October 11th, 2012 9:31 am
جاء الرد الإيرانى المتوقع فى سبتمبر 2005 بوقف العمل بالبروتوكول
الإضافى إذا ما تمت إحالة الملف الإيرانى لمجلس الأمن. وكان من شأن هذه
الخطوة أن تقلص بشدة قدرات التفتيش والتحقق من المواد والأنشطة التى قد
تكون غير معلنة والتى كانت متاحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها
جاءت بمثابة إعلان عن مزيد من التشدد فى المواقف المتخذة من قِبل الأطراف
فى الملف الإيرانى.
وكان لا بد من القيام بزيارة أخرى إلى واشنطن، وهو ما حدث فى شهر مايو، حيث التقيت «رايس» و«جون نجروبونتى» مدير المخابرات الوطنية الذى كان من رأيه أنه حتى إذا كان الهدف النهائى لطهران هو تصنيع سلاح نووى، فإن ذلك سيستغرق سنوات عديدة حتى يتمكن الإيرانيون من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لهذا الغرض. ولقد دأب «نجروبونتى» على الإدلاء بتصريحات علنيه بهذا المعنى، فى ما بدا لى أنه ربما كان محاولة لدرء التحريض على القيام بعمل عسكرى الذى كانت تنادى به إسرائيل والمتشددون فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وكنت أود استعادة مسار العلاقة مع «رايس»، التى كنت قد اختلفت معها بشدة فى الفترة السابقة للحرب على العراق، دون أن يحول ذلك دون استئنافنا فى ما بعد لعلاقة قوامها الاحترام المتبادل، وأحيانا شىء من الدعابة، خصوصا أننى كنت أرى أن «رايس» تتسم بالبراجماتية أكثر من الأيديولوجية خصوصا إذا كنا وحدنا، وفى كل الأحوال لم يكن خافيا أن آراء «رايس» لم تكن دوما هى التى يتم على أساسها اتخاذ القرارات، وأنها كانت ترى أن مهمتها الرئيسية هى تنفيذ قرارات الرئيس «بوش» الذى كانت تدين له بالكثير من الولاء. ورغم أننى لم أكن واثقا عادة من حقيقة مواقف «رايس»، فإننى كنت فى المجمل أنظر إليها بوصفها إحدى أهم الشخصيات التى يمكن التعامل معها فى إدارة «بوش» كما كنت أرى أنها مؤمنة بأهمية العمل الدبلوماسى.
وبعد حديث حول أمور صغيرة من هنا وهناك، انتقل الحديث إلى الملف الإيرانى وقلت لها بصراحة إنه ينبغى للولايات المتحدة الأمريكية أن تشترك فى الحوار مع إيران، لأن الحوار لن يتقدم دون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقبل توجهى إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت قد التقيت على لاريجانى، كبير المفاوضين الإيرانيين، وطلب منى أن أنقل إلى الولايات المتحدة أن الإيرانيين مهتمون بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط فى ما يخص الملف النووى الإيرانى، ولكن أيضا فى ما يتعلق بالعراق وأفغانستان وحزب الله وحماس. وعبّر لاريجانى عن قناعته بأن إيران يمكن أن تلعب دورا هامّا إزاء عدد من القضايا التى ستؤثر على انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها قادرة على دعم الأمن فى بغداد، والمساعدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية فى لبنان. وعندما ذكرتُ تلك النقطة لـ«رايس» لمحتُ لمعانا فى عينيها.
وقد أكدتُ مرة أخرى لـ«رايس» و«بوب جوزيف» أن المطالب الإيرانية لاستئناف البحث والتطوير على نطاق محدود لنشاطها النووى ليس له تبعات كبيرة من منظور انتشار التكنولوجيا الخاصة بالأسلحة النووية، وأنه فى النهاية يمكن للإيرانيين أن يقوموا بذلك بصورة سرية، وأنه من المشجع جدّا أن إيران اختارت أن تتحرك فى هذا الأمر بعلنية. وأن الشىء المهم هو تجميد أى تحرك نحو التخصيب على نطاق واسع والإبقاء على حضور قوى للوكالة فى إيران لأغراض التحقق من أنشطتها. فما الفائدة من التحقق التام من الأنشطة النووية المعلن عنها دون أن يكون هناك بروتوكول يسمح لنا بالتأكد من أنهم لا يقومون بأنشطة غير معلنة أو أن لديهم برنامجا سريّا؟ وأضفت أن الحصول على التكنولوجيا الخاصة بتطوير الأسلحة شىء والتحرك فعلا لتطوير هذه الأسلحة شىء آخر، وأكدت مرة أخرى أن الموافقة على المطلب الإيرانى لحفظ ماء الوجه سيكون مقابلا بسيطا فى سبيل ذلك.
ولقد سُررت عندما وجدت «رايس» تصغى باهتمام لما كنت أقوله لها، خاصة أنها اعتادت أن تستمع لعبارة واحدة تتردد دوما فى إطار الحديث عن الملف الإيرانى، وهى أنه لا ينبغى أن يُسمح للإيرانيين بتشغيل «ولا حتى جهاز طرد واحد»، وهى المقولة التى طالما رددها «ستيف هادلى»، وربما كان منشأ هذه المقولة من جانب البريطانيين فى أثناء تفاوضهم مع الإيرانيين، حيث قالوا إن برنامج بريطانيا لتصنيع السلاح النووى قام على تشغيل عدد قليل من أجهزة الطرد. وكانت عبارة «ولا حتى جهاز طرد واحد» قد اتخذت أهمية كبرى لدى أولئك المنظرين الأيديولوجيين الذين كانوا يرون فى الولايات المتحدة ضابطا يفرض النظام فى العالم، والذين كانوا يستمعون فقط بعضهم لبعض للإبقاء على معتقدات عفا عليها الزمن. فقد كان من الواضح أن هذا التوجه لن يجدى، لأن إيران لم تكن قطعا لتتخلى عن كل برنامج التخصيب بالكامل.
ولم يكن الكثيرون فى واشنطن يدعمون فكرة الحوار أو التقارب مع إيران، بل إن بعض التقارير قد أشارت فى أبريل إلى ترتيبات سرية لضربة محتملة ضد منشآت إيران النووية. أما «رايس» فكانت مقتنعة أن إيران ستتراجع لأنها ليست مثل كوريا الشمالية، ولا تريد أن تعيش معزولة عن العالم الخارجى.
وأجبت بأننى أخشى أن يأتى تزايد الضغط على إيران بنتيجة عكسية. وكنت أرى فى الوقت نفسه أن السياسة الأمريكية تجاه إيران كانت قائمة على التبسيط المخلّ من خلال عبارتين: «ولا حتى جهاز طرد واحد» و«إيران ستتراجع» وأنها أصبحت تفتقر إلى العمق والمرونة اللازمَيْن للتعامل مع الواقع المتغير.
وفى اللقاءات المنفردة مع «رايس»، حرصَت على تأكيد أنها والرئيس «بوش» يبذلان كل الجهد للتوصل إلى حل سلمىّ لقضية إيران فى محاولة للإيحاء بأنه لا يمكن تصور اللجوء إلى الخيار العسكرى. وبعد عدة أيام صدرت عن واشنطن تصريحات تفيد باعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط فى الحوار المباشر مع طهران فى حال ما التزمت بوقف كل الأنشطة المتعلقة بالتخصيب.
ولقد مثَّل هذا الموقف نقلة جذرية فى التصريحات العلنية التى كانت تصدر من واشنطن، وكان واضحا أن ذلك الموقف جاء نتيجة جهد بذلته «رايس» ومعاونوها فى مقابل الضغط الذى يمارسه المحافظون الجدد الذين يقولون بأن الحوار مع طهران يعطى النظام الإيرانى مشروعية، فى حين أنهم يَدْعون صراحة إلى تغيير هذا النظام.
على الرغم من ذلك، فلقد كان باديا أن ما تطلبه واشنطن فى المقابل من شأنه أن يُحدث خلافات داخلية مزلزلة بالنسبة إلى إيران، بالنظر إلى أن البرنامج النووى الإيرانى أصبح مسألة تتعلق بالكرامة الوطنية، وبالنظر أيضا إلى الصعوبات الكبيرة التى كانت حكومة أحمدى نجاد تواجهها على الساحة الداخلية، وهو ما يعنى أنه سيكون من الصعب عليها أن تقبل بترتيب يمكن أن تبدو على أساسه أنها تخضع لضغوط غربية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة الإيرانية لم تُرِد أن تقدم تنازلات تفاوضية مبكرة للغرب لأن ذلك يُضعِف موقفها التفاوضى، كما أن استئناف العمل فى برنامجها فى المستقبل سيكون معرضا للخطر لو أنه تم تصويره بأنه سيجىء كتنازل من جانب الغرب، وتلك مغامرة غير مأمونة العواقب.
وفى يونية 2006، وإزاء عدم وجود محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران، عاد الأوربيون مرة أخرى بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين للعمل على وضع صفقة جديدة لطرحها على طهران. وكانت الفكرة هى أن يُطرح على إيران مقترح له مساران، الأول أن تحصل إيران على جملة من الحوافز مقابل الموافقة على الحد من برنامجها النووى. والثانى هو الإنذار بعقوبات فى حال لم تقبل بذلك.
ومن جانبى، حاولتُ أن أشرح لهم أنه من المنظور الثقافى، فإن تقديم هذين الطرحين معا أى الجزرة والعصا سيجعل حكومة إيران تبدو كما لو أنها تتفاوض تحت التهديد، مما سيدفعها دفعا نحو رفض المقترح من باب الاحتفاظ بالاحترام الذاتى والتأييد الشعبى. ولم يكن لهذا المنطق أى علاقة بالأبعاد الفنية للموضوع. فالأسلوب الغربى فى التعامل مع إيران كان أشبه بالذهاب إلى السوق وعرض مبلغ مناسب على صاحب المتجر مع تهديده كذلك بحرق المتجر إذا لم يوافق على العرض. وإذا كان هذا الأسلوب يصلح لفيلم سينمائى يمثله «كلينت أيستوود» فهو مقضى عليه بالفشل منذ البداية فى التعامل مع إيران.
وقد أبدى الأوربيون تفهما مبدئيّا لهذا الطرح واتفقوا فى ما بينهم على مجموعة الحوافز، وكذلك على مجموعة من العقوبات. وقرروا أن يذهب «خافيير سولانا» إلى طهران لنقل المقترح، بحيث يتحدث فقط عن الحوافز دون إثارة أمر العقوبات المحتملة فى حالة الرفض.
وكان لا بد من القيام بزيارة أخرى إلى واشنطن، وهو ما حدث فى شهر مايو، حيث التقيت «رايس» و«جون نجروبونتى» مدير المخابرات الوطنية الذى كان من رأيه أنه حتى إذا كان الهدف النهائى لطهران هو تصنيع سلاح نووى، فإن ذلك سيستغرق سنوات عديدة حتى يتمكن الإيرانيون من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لهذا الغرض. ولقد دأب «نجروبونتى» على الإدلاء بتصريحات علنيه بهذا المعنى، فى ما بدا لى أنه ربما كان محاولة لدرء التحريض على القيام بعمل عسكرى الذى كانت تنادى به إسرائيل والمتشددون فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وكنت أود استعادة مسار العلاقة مع «رايس»، التى كنت قد اختلفت معها بشدة فى الفترة السابقة للحرب على العراق، دون أن يحول ذلك دون استئنافنا فى ما بعد لعلاقة قوامها الاحترام المتبادل، وأحيانا شىء من الدعابة، خصوصا أننى كنت أرى أن «رايس» تتسم بالبراجماتية أكثر من الأيديولوجية خصوصا إذا كنا وحدنا، وفى كل الأحوال لم يكن خافيا أن آراء «رايس» لم تكن دوما هى التى يتم على أساسها اتخاذ القرارات، وأنها كانت ترى أن مهمتها الرئيسية هى تنفيذ قرارات الرئيس «بوش» الذى كانت تدين له بالكثير من الولاء. ورغم أننى لم أكن واثقا عادة من حقيقة مواقف «رايس»، فإننى كنت فى المجمل أنظر إليها بوصفها إحدى أهم الشخصيات التى يمكن التعامل معها فى إدارة «بوش» كما كنت أرى أنها مؤمنة بأهمية العمل الدبلوماسى.
وبعد حديث حول أمور صغيرة من هنا وهناك، انتقل الحديث إلى الملف الإيرانى وقلت لها بصراحة إنه ينبغى للولايات المتحدة الأمريكية أن تشترك فى الحوار مع إيران، لأن الحوار لن يتقدم دون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقبل توجهى إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت قد التقيت على لاريجانى، كبير المفاوضين الإيرانيين، وطلب منى أن أنقل إلى الولايات المتحدة أن الإيرانيين مهتمون بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط فى ما يخص الملف النووى الإيرانى، ولكن أيضا فى ما يتعلق بالعراق وأفغانستان وحزب الله وحماس. وعبّر لاريجانى عن قناعته بأن إيران يمكن أن تلعب دورا هامّا إزاء عدد من القضايا التى ستؤثر على انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها قادرة على دعم الأمن فى بغداد، والمساعدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية فى لبنان. وعندما ذكرتُ تلك النقطة لـ«رايس» لمحتُ لمعانا فى عينيها.
وقد أكدتُ مرة أخرى لـ«رايس» و«بوب جوزيف» أن المطالب الإيرانية لاستئناف البحث والتطوير على نطاق محدود لنشاطها النووى ليس له تبعات كبيرة من منظور انتشار التكنولوجيا الخاصة بالأسلحة النووية، وأنه فى النهاية يمكن للإيرانيين أن يقوموا بذلك بصورة سرية، وأنه من المشجع جدّا أن إيران اختارت أن تتحرك فى هذا الأمر بعلنية. وأن الشىء المهم هو تجميد أى تحرك نحو التخصيب على نطاق واسع والإبقاء على حضور قوى للوكالة فى إيران لأغراض التحقق من أنشطتها. فما الفائدة من التحقق التام من الأنشطة النووية المعلن عنها دون أن يكون هناك بروتوكول يسمح لنا بالتأكد من أنهم لا يقومون بأنشطة غير معلنة أو أن لديهم برنامجا سريّا؟ وأضفت أن الحصول على التكنولوجيا الخاصة بتطوير الأسلحة شىء والتحرك فعلا لتطوير هذه الأسلحة شىء آخر، وأكدت مرة أخرى أن الموافقة على المطلب الإيرانى لحفظ ماء الوجه سيكون مقابلا بسيطا فى سبيل ذلك.
ولقد سُررت عندما وجدت «رايس» تصغى باهتمام لما كنت أقوله لها، خاصة أنها اعتادت أن تستمع لعبارة واحدة تتردد دوما فى إطار الحديث عن الملف الإيرانى، وهى أنه لا ينبغى أن يُسمح للإيرانيين بتشغيل «ولا حتى جهاز طرد واحد»، وهى المقولة التى طالما رددها «ستيف هادلى»، وربما كان منشأ هذه المقولة من جانب البريطانيين فى أثناء تفاوضهم مع الإيرانيين، حيث قالوا إن برنامج بريطانيا لتصنيع السلاح النووى قام على تشغيل عدد قليل من أجهزة الطرد. وكانت عبارة «ولا حتى جهاز طرد واحد» قد اتخذت أهمية كبرى لدى أولئك المنظرين الأيديولوجيين الذين كانوا يرون فى الولايات المتحدة ضابطا يفرض النظام فى العالم، والذين كانوا يستمعون فقط بعضهم لبعض للإبقاء على معتقدات عفا عليها الزمن. فقد كان من الواضح أن هذا التوجه لن يجدى، لأن إيران لم تكن قطعا لتتخلى عن كل برنامج التخصيب بالكامل.
ولم يكن الكثيرون فى واشنطن يدعمون فكرة الحوار أو التقارب مع إيران، بل إن بعض التقارير قد أشارت فى أبريل إلى ترتيبات سرية لضربة محتملة ضد منشآت إيران النووية. أما «رايس» فكانت مقتنعة أن إيران ستتراجع لأنها ليست مثل كوريا الشمالية، ولا تريد أن تعيش معزولة عن العالم الخارجى.
وأجبت بأننى أخشى أن يأتى تزايد الضغط على إيران بنتيجة عكسية. وكنت أرى فى الوقت نفسه أن السياسة الأمريكية تجاه إيران كانت قائمة على التبسيط المخلّ من خلال عبارتين: «ولا حتى جهاز طرد واحد» و«إيران ستتراجع» وأنها أصبحت تفتقر إلى العمق والمرونة اللازمَيْن للتعامل مع الواقع المتغير.
وفى اللقاءات المنفردة مع «رايس»، حرصَت على تأكيد أنها والرئيس «بوش» يبذلان كل الجهد للتوصل إلى حل سلمىّ لقضية إيران فى محاولة للإيحاء بأنه لا يمكن تصور اللجوء إلى الخيار العسكرى. وبعد عدة أيام صدرت عن واشنطن تصريحات تفيد باعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط فى الحوار المباشر مع طهران فى حال ما التزمت بوقف كل الأنشطة المتعلقة بالتخصيب.
ولقد مثَّل هذا الموقف نقلة جذرية فى التصريحات العلنية التى كانت تصدر من واشنطن، وكان واضحا أن ذلك الموقف جاء نتيجة جهد بذلته «رايس» ومعاونوها فى مقابل الضغط الذى يمارسه المحافظون الجدد الذين يقولون بأن الحوار مع طهران يعطى النظام الإيرانى مشروعية، فى حين أنهم يَدْعون صراحة إلى تغيير هذا النظام.
على الرغم من ذلك، فلقد كان باديا أن ما تطلبه واشنطن فى المقابل من شأنه أن يُحدث خلافات داخلية مزلزلة بالنسبة إلى إيران، بالنظر إلى أن البرنامج النووى الإيرانى أصبح مسألة تتعلق بالكرامة الوطنية، وبالنظر أيضا إلى الصعوبات الكبيرة التى كانت حكومة أحمدى نجاد تواجهها على الساحة الداخلية، وهو ما يعنى أنه سيكون من الصعب عليها أن تقبل بترتيب يمكن أن تبدو على أساسه أنها تخضع لضغوط غربية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة الإيرانية لم تُرِد أن تقدم تنازلات تفاوضية مبكرة للغرب لأن ذلك يُضعِف موقفها التفاوضى، كما أن استئناف العمل فى برنامجها فى المستقبل سيكون معرضا للخطر لو أنه تم تصويره بأنه سيجىء كتنازل من جانب الغرب، وتلك مغامرة غير مأمونة العواقب.
وفى يونية 2006، وإزاء عدم وجود محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران، عاد الأوربيون مرة أخرى بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين للعمل على وضع صفقة جديدة لطرحها على طهران. وكانت الفكرة هى أن يُطرح على إيران مقترح له مساران، الأول أن تحصل إيران على جملة من الحوافز مقابل الموافقة على الحد من برنامجها النووى. والثانى هو الإنذار بعقوبات فى حال لم تقبل بذلك.
ومن جانبى، حاولتُ أن أشرح لهم أنه من المنظور الثقافى، فإن تقديم هذين الطرحين معا أى الجزرة والعصا سيجعل حكومة إيران تبدو كما لو أنها تتفاوض تحت التهديد، مما سيدفعها دفعا نحو رفض المقترح من باب الاحتفاظ بالاحترام الذاتى والتأييد الشعبى. ولم يكن لهذا المنطق أى علاقة بالأبعاد الفنية للموضوع. فالأسلوب الغربى فى التعامل مع إيران كان أشبه بالذهاب إلى السوق وعرض مبلغ مناسب على صاحب المتجر مع تهديده كذلك بحرق المتجر إذا لم يوافق على العرض. وإذا كان هذا الأسلوب يصلح لفيلم سينمائى يمثله «كلينت أيستوود» فهو مقضى عليه بالفشل منذ البداية فى التعامل مع إيران.
وقد أبدى الأوربيون تفهما مبدئيّا لهذا الطرح واتفقوا فى ما بينهم على مجموعة الحوافز، وكذلك على مجموعة من العقوبات. وقرروا أن يذهب «خافيير سولانا» إلى طهران لنقل المقترح، بحيث يتحدث فقط عن الحوافز دون إثارة أمر العقوبات المحتملة فى حالة الرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات