كتب رسالة لبنان: أحمد بلال ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٠ |
«مُرّة أوى».. هكذا يصف العمال المصريون فى لبنان لقمة عيشهم. فى «ست الدنيا» بيروت، طافت «المصرى اليوم» على مشهد آخر من مشاهد الغربة، شباب فى مقتبل العمر، ورجال تركوا أولادهم وبيوتهم فى «المحروسة» وسافروا مع عصابات التهريب إلى لبنان بحثاً عن لقمة عيش لم يجدها غالبيتهم سوى فى محطات البنزين. فى هذا الملف تكشف «المصرى اليوم» كواليس تهريب البشر إلى لبنان، وتنصت لأصوات العالقين هناك، الذين ذهبوا بحثاً عن فرصة عمل أصبحت عملة نادرة فى الوطن، وأصبحوا جزءاً من مأساة مصرية خالصة، شردت خريجى جامعات وحولتهم إلى «عمال محطات وقود»، حيث يعملون نهاراً، ويحرسون أماكن عملهم ليلاً، ويتعرضون للتفتيش فى كل لحظة. فى هذا الملف يحكى عمال من المحروسة عن «لقمة العيش» التى تحولت إلى غربة، وعن أحلام «الستر» التى انتهت عند حدود «البقشيش» الذى أصبح العائد الرئيسى للمغتربين فى لبنان. عدد قليل جداً من المصريين الذين يعملون هنا، هم من أتوا إلى لبنان بطريقة شرعية، أما الغالبية العظمى منهم، فلم يكن أمامهم سوى دخول لبنان عن طريق التهريب، بعد أن دفعوا آلاف الجنيهات لسماسرة محترفين فى تهريب البشر عبر الدول المختلفة، يعرف كل شخص منهم الآخر، ويتقن كل منهم مهمة محددة فى عملية التهريب لا يقوم بسواها، وينتشرون فى عدة دول، كشبكة متكاملة، لكل عضو فيها دوره الذى يكمل دور الآخر. «محمد الغريب»، واحد من هؤلاء العمال الذين دخلوا لبنان يوماً بطريقة غير شرعية، ومكث دون أى أوراق قانونية لمدة سنتين ونصف السنة، حتى سمحت الحكومة اللبنانية بتسوية أوضاع العمال الأجانب المقيمين فى لبنان بطريقة غير شرعية. يحكى «محمد» لـ«المصرى اليوم» عن عمل شبكات تهريب العمال إلى لبنان. ويقول: «فى مصر تقتصر مهمة المهرب على أخذ النقود، وإجبار الشاب الراغب فى السفر إلى لبنان على التوقيع على إيصال أمانة، هو أو شخص آخر من أسرته، لحين استرداد بقية المبلغ، والقيام بالاتصال بمهرب آخر فى الدولة التى سينتقل إليها بعد مصر». الطريق إلى بيروت من القاهرة، يمر بعدة محطات، تتوقف على شبكة التهريب التى يتعامل معها الشاب، قد يذهب الشاب مباشرة إلى سوريا بحجة السياحة، وتتولى شبكة التهريب عمل حجز فندق له فى دمشق، وبسبب انكشاف هذه الطريقة، لجأت بعض شبكات التهريب إلى تسفير الشاب إلى السودان، ومنها إلى دمشق، حيث لا يعارض الأمن السودانى صعود الشاب المصرى إلى الطائرة المتجهة إلى سوريا، التى تعفى كل العرب من الحصول على تأشيرة دخول. الطريقة الثالثة لتهريب الشباب المصرى إلى لبنان هى أن يذهب الشاب عن طريق الأردن، حيث يقوم وكيل شبكة التهريب فى الأردن بعمل عقد وهمى أو حجز فندق وهمى للشاب المصرى ليسهل دخوله بشكل شرعى إلى الأراضى الأردنية. وهناك ينتظره المهرب الأردنى الذى تكتمل مهمته عندما يؤمِّن دخول الشاب المصرى إلى الأراضى السورية عن طريق التهريب، ويضيف محمد الغريب: «فى بداية هذا العام أحبطت السلطات الأردنية، فى نقطة حدود جابر، على الحدود الأردنية – السورية، محاولة لتهريب ٢٦ شاباً مصرياً، كانوا يختبئون فى سيارة خضروات تتجه إلى لبنان». الطرق الثلاثة تؤدى جميعها إلى دمشق، ومن هناك يتولى وكيل شبكة التهريب السورى، اقتياد الشباب المصرى، إلى منطقة على الحدود السورية – اللبنانية تسمى «وادى خالد». يقول محمد الغريب: «يستقر الشاب فى «وادى خالد» يومين أو أكثر، ويتصل المهرب بعامل مصرى يعرفه الشخص المهرب فى لبنان، ويخبره بوجوده، ويطلب منه مبلغاً من المال يتراوح - غالباً - ما بين ١٥٠٠ و٢٠٠٠ دولار، فى حين أن تكلفة الانتقال من سوريا إلى لبنان بشكل شرعى لا تتجاوز ١٥ دولاراً». يتابع الغريب: «إذا لم يتم الدفع فلن يدخل الشاب لبنان ولن يكون قادراً على العودة إلى مصر، فالشاب المهرب هناك يكون رهينة، وتحت رحمة شبكة التهريب». ويضيف محمد الغريب قائلاً: «ندفع من ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ دولار لشخص لم يأت بعد، وقد يتم القبض عليه أو قد يموت فى الطريق، خاصة أنه يسير وسط أشجار وقد يعبر نهراً ويصعد جبالاً، كى يتجاوز حواجز الجيش. وهناك العديد من الشباب ماتوا بعد أن أطلقت عليهم دوريات الجيش الرصاص، والجيش معذور، فهو يجد أشخاصاً مجهولين يسيرون ليلاً فى الجبل، ويركضون عندما يرونهم». |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات