفسه فى كثير من الدوائر. فإذا تركنا الحزب الحاكم جانباً وقمنا بفحص الأرقام الخاصة بمرشحى بقية الأحزاب، فسوف نجد أن عدد الأحزاب المتنافسة فى الانتخابات بلغ ١٨ حزبا، لكن أوزانها التنافسية شديدة التباين، إذ تتراوح بين ٣ مرشحين لأصغرها (حزب العدالة الاجتماعية) و١٦٨ لأكبرها (حزب الوفد). فإذا اعتبرنا أن القدرة على تقديم مرشحين فى الانتخابات التشريعية مقياس لثقل الحزب فى الحياة السياسية، وأن خمسة أحزاب رسمية لم تتقدم بأى مرشح، يمكن القول إن جميع الأحزاب السياسية فى مصر، باستثناء الوطنى والوفد والتجمع، هى أحزاب ورقية. فهل لهذه الأرقام فى مجملها دلالة بالنسبة للنتائج المحتملة للانتخابات التى جرت أمس؟ نعم فهذه الأرقام تشير إلى:

١- إن الحزب الحاكم سيحصل، كالمعتاد، على أكثر من ثلثى عدد المقاعد، قد تصل إلى أكثر من ٨٠% فى هذه الانتخابات، وستوزع النسبة الباقية على باقى الأحزاب «المتعاونة».

٢- يتوقع أن يحصل حزب الوفد على نصيب الأسد من المقاعد المتبقية، يليه حزب التجمع.

٣- ليس من المستبعد حصول نسبة كبيرة من الأحزاب الأخرى التى خاضت الانتخابات، على مقعد واحد لكل منها كى تصبح فى وضع قانونى يمكّنها من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وإذا صحت هذه التوقعات، وأظن أنها لن تبتعد كثيراً عن الحقيقة، يكون الحزب الحاكم قد نجح فى «استنساخ» مجلس شعب بالمواصفات المطلوبة، وأثبت مرة أخرى أنه يملك أسرار علم «الهندسة الانتخابية» التى مكنته من إحكام سيطرته على جميع المجالس التى بها عناصر «منتخبة»، ومن ثم إغلاق الباب أمام إمكانية استخدامها لفتح ثغرة فى جدار المادة ٧٦ يمكن النفاذ منها لترشيح شخصية مستقلة فى انتخابات الرئاسة.

لقد كان واضحا تماما، ومنذ التعديلات التى أدخلت على المادة ٧٦ عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٧، أن مقعد الرئاسة «محجوز» لمرشح الحزب الحاكم، وأنه سيظل كذلك حتى إشعار آخر. وهنا مربط الفرس، لن يصبح النظام السياسى المصرى قابلا للتطور الديمقراطى إلا بعد تعديل المادة ٧٦.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer