الأقسام الرئيسية

سنوات الخداع (27)

. . ليست هناك تعليقات:

  October 12th, 2012 2:29 pm


 
على عكس الصفقة الأولى التى كان الأوروبيون قد طرحوها فى أغسطس 2005، جاءت هذه الصفقة بكثير من السخاء، وعرضت على وجه التحديد مد إيران بتكنولوجيا تقليدية ونووية لتوليد القوى. كما أن العرض تمت صياغته بصورة تعبر عن الاحترام لحقوق إيران، كما تضمن عناصر لاتفاق تجارى مع الغرب. غير أن العرض كرر مطالبة إيران بإيقاف برنامج التخصيب كشرط مسبق للمفاوضات، بل إن الصياغة بدت وكأنها تعلق حق إيران فى استئناف برنامج التخصيب على موافقة الغرب.

وطلب الإيرانيون مهلة حتى 22 أغسطس لدراسة العرض والرد عليه، وكانت إيران فى هذا الوقت ما زالت مستمرة فى تطوير أبحاث التخصيب، وبصدد الانتقال من عملية تجريبية قوامها من عشرة إلى عشرين جهاز طرد متتابع إلى تجربة قوامها مئة وأربعة وستين جهازًا. ولم يكن ذلك يجرى بانتظام تام، إذ كانوا يقومون بالتشغيل لمدة عشرة أيام ثم يتوقفون بضعة أيام ثم يستأنفون التشغيل. وكان خبراؤنا يعتقدون أنه كان بوسع الإيرانيين أن يسيروا بوتيرة أسرع كثيرًا لو أنهم أرادوا. وفى مرحلة ما، ذكر الإيرانيون أنهم ربما يقومون بتشغيل مجموعة ثانية من مئة وأربعة وستين جهازًا فى غضون ثلاثة أشهر، وهو ما نصحتهم بأن لا يقوموا به، لأن ذلك من شأنه أن يجعل المفاوضات أكثر تعقيدًا.

وكان طلب إيران مزيدًا من الوقت محل تشكك وريبة من جانب البعض فى الغرب، حيث رأى الأمريكيون وغيرهم أن الهدف من هذا الوقت هو تحقيق التقدم فى أبحاث وتطوير التخصيب الذى يقومون به، ولم يكن فى هذا أى منطق على الإطلاق، لأنه لم يكن من الممكن أن تحقق إيران أى تقدم يُذكر خلال فترة تقل عن ثلاثة أشهر. أما أنا فقد كنت أعتقد أن الأمر ناجم عن بطء عملية اتخاذ القرار فى إيران، بالنظر إلى تعقيدات وتداخلات المشهد السياسى، فهم يطيلون التفكير قبل صياغة أى استراتيجية، وهم أبدًا لا يبدون متعجلين. وخاصة إذا تعلق الأمر بمحاولة دفعهم لاتخاذ قرارات تحت الضغط الخارجى.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تريد الانتظار، وأصرت على أن يسعى «سولانا» إلى عقد اجتماع مع الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن قبل تاريخ 22 أغسطس. وقد وافق لاريجانى على عقد اجتماع فى بروكسل فى 11 يولية مع مجموعة الخمسة زائد واحد بدافع من رغبته فى استيضاح بعض تفاصيل الصفقة، خاصة ما يتعلق بالشروط المقترحة لإيقاف أنشطة التخصيب ومداه. وبدا بوضوح من مناقشاتى معه أنه عازم على التوصل إلى حل تفاوضى.
لكن هذا الاجتماع كان ضرره أكثر من نفعه. ففى منتصف المباحثات، تدخل «جون ساورز»، مسؤول الشؤون السياسية فى الخارجية البريطانية بشكل حاد، مقاطعا «سولانا» بينما كان يتحدث وموجها حديثه للاريجانى قائلا: «نحن نريد أن نعلم بصورة قاطعة ما إذا كنتم مستعدين لوقف أنشطة التخصيب أم لا».

وبالطبع، لم يكن من الممكن للاريجانى أن يقدم ردّا إيجابيّا عن هذا السؤال، لأن طهران لم تكن قد توصلت إلى رد نهائى، وانهار الاجتماع، وأعلن «سولانا» فى نهايته أن مجموعة خمسة زائد واحد أعلنت عزمها على إحالة الملف إلى مجلس الأمن.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، توجهت للمشاركة فى قمة الدول الثمانى فى مدينة «سانت بيترسبورج»، وهناك التقيت الرئيس «بوش»، الذى بادرنى مبتسما: «البرادعى!». ثم قال لى إنه يقدر الجهد الذى أبذله فى ما يتعلق بالملف الإيرانى، لأن أحدا لا يعلم على وجه اليقين ما الذى يجرى فى طهران. وبالطبع كان ردى أنهم يريدون بعض الوقت، لكنهم بالفعل يريدون التوصل إلى حل عبر التفاوض، فكان رده: «نحن مستعدون»، فى إشارة إلى نيته الاستماع لما لدى طهران أن تقوله.

ثم فى محادثة منفصلة أبدى «تونى بلير» نفس التعليق على ما قلته له بشأن رغبة إيران فى التوصل إلى حل تفاوضى. «نحن مستعدون»، قالها كما لو كان هو و«بوش» قد اتفقا معا على حرفية ما سيقولانه لى.
وبينما كان مجلس الأمن يقترب من التوصل إلى قرار حول الملف الإيرانى، جاء جواد وحيدى، نائب لاريجانى، لمقابلتى فى ڤيينا. وكان فحوى ما قاله لى إن إيران مستعدة للقبول بوقف نشاطات التخصيب، لكن كنتيجة يمكن التوصل إليها عبر صفقة من خلال التفاوض، وليس كشرط مسبق للبدء فى التفاوض، على أن يكون ذلك أيضا مرتبطا بحصول إيران على ضمانات أمنية من نوعٍ ما.
وأضاف وحيدى: «نحن نريد أن نعرف إذا ما كنا نتفاوض مع حليف أم مع خصم، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبرنامج النووى، ولكن بمجمل العلاقة بين أمريكا وإيران فى المستقبل».

ثم شرح الموقف الداخلى لأحمدى نجاد، وقال إنه لو وافق الرئيس الإيرانى الآن على وقف التخصيب من دون الحصول على شىء فى المقابل، فإن حكومته ستنهار.
وبعد ذلك أخبرنى وحيدى بما اعتبرته أمرا توضيحيّا ومقلقا فى الوقت نفسه، وهو أن روحانى، الذى كان يتفاوض مع الوكالة وقت تولى الرئيس خاتمى الحكم فى إيران، أصبح اليوم هو وفريقه معارضين لوقف التخصيب وقبول الصفقة. ولم يكن الأمر يتعلق فقط بالصفقة المعروضة عليهم والتى كانت بالتأكيد أفضل من سابقتها، لكن فى كونها قد تكون بداية لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذى يمكن أن يجعل من أحمدى نجاد بطلا قوميّا، وهو آخر ما كان يود أن يراه روحانى وفريقه، وبالتالى فقد عملوا كل ما فى وسعهم لعرقلة الصفقة التى عملوا جاهدين على إتمامها قبل ذلك. وكان ذلك أمرا مؤسفا، لأنه أوضح أن التركيز كان بالأساس على نتائج هذا الاتفاق على الفرقاء فى السياسة الداخلية الايرانية، وليس على إيجاد حل للازمة الإيرانية.

وكنت أخشى أن تضيع تلك الفرصة، فبادرت بالاتصال بمندوب أمريكا لدى الوكالة الدولية «جريج شولتى» لأخبره بأن الفرصة ما زالت متاحة للتوصل إلى اتفاق يشمل ترتيبات أمنية إقليمية واسعة، وأن ما يلزم للتحرك قدما هو أن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم تنازل بسيط للغاية. وطلبت منه أن يبلغ هذه الرسالة إلى واشنطن.
ولكن ذلك لم يتحقق، ففى أواخر يوليه 2006، قبل ثلاثة أسابيع من الموعد المحدد لتقديم إيران لردها، أصدر مجلس الأمن القرار 1696. وبمقتضى هذا القرار الذى تم تبنيه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذى يخول مجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة فى حالة تهديد السلم، أو الإخلال به، أو العدوان، أصبح وقف التخصيب إجباريّا. ومع نهاية شهر أغسطس، كان علىّ أن أقدم تقريرًا لمجلس الأمن يؤكد أن إيران أوقفت بالفعل عمليات تخصيب اليورانيوم.

كان من الصعب أن أتصور شيئا أبعد عن المعقول من القرار 1696، وما هو أشد مدعاة للانقسام، لأننا ببساطة كنا قد أنفقنا نحو أربع سنوات فى التحقق من برنامج إيران النووى، ولم يكن هناك ما يضير فى الانتظار لمدة ثلاثة أسابيع أخرى يمكن أن نستفيد منها فى إيجاد حل لمسألة التخصيب. وهو ما جعلنى أعتقد أن الإدارة الأمريكية ربما لا تكون معنية حقيقة بإيجاد حل للملف الإيرانى أو الحوار مع طهران. فهل يمكن أن تكون الإدارة أسيرة لمن لا يريد إلا مواجهة مع إيران، ومن يصر على تغيير النظام فى طهران؟
إضافة إلى ذلك، فإن القرار كانت به شوائب قانونية، فبالإضافة إلى أنه لم يكن هناك دليل على أن طهران لديها برنامج تسلح نووى، فإنه كان من المبالغة الشديدة وصف أجهزة الطرد المحدودة على المستوى المعملى لتخصيب اليورانيوم، وهو حق لكل الأطراف فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بأنها تمثل «تهديدا للأمن والسلم الدوليَّيْن».

وفوق هذا وذاك، فإن القرار كان يفتقر للمنطق، لأنه لو كانت هناك خشية حقيقية من سعى إيران لامتلاك سلاح نووى، فإن وقف أعمال التخصيب البحثية المحدودة المعلنة لم يكن ليعنى شيئا على الإطلاق. لو أن إيران كان لديها بالفعل برنامج فعال للتسلح النووى. فقد كان ينبغى أن يكون الهدف الأساسى هو الإبقاء على عمليات التفتيش التى تقوم بها الوكالة للبحث عن أنشطة التخصيب غير المعلنة لإيران أو برامج التسلح السرية. وقد أوضح التركيز على عمليات البحث والتطوير من أجل التخصيب فى «ناتانز» أن الأمر لا يتعلق ببرنامج تسلح سرى، بل بشأن نوايا إيران فى المستقبل.

والأسوأ من كل ذلك، كان توقيت القرار والذى تزامن مع حرب مشتعلة فى لبنان، ومع الصراع متفاقم بين حزب الله وقوات الدفاع الإسرائيلية، والذى أثر على حياة آلاف من المدنيين اللبنانيين. وعلى الرغم من الدعاوى التى صدرت عن المجتمع الدولى، فإن «بوش» و«بلير» استمرا فى رفضهما للدعوة لوقف إطلاق النار، بل إنه عندما طالب «كوفى أنان» كلّا منهما بالدعوة لوقف إطلاق النار كان ردهما: «لسنا مستعدين لذلك بعد».

واتضح فى ما بعد أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت فقط أن تسعى لوقف إطلاق النار، عندما اكتشفت أن الهجوم العسكرى الإسرائيلى لم يكن يحقق مبتغاه. وقبل ذلك وبدلا من أن تسعى لوقف القتال كانت الولايات المتحدة تهرع لتمد إسرائيل بقنابل شديدة الدقة فى التصويب.
7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer