الأقسام الرئيسية

ترشيح الرئيس ليس حلاً

. . ليست هناك تعليقات:
بقلم د.حسن نافعة ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٠

لا أظن أن أحدا توقع نزول المصريين إلى الشارع للتعبير عن فرحتهم العارمة بتصريحات تؤكد أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب فى انتخابات الرئاسة المقبلة. فالكل يدرك أن عمر الرجل تجاوز الآن ٨٢ عاما وسيكون قد تجاوز ٨٣ عاما حين يحين موعد الترشح فى العام المقبل وسيصبح عمره - أطال الله فيه - ٨٩ عاما فى نهاية ولايته السادسة. ولأن للطبيعة أحكامها,

فحتى بافتراض أن الرجل بصحة جيدة وشفى تماما من أمراض ألمت به ومن آثار عمليات جراحية أجريت له مؤخرا, فلن يكون باستطاعته أن يقود بلدا كبيرا كمصر يحتاج إلى جهد ضخم، يتطلب ما لا يقل عن ست عشرة ساعة يوميا من العمل الشاق. والكل يدرك أيضا أن ترشحه يعنى أنه سيكون رئيس مصر القادم لا محالة, ليس لأن الناس تريده أو تفضله على غيره, فهذا أمر غير وارد، لأن الأغلبية الساحقة من المصريين تعتقد أنه المسؤول الأول عن كل ما يعانون منه الآن,

ولكن لأن آلة التزوير الجهنمية ستعمل حينئذ بكل طاقتها. واستمرار الرئيس فى موقع المسؤولية والقيادة فى مثل هذه السن المتأخرة معناه أيضا أن غيره سيحكم من وراء ستاره وأن أقصى ما يستطيع هو أن يقوم به, فى ظل عدم قدرته على القيام بالجهد الذى تتطلبه إدارة يومية لدولة كمصر, أن يحتفظ لنفسه بحق الفيتو فى الموضوعات ذات الحساسية الخاصة. وإذا كان المصريون اعتادوا أن يروا رئيسهم يقضى أغلب أوقاته فى شرم الشيخ وهو فى كامل صحته, فمن المنطقى ألا يتوقعوا رؤيته الآن كثيرا فى عاصمة بلادهم المزدحمة والملوثة أو فى عواصم أجنبية تتطلب سفرا طويلا وشاقا.

لا أظن أيضا أن أحدا قد رأى فى تصريحات أمين الإعلام فى الحزب الوطنى دليلا على التخلى عن «مشروع التوريث»، فقد سبق للمسؤول نفسه أن صرح منذ أسابيع أو شهور قليلة بأن ترشيح نجل الرئيس فى انتخابات الرئاسة المقبلة أمر وارد, وأن الحزب لن يعلن رسميا عن مرشحه للرئاسة إلا قبيل فتح باب الترشيح. ولأنه من غير المعقول أن يضحى قطاع مهم ونافذ من النخبة الحاكمة, خاصة رجال الأعمال, بمشروعهم، هكذا ببساطة بعد كل ما ضخه من استثمارات, فمن الطبيعى أن تثور تساؤلات جادة حول أسباب ودوافع التصريحات الأخيرة فى هذا التوقيت بالذات.

فى تقديرى أن للأمر صلة واضحة بانتخابات مجلس الشعب المقبلة، ويبدو أن الحزب الحاكم أدرك مؤخرا أن الغالبية الساحقة من المصريين ترفض رفضا قاطعا مشروع نقل السلطة من الأب إلى الابن، وتعتبره سابقة خطيرة فى تاريخ مصر كله, وأن استمراره يلحق ضررا كبيرا بالحزب فى الانتخابات التشريعية المقبلة.

لذا لا يساورنى أدنى شك فى أن هذه التصريحات ليست سوى مناورة تكتيكية تستهدف التأثير على المناخ النفسى العام، الذى تجرى فيه انتخابات مجلس الشعب المقبلة, لكنها لا تشى مطلقاً بأى تحول فى التفكير الاستراتيجى للنظام الحاكم، الذى يبدو أنه لم يدرك بعد أن خصومة الشعب المصرى ليست مع جمال كشخص وإنما مع النظام.

لذا، فسواء قرر الحزب الحاكم ترشيح مبارك الأب أو مبارك الابن أو اختار أحداً غيرهما من هيئته العليا, بتشكيلتها الحالية أو بعد إدخال عنصر عسكرى فيها فى مؤتمره المقبل, فالنتيجة واحدة. ولأن شعب مصر يرفض التوريث بكل أنواعه, سواء كان توريثا بالدم أو بالاختيار من جانب رئيس أو حزب حاكم مهيمن ومغتصب للسلطة, فما لم تتح له الفرصة كاملة لاختيار رئيسه بحرية من بين كل من يجد فى نفسه الكفاءة لشغل هذا المنصب الرفيع، فلن يحظى الرئيس القادم, من وجهة نظره, بشرعية حقيقية, حتى ولو كان مبارك الأب نفسه!.

الحل يكمن فى التحول الديمقراطى الحقيقى، وليس فى ترشيح الرئيس الأب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer