October 10th, 2012 10:02 am
كانت تلك الأيام الثلاثة أياما ذات طبيعة خاصة على المستوى الشخصى، حيث
كانت أسرتى بكاملها برفقتى، زوجتى وابنتى وابنى وأمى وإخوتى وأخواتى، كما
كان برفقتى أيضا زملاء مقربون وأصدقاء من الوكالة وأصدقاء مقربون آخرون.
وفى هذا كله كانت والدتى مبعث ابتسام وسرور كالعادة. وقد أصبحت والدتى
نجمة وهى فى الثمانين من عمرها، حيث توالت قنوات التليفزيون للقائها فى
منزلها بالقاهرة عند إعلان الجائزة، وكانت تدلى بالحديث تلو الآخر، تتحدث
عنى وعن طفولتى والدموع تترقرق فى عينيها. وفى أوسلو كانت تتحرك بنشاط
وبخفة من احتفال إلى آخر. وفى إحدى الأمسيات بينما كنا متجهين لمكان ما
بسيارة الليموزين وكنا محاطين بركب من الشرطة وجدتها فجأة تقول: «إن هذا
يبدو كالحلم.. إننى أشعر كما لو كنت ملكة».
لقد كانت جائزة نوبل لحظة فارقة، ليس فقط بالنسبة إلىّ على المستوى الشخصى، لكن أيضا بالنسبة إلى تقدير العالم للعمل الذى تقوم به الوكالة وبالتوازى بالنسبة إلىّ إحساس الوحدة والفخر الذى جلبته للأمانة العامة للوكالة. وقبل ذلك لم تكن وسائل الإعلام قد اهتمت كثيرًا بعلمنا سوى بالنسبة إلى بعض عمليات التفتيش فى أماكن بعينها، على الرغم من أننا كنا نقوم عامًا بعد الآخر بتفقد 900 منشأة فى سبعين دولة.
ومن أهم ما حققَتْه الجائزة أنها لفتت النظر إلى أن قيمة عمل الوكالة لا تقتصر فقط على تفقد وتفتيش منشآت نووية وهذا هو عمل واحدة من إدارات الوكالة، لكنه يشمل أيضا الدعوة إلى الاستخدامات الآمنة للطاقة النووية فى خدمة الأغراض السلمية، بما فى ذلك علاج أمراض القلب، والبحث عن المياه الجوفية وتطوير استخدامها، وتحسين الحاصلات الزراعية كمًا ونوعًا. وبالنسبة إلى مجموعة عمل بهذا التنوع وتنتمى إلى خلفيات ثقافية وتعليمية ووظيفية متعددة، فإن ارتقاء الوعى العام بعملها بهذا القدر كان من شأنه تعزيز القناعة داخل المنظمة بأن الكل يعمل فيه لتحقيق هدف مشترك.
وقد أفادت الجائزة كذلك فى تيسير التواصل مع من نريد. كان عمل الوكالة فى العراق قبل الغزو فى مارس 2003، قد وضعها فى دائرة الضوء، وأصبحت من أشهر المنظمات الدولية. لكن حصولها على جائزة نوبل ضاعف من هذه الشهرة، وأصبح لديها قدرة أكبر لإيصال رسالتها عبر العالم سواء من خلال تسليط الضوء الإعلامى المكثف علينا، أم من خلال القدرة المتزايدة للقاء زعماء وقيادات العالم بعد أن كانت اللقاءات تُعقَد قبل ذلك على المستوى الوزارى. إن جائزة نوبل ولا شك غيّرت المعيار الذى يتم على أساسه التعامل مع الوكالة.
وبجانب كل ذلك فقد أكدت جائزة نوبل أهمية استقلالية عمل الوكالة، بل وأعطته دفعة جديدة. وبوصفى مديرًا عامّا للوكالة شعرت بأننى أصبح لدىّ مناعة أكبر فى مواجهة الاتهام بالانحياز أو التعاطف أو ما إلى ذلك من الاتهامات غير المنصفة التى كانت توجه إلىّ أحيانا.
فى الوقت نفسه قمت باستغلال هذه الفرصة لألفت الانتباه إلى محدودية الموارد المالية التى كانت متاحة لدى الوكالة، والتى كانت لا تسمح لنا بالتوسع فى تطوير التكنولوجيا المتاحة لنا، الأمر الذى يهدد استقلالنا ويضطرنا أحيانا إلى الاستعانة بالآخرين، كاعتمادنا مثلا على دولتين أو ثلاث لإمدادنا بصور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للكشف عن منشآت نووية غير معلن عنها. وعادة ما يتم إمدادنا بهذه الصور بشكل انتقائى، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى القدرات المالية التى تمكننا من اختيار ما نريد من الصور وشرائها. إلى جانب ذلك فنحن بحاجة أيضا لتدعيم قدرات مختبرات البحث النووى الخاصة بنا، التى تساعدنا فى عمليات التحقق.
ومنذ الفوز بجائزة نوبل أصبحت أتحدث بحماس أكبر وثقة أكبر عن ضرورة دعم استقلال الوكالة بسلطات قانونية أوسع وقدرات تكنولوجية أكبر وموارد مالية أكثر.
وبالطبع لم تقلل الجائزة على الإطلاق من شأن التحديات الكبيرة التى كنا بصددها، وإن كانت بالتأكيد عززت من قدرتنا وعزيمتنا على التصدى لهذه التحديات.
الفصل التاسع
إيــران 2006
«ولا جهاز طرد واحد»
بحلول يناير 2006، كانت المحادثات الملتبسة والمتعثرة بين إيران والمجتمع الدولى قد توقفت تماما. فلقد رأت إيران أن العرض الأوروبى لتقديم العون والمساعدة التكنولوجية لها مقابل وقف تطوير برنامجها النووى، كان عرضًا مهينًا من حيث الصياغة، وغير ذى فائدة من حيث المكاسب التى يطرحها على إيران، خصوصا ما يتعلق باحتياجاتها الأمنية والسياسية. ومع رفض العرض، وفشل المفاوضات بشأنه، استأنفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو ما أنهى الإيقاف الطوعى الذى كانت طهران قد قررته لأنشطتها النووية، وهى الخطوة التى أدت بمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إدانة «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها المقررة بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ولم يكن هناك تقدم ملموس يلوح فى الأفق. وكانت إيران تشعر بالثقة، فأسعار النفط كانت فى ارتفاع، فى وقت كانت الصين فيه معتمدة على واردات النفط والغاز من إيران، وكانت روسيا مستمرة فى بناء مفاعل بوشهر، كما كانت حريصة على الإبقاء على العلاقات الجيدة مع جارتها إيران.
وبالتالى، قررت إيران أن تقوم بمغامرة محسوبة، حيث أخطرت الوكالة فى 3 يناير بأنها تنوى اتخاذ خطوة للأمام باستئناف أعمال البحث والتطوير الخاصة بتخصيب اليورانيوم، ثم بعثت للوكالة بخطاب تطالبها فيه برفع الأختام التى كانت قد وضعتها على منشأة التخصيب فى «ناتانز».
وكانت هذه المغامرة المحسوبة تنطوى على قيام الإيرانيين بتشغيل عدد محدود من أجهزة التخصيب البحثية فى المحطة التجريبية، وكان الإيرانيون يعتقدون أن مجلس الأمن لن يفرض عليهم عقوبات جديدة، خصوصا أن إجراء عملية تخصيب لأغراض سلمية كان فى كل الأحوال فى إطار الحقوق القانونية المقررة لإيران بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأن قرار إيقاف العمل بهذا الحق كان بمثابة بادرة حُسن نية من قِبل طهران، بغرض تسهيل التفاوض. ولم يكن من المرجح فى تقدير طهران أن يتخذ مجلس الأمن إجراء ضدها لأن معظم حالات «عدم الامتثال» كان قد تم تصحيحها خلال العامين السابقين، كما أن عملية التخصيب الصغيرة تلك كانت بالفعل قانونية. وكان الإيرانيون على ثقة بأنه لن تكون هناك تداعيات سلبية لقرارهم، وأن المفاوضات مع الأوروبيين سيتم استئنافها، وأنهم، أى الإيرانيون، سيقبلون لاحقا بمهلة توقف خلالها عمليات التخصيب واسعة النطاق.
وحاول الروس وهذا ما يُحسب لهم الوصول إلى حل وسط بأن يسمح لإيران بتشغيل عدد محدود يتراوح بين ثلاثين وأربعين جهازًا من أجهزة الطرد فى إطار برنامجهم للبحث والتطوير بحيث يتم تحديد تفاصيلها بالتشاور مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن هذا الاقتراح تم سحبه من قِبل روسيا نظرا للرفض الأمريكى الحاسم لاستئناف إيران أى من أنشطة التخصيب، كما أن إيران نفسها لم تؤيد هذا الاقتراح صراحة.
كان المقترح الروسى فى نظرى معقولا، ويتيح الفرصة لتجاوز حالة التوقف التى وصلت إليها المفاوضات. وعندما زارنى «بوب جوزيف»، الذى حل محل «جون بولتون» فى فيينا أبلغته بذلك. وقد اتصلت بى «كوندوليزا رايس» مباشرة بعد هذا اللقاء معربة عن استيائها، لما وصفته بدعمى لاستئناف إيران لأنشطة التخصيب، مما يضفى الشرعية علىها. وكنت عندئذ فى دافوس، وذكرت لها أننى لم أتخذ موقفًا علنيّا فى هذا الشأن لكنى أرى أن المقترح الروسى جدير بالنظر فيه، لأن فوائده تفوق أضراره، خصوصا أنه إذا ما تم العمل به، فإنه سيمكن للوكالة بموافقة إيران أن تستأنف عمليات التحقق والتفتيش على المنشآت الإيرانية التى قد تكون غير معلنة تنفيذًا للبروتوكول الإضافى الذى وافقت إيران على تنفيذه بشكل مؤقت لحين التصديق عليه، كما ذكرت لها أنه من الضرورى بدء المفاوضات مع إيران، إذا كنا نأمل فى إيقاف تقدمها نحو التخصيب على نطاق واسع.
وفى نهاية تلك المحادثة المتوترة، أبلغتها أن القرار فى النهاية يرجع إلى مجلس الوكالة، لكنى مع ذلك مدين لهم بإبلاغهم بوجهة نظرى. بعد هذه المحادثة التقت «رايس» نظيرها الروسى «سيرجى لافروف» الذى أدلى بتصريحات صحفية تفيد بأنه لم يكن هناك مقترح روسى من الأساس، فى ما بدا محاولة لعدم الدخول فى مواجهة يمكن أن تزيد من تعقيد العملية الدبلوماسية.
وفى فبراير، قرر مجلس الوكالة إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وذلك فى ضوء الفشل المتكرر للتوصل لحل تفاوضى لمدة أكثر من عامين بين الدول الأوروبية الثلاث وبين طهران، معلنا بذلك دخول الأزمة مع إيران فى مرحلة جديدة.
ولكن أصوات أعضاء المجلس كانت منقسمة، فمن بين الدول الـ35 الأعضاء، امتنعت خمس دول نامية عن التصويت، بينما صوتت ثلاث دول ضد القرار، من منطلق أن وقف إيران لكامل نشاطاتها كان قرارا اختياريّا، ولم يكن هناك إلزام قانونى. ولقد مثَّل هذا الانقسام فى الآراء خرقا لقاعدة التصويت بالتوافق، فى مجلس محافظى الوكالة والتى تسمى «روح العمل فى ڤيينا». ولم يكن هذا الانقسام مؤشرًا طيبًا.
لقد كانت جائزة نوبل لحظة فارقة، ليس فقط بالنسبة إلىّ على المستوى الشخصى، لكن أيضا بالنسبة إلى تقدير العالم للعمل الذى تقوم به الوكالة وبالتوازى بالنسبة إلىّ إحساس الوحدة والفخر الذى جلبته للأمانة العامة للوكالة. وقبل ذلك لم تكن وسائل الإعلام قد اهتمت كثيرًا بعلمنا سوى بالنسبة إلى بعض عمليات التفتيش فى أماكن بعينها، على الرغم من أننا كنا نقوم عامًا بعد الآخر بتفقد 900 منشأة فى سبعين دولة.
ومن أهم ما حققَتْه الجائزة أنها لفتت النظر إلى أن قيمة عمل الوكالة لا تقتصر فقط على تفقد وتفتيش منشآت نووية وهذا هو عمل واحدة من إدارات الوكالة، لكنه يشمل أيضا الدعوة إلى الاستخدامات الآمنة للطاقة النووية فى خدمة الأغراض السلمية، بما فى ذلك علاج أمراض القلب، والبحث عن المياه الجوفية وتطوير استخدامها، وتحسين الحاصلات الزراعية كمًا ونوعًا. وبالنسبة إلى مجموعة عمل بهذا التنوع وتنتمى إلى خلفيات ثقافية وتعليمية ووظيفية متعددة، فإن ارتقاء الوعى العام بعملها بهذا القدر كان من شأنه تعزيز القناعة داخل المنظمة بأن الكل يعمل فيه لتحقيق هدف مشترك.
وقد أفادت الجائزة كذلك فى تيسير التواصل مع من نريد. كان عمل الوكالة فى العراق قبل الغزو فى مارس 2003، قد وضعها فى دائرة الضوء، وأصبحت من أشهر المنظمات الدولية. لكن حصولها على جائزة نوبل ضاعف من هذه الشهرة، وأصبح لديها قدرة أكبر لإيصال رسالتها عبر العالم سواء من خلال تسليط الضوء الإعلامى المكثف علينا، أم من خلال القدرة المتزايدة للقاء زعماء وقيادات العالم بعد أن كانت اللقاءات تُعقَد قبل ذلك على المستوى الوزارى. إن جائزة نوبل ولا شك غيّرت المعيار الذى يتم على أساسه التعامل مع الوكالة.
وبجانب كل ذلك فقد أكدت جائزة نوبل أهمية استقلالية عمل الوكالة، بل وأعطته دفعة جديدة. وبوصفى مديرًا عامّا للوكالة شعرت بأننى أصبح لدىّ مناعة أكبر فى مواجهة الاتهام بالانحياز أو التعاطف أو ما إلى ذلك من الاتهامات غير المنصفة التى كانت توجه إلىّ أحيانا.
فى الوقت نفسه قمت باستغلال هذه الفرصة لألفت الانتباه إلى محدودية الموارد المالية التى كانت متاحة لدى الوكالة، والتى كانت لا تسمح لنا بالتوسع فى تطوير التكنولوجيا المتاحة لنا، الأمر الذى يهدد استقلالنا ويضطرنا أحيانا إلى الاستعانة بالآخرين، كاعتمادنا مثلا على دولتين أو ثلاث لإمدادنا بصور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للكشف عن منشآت نووية غير معلن عنها. وعادة ما يتم إمدادنا بهذه الصور بشكل انتقائى، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى القدرات المالية التى تمكننا من اختيار ما نريد من الصور وشرائها. إلى جانب ذلك فنحن بحاجة أيضا لتدعيم قدرات مختبرات البحث النووى الخاصة بنا، التى تساعدنا فى عمليات التحقق.
ومنذ الفوز بجائزة نوبل أصبحت أتحدث بحماس أكبر وثقة أكبر عن ضرورة دعم استقلال الوكالة بسلطات قانونية أوسع وقدرات تكنولوجية أكبر وموارد مالية أكثر.
وبالطبع لم تقلل الجائزة على الإطلاق من شأن التحديات الكبيرة التى كنا بصددها، وإن كانت بالتأكيد عززت من قدرتنا وعزيمتنا على التصدى لهذه التحديات.
الفصل التاسع
إيــران 2006
«ولا جهاز طرد واحد»
بحلول يناير 2006، كانت المحادثات الملتبسة والمتعثرة بين إيران والمجتمع الدولى قد توقفت تماما. فلقد رأت إيران أن العرض الأوروبى لتقديم العون والمساعدة التكنولوجية لها مقابل وقف تطوير برنامجها النووى، كان عرضًا مهينًا من حيث الصياغة، وغير ذى فائدة من حيث المكاسب التى يطرحها على إيران، خصوصا ما يتعلق باحتياجاتها الأمنية والسياسية. ومع رفض العرض، وفشل المفاوضات بشأنه، استأنفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو ما أنهى الإيقاف الطوعى الذى كانت طهران قد قررته لأنشطتها النووية، وهى الخطوة التى أدت بمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إدانة «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها المقررة بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ولم يكن هناك تقدم ملموس يلوح فى الأفق. وكانت إيران تشعر بالثقة، فأسعار النفط كانت فى ارتفاع، فى وقت كانت الصين فيه معتمدة على واردات النفط والغاز من إيران، وكانت روسيا مستمرة فى بناء مفاعل بوشهر، كما كانت حريصة على الإبقاء على العلاقات الجيدة مع جارتها إيران.
وبالتالى، قررت إيران أن تقوم بمغامرة محسوبة، حيث أخطرت الوكالة فى 3 يناير بأنها تنوى اتخاذ خطوة للأمام باستئناف أعمال البحث والتطوير الخاصة بتخصيب اليورانيوم، ثم بعثت للوكالة بخطاب تطالبها فيه برفع الأختام التى كانت قد وضعتها على منشأة التخصيب فى «ناتانز».
وكانت هذه المغامرة المحسوبة تنطوى على قيام الإيرانيين بتشغيل عدد محدود من أجهزة التخصيب البحثية فى المحطة التجريبية، وكان الإيرانيون يعتقدون أن مجلس الأمن لن يفرض عليهم عقوبات جديدة، خصوصا أن إجراء عملية تخصيب لأغراض سلمية كان فى كل الأحوال فى إطار الحقوق القانونية المقررة لإيران بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأن قرار إيقاف العمل بهذا الحق كان بمثابة بادرة حُسن نية من قِبل طهران، بغرض تسهيل التفاوض. ولم يكن من المرجح فى تقدير طهران أن يتخذ مجلس الأمن إجراء ضدها لأن معظم حالات «عدم الامتثال» كان قد تم تصحيحها خلال العامين السابقين، كما أن عملية التخصيب الصغيرة تلك كانت بالفعل قانونية. وكان الإيرانيون على ثقة بأنه لن تكون هناك تداعيات سلبية لقرارهم، وأن المفاوضات مع الأوروبيين سيتم استئنافها، وأنهم، أى الإيرانيون، سيقبلون لاحقا بمهلة توقف خلالها عمليات التخصيب واسعة النطاق.
وحاول الروس وهذا ما يُحسب لهم الوصول إلى حل وسط بأن يسمح لإيران بتشغيل عدد محدود يتراوح بين ثلاثين وأربعين جهازًا من أجهزة الطرد فى إطار برنامجهم للبحث والتطوير بحيث يتم تحديد تفاصيلها بالتشاور مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن هذا الاقتراح تم سحبه من قِبل روسيا نظرا للرفض الأمريكى الحاسم لاستئناف إيران أى من أنشطة التخصيب، كما أن إيران نفسها لم تؤيد هذا الاقتراح صراحة.
كان المقترح الروسى فى نظرى معقولا، ويتيح الفرصة لتجاوز حالة التوقف التى وصلت إليها المفاوضات. وعندما زارنى «بوب جوزيف»، الذى حل محل «جون بولتون» فى فيينا أبلغته بذلك. وقد اتصلت بى «كوندوليزا رايس» مباشرة بعد هذا اللقاء معربة عن استيائها، لما وصفته بدعمى لاستئناف إيران لأنشطة التخصيب، مما يضفى الشرعية علىها. وكنت عندئذ فى دافوس، وذكرت لها أننى لم أتخذ موقفًا علنيّا فى هذا الشأن لكنى أرى أن المقترح الروسى جدير بالنظر فيه، لأن فوائده تفوق أضراره، خصوصا أنه إذا ما تم العمل به، فإنه سيمكن للوكالة بموافقة إيران أن تستأنف عمليات التحقق والتفتيش على المنشآت الإيرانية التى قد تكون غير معلنة تنفيذًا للبروتوكول الإضافى الذى وافقت إيران على تنفيذه بشكل مؤقت لحين التصديق عليه، كما ذكرت لها أنه من الضرورى بدء المفاوضات مع إيران، إذا كنا نأمل فى إيقاف تقدمها نحو التخصيب على نطاق واسع.
وفى نهاية تلك المحادثة المتوترة، أبلغتها أن القرار فى النهاية يرجع إلى مجلس الوكالة، لكنى مع ذلك مدين لهم بإبلاغهم بوجهة نظرى. بعد هذه المحادثة التقت «رايس» نظيرها الروسى «سيرجى لافروف» الذى أدلى بتصريحات صحفية تفيد بأنه لم يكن هناك مقترح روسى من الأساس، فى ما بدا محاولة لعدم الدخول فى مواجهة يمكن أن تزيد من تعقيد العملية الدبلوماسية.
وفى فبراير، قرر مجلس الوكالة إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وذلك فى ضوء الفشل المتكرر للتوصل لحل تفاوضى لمدة أكثر من عامين بين الدول الأوروبية الثلاث وبين طهران، معلنا بذلك دخول الأزمة مع إيران فى مرحلة جديدة.
ولكن أصوات أعضاء المجلس كانت منقسمة، فمن بين الدول الـ35 الأعضاء، امتنعت خمس دول نامية عن التصويت، بينما صوتت ثلاث دول ضد القرار، من منطلق أن وقف إيران لكامل نشاطاتها كان قرارا اختياريّا، ولم يكن هناك إلزام قانونى. ولقد مثَّل هذا الانقسام فى الآراء خرقا لقاعدة التصويت بالتوافق، فى مجلس محافظى الوكالة والتى تسمى «روح العمل فى ڤيينا». ولم يكن هذا الانقسام مؤشرًا طيبًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات