نفس المنطق هو السائد وراء الدعوة بمد العمل بقانون الطوارئ. فمصر لا تستطيع أن تعيش فى أمن وأمان إلا تحت وطأة قوانين استثنائية فى كل مكان.. فى الشارع أو حتى فى قاعات الدراسة.. وكأن الخوف من المجهول هو الذى يحكمنا بدلاً من تأمين المستقبل بشىء من الثقة فى الناس والثقة فى قدرة الشرطة أيضا على التدخل وقت اللزوم.
والحقيقة أن الحكم كشف ذلك وأعلنه بما لا يدعو للشك أو الريبة حين قال إن «وجود قوات الشرطة داخل الحرم الجامعى يمثل انتقاصاً من استقلال الجامعة وقيداً على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب». لم يتحدث أحد عن حرية الشغب أو الجنازير أو الاستعراضات العسكرية.. لم يتحدث أحد عن حرية التخريب.. تلك أمور مرفوضة لكل عاقل واع فى هذا الوطن.
لكن ما حدث طوال تلك السنوات أن الدور الأمنى توغل ولم يقتصر على حماية المنشآت والطلبة ووأد العنف، بل امتد إلى تدخلات فى الشؤون الطلابية، وبالذات فى الانتخابات وفى الشؤون الإدارية: من يترقى ومن يصل لمناصب عليا.. وأصبح حرس الجامعة هو خصم الطلبة الأول.. سواء منهم المهتم بالسياسة أو حتى غير المهتم، فهل نريد لهذه العلاقة بين الشباب والشرطة أن تبقى على تلك الحالة؟!
لقد أضاف الحكم أن خروج حرس الجامعة من داخل أسوارها إنما يفرغ الشرطة إلى مهامها الجسام.. وأظن أن المؤسسة الأمنية سعيدة بذلك، لأن المهام تتكالب عليها بلا رحمة، فمطلوب منها من أول حماية طابور العيش إلى حماية الأمن فى الوطن فأى أعباء تلك وأى مهام جسام.
إن الاحتكاك المستمر بين حرس الجامعة والطلبة إنما يولد حالة من الغضب والعدوان بين أهم فئتين فى المجتمع، بل ويربى عند الشباب أن الخصم ليس من يعتدى على المنشآت بل الخصم هو من يقف له عند باب الجامعة. هنا تختل المقاييس والموازيين.. ويختل ترتيب الأمور فى عقل الشباب الذى نحلم أن يحمى هو أمن هذا الوطن دون خوف أو شك.
أما عن تأمين الجامعة فيمكن أن يكون بأفراد أمن الشركات الخاصة المدربة.. إضافة إلى تواجد للشرطة فى أماكن قريبة خارج أسوار الجامعة، فى حال تطور الأمور بشكل مبالغ فيه، بما يهدد أمن الجامعة أو الطلبة.
لقد وقعت معظم الأحداث داخل الجامعة فى ظل وجود حرس الجامعة، تماما كما وقعت معظم الهجمات الإرهابية فى ظل قانون الطوارئ.. القوانين والقواعد الاستثنائية لا تمنع، لكنها فقط تعلم الخوف وتربى الرعب لدى الشباب، والأهم أنها تنمى لديه السلبية، فلماذا يهتم بالسياسة ولماذا يوافق أو يعارض ولماذا يقبل أو يرفض ولماذا يهتم بالوطن أصلاً إن كان سيصيبه الضرر لو لا قدر الله قال لا.
إن الحكم هو بداية رفع الأسوار عن شبابنا ورفع الأغلال عن عقولهم الصغيرة، حكم يعيد للجامعة استقلالها وهيبتها ولا ينتقص من أهمية دور الشرطة.
فالأهم هنا أن نؤمن العقول قبل أن نؤمن المنشآت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات