تجري في مدينة حلوان التي تحوي أشهر العيون المائية في مصر عمليات لاستعادة مكانتها العلاجية بمياه الكبريت بعد ان فتكت ببيئتها مصانع الاسمنت.
فتحي الشيخ من القاهرة: تبدو حلوان، تلك المدينة الواقعة جنوب القاهرة قد كتبت تاريخها في الدولة المصرية من خلال ما عرف عنها كمحمية صحية طبيعية، وأنها مدينة الشمس والهواء والعيون الكبريتية حيث أعتبر الفراعنة، حلوان أو "عين اون" كما كانوا يطلقون عليها، هبه من الاله، بعيونها الكبريتية، التي تشفي الامراض، وبعد الفتح الاسلامي،كانت المكان الذي أستقر عليه العلماء،أنه المكان الوحيد في مصر الذي لم يصبه وباء الطاعون، بعد أن اصاب العاصمة الفسطاط كلها، لينقل لها والي مصر عمر بن عبدالعزيز عام 70 هجريا مقر الوالي ومعسكرات الجنود، ويمر الزمان لتختفي حلوان من الاحداث لتعود للظهور بعد فترة من جديد في القرن الثامن عشر الميلادي عندما اعلن الخديوي عباس الاول والي مصر اقامة منتجع صحي علاجي في منطقة الحمامات الكبريتية بحلوان بعد أن أبلغه أحد قواد جيشه عن فوائد مياه العيون التي وجده جنوده هناك، وكيف شفي بها بعض جنوده الذين اصابهم الجرب بعدما أغتسلوا بمياه هذه العيون الكبريتية، وهكذا كان ظهور مدينة حلوان الوقعة جنوب القاهرة في التاريخ المصري من خلال عيونها الكبريتية وهوائها النظيف وشمسها المشرقة، ولكن هذا التاريخ أصبح مهدد بشكل كبير بعد تحويل مدينة حلوان لمنطقة صناعية على مدي العقود الماضية.
تقع حلوان في جنوب محافظة القاهرة وكانت إلى وقت قريب ضمن مدن المحافظة قبل أن تتحول إلى محافظة مستقلة،وهي تبعد عن النيل مسافة أربعة كيلو متر، وترتفع عن سطح البحر ب33متر، وترجع أهمية عيون حلوان الكبريتية كما يؤكد الدكتور حسين القاضي استاذ الامراض الروماتيزمية والطب الطبيعي،ورئيس مركز حلوان الكبريتي للطب الطبيعي والروماتيزم، إلى أن عيون حلوان من أشهر العيون المائية في مصر، وتلك الشهرة بسبب كمية الكبريت في المياه التي تصل إلى 27%، وتعد بذلك من أجود المياه الكبريتية في العالم مقارنة بمراكز الاستشفاء الأخرى في روسيا أو رومانيا أو إيطاليا، وهذا ما تم تسجيله في المراجع العلمية الدولية، ويشير القاضي إلى أن مياه العيون تعالج مرضى الروماتيزم والعظام والأمراض الجلدية بالاضافة لمرضي التهابات العظام والمفاصل وحالات شلل وضعف الأطراف والنقرس وأمراض الجهاز التنفسي واضطرابات الدورة الدموية، كما ثبت مؤخراً تأثيرها الممتاز على الجهاز السمعي ومشكلات الصداع المزمن.
هذه الأسباب يراها ياسر عبدالغني الخبير البيئي كانت تؤهل حلوان لتكون مدينة اهم مشفي علاجي في العالم وخاصة انها كانت قطعت شوطا كبير في ذلك وكانت تعد مشتي عالمي يأتي إليها السياح من مختلف الدول خاصة دول شمال اوروبا، ولكن التحول الذي حدث في المدينة بعد الهجمة المنظمة من قبل الدولة عليها لاقامة صناعات ثقيلة وملوثة للبيئة أثر كثيراًَ على مستقبل المنطقة.
رواية عبد السلام 50 عام تتذكر جيد منطقة حلوان وعيونها الكبريتية وتتعجب من غلقها من قبل الدولة في الوقت الحالي، قائلة أتذكر جيد كنا نذهب إلى العين لنضع ارجلنا في المياه، ونأخذ من مياهها لنستحم بها وكانت مفيدة جيدة، وكان يأتي أقاربنا من الصعيد ليستشفوا بمياهها.
حلوان كانت " مدينة "الشمس والهواء" هكذا يصف محمد عبد العال صاحب الستين عام مدينته التي ولد وتربي بها، قائلا كان يأتي لنا السياح من كل مكان للاستمتاع بجو حلوان الصحي وكانت تنتشر بالمدينة قصور العائلة المالكة التي كانت مشتي لهم ولكن منذ منتصف ستينات القرن الماضي بدأت مصانع الحديد والصلب والاسمنت تغزو المنطقة وفوجيء الأهالي بغلق منطقة العيون منذ بعض سنوات.
هذا التحول يرصده الدكتور مسلم شلتوت رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان قائلا:أن وجود المناطق الصناعية في حلوان والمناطق القريبة منها، يزيد من الملوثات الجوية في حلوان من غبار الإسمنت عن المعدل المسموح به عالميا عشرات المرات، وفي منتصف التسعينيات من القرن العشرين وصل المعدل إلى 32 مرة أكثر من المسموح به عالمياً، ومن هنا تُعتبر القاهرة الكبرى من أكثر المدن في العالم من ناحية الملوثات الجوية كأول وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والكربوهيدرات وأكاسيد الرصاص.
الدولة المصرية ترجعت عن خططها الصناعية في هذه المنطقة، وتسعي لتنفيذ خطة بيئية طموحة في تلك المنطقة، هذا ما يوكده لايلاف المتحدث الاعلامي لمحافظة حلوان قائلا: تم وضع حجر الاساس في بداية الشهر الحالى لمشروع طموح لتطوير منطقة عين حلوان يتكلف 5 مليون جنيه مصري بالمشاركة مع جامعة حلوان، لتعود المنطقة لسابق عهدها، حيث يوجد بها ثلاث عيون، إحداها كبريتية للأمراض الجلدية والروماتيزمية، والثانية معدنية لأمراض الكلى والكبد والعين الثالثة مياه حلوة عذبة وجميعها بهدف الاستشفاء والسياحة.
وتقوم الدولة حاليا بنقل مصانع الاسمنت في المناطق القريبة إلى مناطق اخرى وهذا سوف يكون له اكبر الاثر في ارجاع المنطقة إلى سابق عهدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات